وضعت أحمر الشفاه وكحلت عينيها وأوردت وجنتيها ثم ارتدت فستان زفافها، وجلست في غرفتها تنتظره بلهفة، حتى يأخذها ويزُفها إلى عريسها، لكنه لم يُبال ولم يأت، بل كان الأب مشغولاً بحفل زفافه على العروس الرابعة الصبية التي تصغره بنصف عمره تقريباً، هذا هو موقف الأب دائماً تجاه الأبناء الـ 22 متخاذلاً، وأنانياً، وقاسياً، فكلما احتاجوا إليه، وجد مفراً وحجةً يطصنعها ويهرب من مسؤولياته تجاههم، لا ينفق عليهم ولا يقف إلى جانبهم ولا يذكر الأبناء أنه احتضانهم يوماً، فكان شغله الشغل زيجاته الأربع.

تتبنى «الوطن» حملة لمناهضة الزيادة السكانية، تحت شعار «2 بس عشان ياخدوا حقهم»، فكثافة عدد الأبناء تولد انفجارا سكانيا ومشاجرات وتضيقات اقتصادية بين الأسر، وأيضاً ينتج عنها أزمات نفسية شديدة تصل إلى حد الكره بين أفراد الأسرة.

مشي وسابني وأنا والدة
يعاني الأبناء الـ 22 من قسوة والدهم وأنانيته، فهو لم يكن أباً حنوناً يجمع بين أبنائه أو يلم شملهم، فنصف هؤلاء الأبناء لم يكونوا يعرفون بعضهم حتى اشتد عودهم، وهذا ما أكدته أمل محمد الزوجة الأولى، والتي تقطن في أحد الأزقة القديمة بحي المطرية بالقاهرة، تعيش في شقة لا تتعدى مساحتها الـ60 متراً، لم يهتم بها زوجها وبمجرد أن وضعت مولودها الرابع، وحدث انفجار بالرحم أثناء الولادة لم يحنّ عليها الزوج ولم يبارك لها على مولودهما الجديد، كل ما كان يشغله وقتها هو الانتهاء من إجراءات الزواج مرة أخرى، وطىّ صفحة الزوجة الأولى.


حمام بلدي
تقول «أمل» إنها تعيش حياة متدنية بسبب زوجها «المزواج» فهو لا يصرف عليها، لا تملك حق إيجارها لشهور متتالية، كثيراً ما تلجأ إلى الدَّين حتى لا تُطرد هي وأبناؤها من مالك العقار المتهالك الذي سكنت الطابق الأول به، جدرانه تنم عن شروخ سطحية واضحة، تواريها بلصق أوراق الزينة الملونة، بينما تضع ستارة قديمة على مدخل الحمام ذي الطراز البلدى، وخصصت مكاناً لحوض صغير يعلوه «حنفية» خارج الحمام، بينما يصدر فى الخلفية صوت اصطدام، حيث يقع مقبض باب الشقة باستمرار، فتضطر إلى غلق الباب طوال اليوم بالمفتاح، وفي عتمة الليل تضع مقعداً خشبياً خلف الباب لضمان الأمان لها ولأبنائها الأربعة.

خليك معايا يا أبو العيال
تحكي «أمل»، أن الزوج يهددها دائماً بالزواج عليها، يرفع صوته عليها ولم يتوقف عن الهجوم عليها، ورغم تلقيها كلمات قاسية طوال الوقت من زوجها، فإنها كانت دائماً ما تردد عليه لاستعطافه: «خليك معانا وأنا هشيلك واستحمل زى ما بستحملك على طول، بلاش تتجوز تاني ونفترق أنا وانت والعيال»، إلا أنه لم يبال ولم يتراجع عن فكرة الزواج للمرة الثانية.


خدامة في البيوت
بعد الطلاق لم تحصل «أمل» على نفقة الطلاق أو مصاريف أبنائها: «كل سنتين أو 3 سنين يا دوب يبعت لنا 200 جنيه، وفى الظروف الصعبة دى مايكلموش حق العيش اللي بناكله في الشهر»، فتضطر طوال الوقت اللجوء إلى أبنائها لمساعدتها فى دفع الإيجار والمساعدة فى المعيشة: «اللي بيشتغل في محل ملابس، واللي شغال على توك توك، وأنا بشتغل في البيوت وبجيب حاجات بالقسط ابيعها».

جحود أب
ينجب الأب أطفالاً كثيرون ولا ينظر إلى الخلف، ولا يباركهم ولا يراهم، فقط يكتفي بتسجيلهم على اسمه داخل مراكز الصحة حتى يحصلون على شهادات ميلادات فقط تثبت نسبهم، وتحكي «أمل»: «بنتى قبل خطوبتها كلمته كتير ييجي يشوفها ويحضر فرحها ولا جه ولا سأل، لما زعلت جالها السكر» ندمت حقيقي شعرت به هذه الزوجة بسبب هذا الزواج الفاشل: «لو كنت بس اعرف ولا اتجوزته ولا قررت امشي من بيت أبويا وشيلت الهم وعجزت بدري وضهري اتكسر والست مالهاش حق طول ما العيال في رقبتها الراجل اللي زي طليقي بيبح لنفسه يروح يتجوز ويسيب كوم لحم وراه»، بنبرة باكية قالت «أمل» هذه الكلمات حتى تعبر عن غضبها وسخطها.

أبويا اتجوز ومجوزنيش
عمرو محمد عبدالحميد 24 عاماً، وهو ابناً للزوجة الثانية، والتي اكتفت بإنجاب «عمرو» وشقيقته «ياسمين» ذات الـ 15 عاماً، ويقول: «اتصلت أعزم أبويا على فرح أختى ففوجئت أنه بيتجوز قبل الفرح بيومين».

لم نستطع زيارة بيوت الزوجات الأربع، ولكن التقينا الزوجة الثانية في شارع سوق القنال بمنطقة جسر السويس، يختلف الوضع، فالبيت مساحته أكبر، يتسع لغرفتَي نوم وصالة كبيرة ذات 3 مستويات، تقبع في أحد أركانها منضدة سفرة يتراص حولها 6 كراسي، وفي جانب آخر من الصالة يوجد تمثالان كبيران لحصانين لونهما أسود، بينما مثبت في أحد الجدران شاشة تلفزيون 32 بوصة، فعلى الرغم من أن طليقها لا يرسل لها نفقة ولا مصاريف، فإن بيتها لا ينقصه شىء، حيث تعمل في إحدى دور الأيتام.

ويساعد «عمرو»، 20 عاماً، في نفقات المنزل، من خلال العمل مع والده على عربات النقل الثقيل، مقابل أجر رمزي قدره 500 جنيه، يساهم به في إيجار المنزل.

أبويا وحشني
كثيراً ما تشتاق «ياسمين» إلى والدها، لكنها لم تستطع أن تراه باستمرار فطوال الوقت متغيباً عن المنزل:«أنا مش فاضيلكوا، أنا بشتغل وبجيبلكوا الفلوس.. أنا عندى بيوت تانية محتاجة مصاريف»، حسب قول «ياسمين» التي لولا خضوعها لعملية صغيرة في عينها اليسرى، ما كانت رأت والدها.

مداوبهم أربعة
تزوج الأب حالياً بزوجته الرابعة التي تصغره بنصف عمره تقريباً، فهو يبلغ 60 عاماً، أما زوجته فهي 28 عاماً، ويعمل سائق للنقل الثقيل، ويستقر معه زوجته الحديثة التي تزوجها قبل 3 أعوام وأنجبت له طفله الـ 22، ويبلغ من العمر حالياً 3 سنوات.

نفسي أترمي في حضنك يابا
رغم أن «عمرو»، يرى والده يومياً، حيث يعملان معاً، فإنه لا يُعتبر أسعد حظاً عن باقى إخوته الـ20: «بشوف أبويا كأني بشوف زميل عادي، عمرى ما خدته بالحضن ولا قعد معايا عشان يطمن على إخواتي وأمي»، يفتقد «عمرو» الجو الأسري الذي حُرم منه منذ الصغر، يتذكر جيداً آخر مرة جلس فيها والده معهم على مائدة الغداء، كان ذلك سنة 2011، منذ ذلك الحين لم يشعر بالجو العائلي قط.

معرفش أسامي أخواتي
أخفقت محاولات «عمرو» عندما حاول أن يجمع باقى إخوته الـ20، حيث انتقلت عدوى الأب لمعظم إخوته وهى «اللامبالاة»، فضلاً عن باقي إخوته الذين لا يعرفهم ولم يسمع عنهم منذ ولادتهم: «ماعرفش أسامي أخواتي، يا دوب أعرف 10 بس دول اللي بقابلهم عند مراة أبويا الأولى».

اقرأ أيضاً.. أب وأولاده ينامون على "صالون قديم" في الشارع: أمهم طفشت فقلت لهم ماتت

ماليش صورة مع أبويا
جفاء شديد عاناه «عمرو»، فكثيراً ما يحن إليه ويشتاق إلى حضنه، ورغم تعدد بيوته الزوجية، وكبر عدد أبنائه، فإنهم جميعاً لا يحتفظون بصورة واحدة له، ولا تحتفظ زوجاته بصور العرس، فقط يكتفون باتصال تليفوني به كل عدة سنوات.