جمعت والده ووالد أم كلثوم صداقة.. وألف 539 عملا فنيا وتعاون مع 120 شاعرا

كتب – نعيم يوسف

إذا ذُكرت الموسيقى العربية، والألحان المصرية، فلا بُد أن يُذكر اسم واحد من أشهر الملحنين المصريين، والذي لحن الأغنية التي وصفها النقاد بأنها "تاج الأغنية العربية وأروع أغنية عربية في القرن العشرين".. إنه العبقري رياض محمد السنباطي، والمعروف باسم "رياض السنباطي".

في 30 نوفمبر عام 1906، استقبلت أسرة مصرية بسيطة في مدينة فارسكور، بمحافظة دمياط، التي تشتهر بالصناعات الحرفية، طفلا سيكون محترفا في واحدة من أهم الصناعات في المائة عام التالية، ولكنها ليست صناعة الأثاث، بل صناعة الموسيقى، إنه الطفل رياض محمد السنباطي، الذي كان والده يغني في الأفراح والمناسبات مع والد أم كلثوم.

عاشق للفن منذ صغره
تفتحت أذنا الطفل الصغير على أوتار عود والده تعزف أجمل الألحان، فعشق الموسيقى، التي صرفه عشقها عن التعليم، خاصة بعد تعرضه لإصابة في عينيه، فاهتم والده بتنمية حبه للموسيقى حتى أصبح "رياض" نجم الفرقة الأول، وحينها استمع إليه نجم الغناء في هذا الوقت سيد درويش، الذي رغب في أن يأخذه معه إلى الإسكندرية من أجل تحقيق مستقبل أفضل للشاب الصغير، إلا أن والده رفض لأنه يعتمد عليه بشكل كبير، وكان يلقب وقتها بـ"بلبل المنصورة".

الطريق إلى النجاح يبدأ من القاهرة
رحلة النجاح التي خاضتها أم كلثوم مع والدها بعد الانتقال إلى العاصمة، شجعت والد "رياض" على أن يكررها.. ولما لا، فهما عملا كثيرا مع بعضهما البعض في وقت سابق، وبالفعل ارتحلوا إلى العاصمة المصرية، وقرر رياض بذكائه أن يبدأ مسيرته بالاحتراف، وتقدم للدراسة في معهد الموسيقى العربية، وفي الامتحان أذهل "السنباطي" جهابذة الموسيقى الذين اختبروه، وبدلا من قبوله طالبا في المعهد قرروا تعيينه في المعهد أستاذا لآلة العود والأداء. ومن هنا بدأت شهرته واسمه في البروز في ندوات وحفلات المعهد كعازف بارع.


رحلة العمل مع كوكب الشرق

استمر "السنباطي" في المعهد أستاذا للعود ثلاث سنوات، حتى قرر الاستقالة بعد التعاقد مع شركة "أوديون" للأسطوانات، والتي قدمته كملحن للعديد من نجوم الغناء، وبالفعل تعاون معهم في العديد من الأعمال الفنية، وبعد أن حصل على هاتف منزلي، أجرى اتصالا هاتفيا في –في أول يوم لتركيب الهاتف- بأم كلثوم، وعرفها بنفسه، فعرفته وقالت له في نهاية المكالمة: "طالما أنت في القاهرة وأنا في القاهرة خلينا نشوفك"، وبالفعل تعاونا في أغنية "على بلد المحبوب وديني"، ليبدأ بعدها رحلة من التعاون مع كوكب الشرق وصلت إلى 95 أغنية، أبرزها الثنائيات التي اشترك فيها مع أشهر الشعراء، أحمد رامي، وأحمد شوقي، وبيرم التونسي، وعبدالوهاب محمد، وعبدالفتاح مصطفى، وغيرهم من الشعراء، ومن أشهر أغانية التي قدمها لكوكب الشرق أغنية "الأطلال" التي وصفها النقاد بأنها تاج الأغنية العربية وأفضل أغنية في القرن العشرين.

50 عاما من الإبداع
على مدار نصف قرن من الفن والإبداع، قدم السنباطي 539 عملاً في الأوبرا العربية والأوبريت والاسكتش والديالوغ والمونولوغ والأغنية السينمائية والدينية والقصيدة والطقطوقة والمواليا. وبلغ عدد مؤلفاته الموسيقية 38 قطعة، وبلغ عدد شعراء الأغنية الذين لحن لهم 120 شاعراً، أبرز من غنوا من تلحينه أم كلثوم، ومنيرة المهدية، وفتحية أحمد، وصالح عبد الحي، ومحمد عبد المطلب، وعبد الغني السيد، وأسمهان، وهدى سلطان، وفايزة أحمد، وسعاد محمد، ووردة، وميادة الحناوي ونجاة، وسميرة سعيد، وابتسام لطفي وطلال مداح، وعزيزة جلال التي قدم لها مجموعة من الأغاني العاطفية ولحن لها آخر عمل فني له: قصيدة الزمزمية وقصيدة "من أنا؟" و قصيدة أشواق لميادة الحناوي لتكون بذالك عزيزة جلال آخر فنانة تقدم أعمال رياض السنباطي.


تراث فني عريق
من أبرز مؤلفاته: اجمعي يا مصر، اذكريني، أصون كرامتي، أغار من نسمة الجنوب، افرح يا قلبي، أقبل الليل، أوبريت عايدة (الجزء الثاني)، الشمس مالت للمغيب، بين عهدين، جددت حبك ليه، ح أقابله بكرة، حيرت قلبي معاك، حيوا الربيع، دليلي احتار، ذكريات، أغنية رباعيات الخيام، سهران لوحدي، مصر التي في خاطري، عودت عيني، غلبت أصالح في روحي، غنى الربيع، فاكر لما كنت جنبي، قضيت حياتي، كيف مرت على هواك القلوب، لما أنت ناوية تهاجريني، نشيد الشباب، النوم يداعب عيون حبيبي، هجرتك، هلت ليالي القمر، الورد فتح، يا شباب النيل، يا طول عذابي، يا ظالمني، ياللي كان يشجيك أنيني، يا ليلة العيد، سلوا كؤوس الطلا، سلوا قلبي، السودان، نهج البردة، ولد الهدى، اتعجل العمر، إلى عرفات الله، بأبي وروحي الناعمات، الملك بين يديك، النيل، وأقولك إيه عن الشوق، توبة، الزعيم والثورة، طوف وشوف، لسه فاكر، لا يا حبيبي (ليلي ونهاري)، منصورة يا ثورة أحرار، يا حبنا الكبير، حسيبك للزمن، شعب العراق الحر ثار، حولّنا مجرى النيل، قوم بإيمان وبروح وضمير.

وداع بعد الكثير من الجوائز

حصل على العديد من الجوائز، أبرزها: وسام الفنون من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1964، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس محمد أنور السادات، وجائزة المجلس الدولي للموسيقى في باريس عام 1964، وجائزة الريادة الفنية من جمعية كتاب ونقاد السينما عام 1977، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون والموسيقى، وقام ببطولة فيلم سينمائي واحد، إلا أنه لم يكرر التجربة لأنه وجد نفسه في التلحين وليس التمثيل، وتوفي في 10 سبتمبر عام 1981.