بقلم : د.ماجد عزت إسرائيل

 
 البطريرك هو خليفة السيد المسيح ورسله، وحاكم في عقد شرعه، واسم البطريرك مأخوذ من مفهوم الأبوة، فمعناه الأب الأول ولذلك هو المسئول عن كل شيء. فالبابا هو رئيس الأساقفة،  ويبارك ولا يبارك عليه، ويرأس المطارنة والأساقفة ويعمل على حفظ الدين على أصوله، وقطع البدع، والحكم بالعدل، وإعطاء الرئاسات (الرسامات والدرجات الكهنتوية ) لمستحقيها والقائمين بها، ومشورة أهل العلم والتعليم لشعبه والوعظ والتهذيب، لأنه الرقيب عليهم بعد الله والمطالب بهم أمام الله . فقد قال الله لحزقيال النبي: "«يَا ابْنَ آدَمَ، قَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. فَاسْمَعِ الْكَلِمَةَ مِنْ فَمِي وَأَنْذِرْهُمْ مِنْ قِبَلِي.إِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: مَوْتًا تَمُوتُ، وَمَا أَنْذَرْتَهُ أَنْتَ وَلاَ تَكَلَّمْتَ إِنْذَارًا لِلشِّرِّيرِ مِنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ لإِحْيَائِهِ، فَذلِكَ الشِّرِّيرُ يَمُوتْ بِإِثْمِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. وَإِنْ أَنْذَرْتَ أَنْتَ الشِّرِّيرَ وَلَمْ يَرْجعْ عَنْ شَرِّهِ وَلاَ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ بِإِثْمِهِ، أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ." (حز 3 :17-  19).
   ودعت قوانين الكنيسة، وما تركه الرسل والآباء الرسوليين من قوانين"بألا يربط أحد إلا ما ربطه الشرع، ولا يحل إلا ما حله الشرع" ( استخدام سلطان الحل والربط لضرورة الرحمة والعدل، وقد ورد في قوانين الآباء الرسل تحذير لهم بعدم استخدام المنشار الحاد الأسنان و عدم الظلم أو القسوة في الحكم) . 
   والبطريرك أو الأسقف أو القس والشماس، وكل من له طقس (رتبة) في الكهنوت، لا يدنس لسانه بلعنه (شتيمة ) لئلا يرث أللعنه (غضب الله) بدلاً من البركة. والبطريرك لا يتعـالى (يتكبر )على الأســـاقفة لأنه واحــد منهم، والأساقفة على القسوس والشمامسة على الشـــــعب لأن قيام الكــنيسة ببعضها البعض. والبابا هو المسئول عن انعقاد "المجمع المقدس" ورئاسته؛ لأهميته في إصدار القرارات كأعلى مجلس كنسي، ويجب عليه الاهتمام بالعمل المسكوني والسعي وراء وحدة الكنائس. و كما أنه المــسئول عن إقامة الشعائر الدينة في كل رعــيته؛ ولذالك فهو مطالب بتوفير الكـــنائس –بسبب زيادة السكان – لممارسة طقوس الكنيسة. والبطريرك مسئول على المناطق التي تم رسامته عليها، فهو مطالب بعد اختياره، بنشر الكرازة بها . والبابا باعــــتراف المـــــصادر الحكومية "الناظر على أوقاف الأقباط والكنائس والأديــرة " ينـظر في شئونها المالية حسب ما يمليه عليه ضميره
البطريرك ومسؤوليته عن تقديس الميرون والغاليلاون
    البطريرك مسئول عن صناعة " الميرون " ( الزيت المقدس)، ومن البطاركة الذين قاموا بذلك أكثر من مرة على سبيل المثال وليس الحصر المتنيح قداسة البابا" شنودة الثالث " البطريرك (117)(1971-2012م) حيث قام بذلك أعــــــوام( 1981م/1987م/1993م/1995/ 2004م/ 2005). وقداسة البابا تواضروس الحالي البكريرك رقم 118 (منذ 2012م أطال الله عمره ومتعه الله بكل الصحة والعافية) اليوم 11 مارس 2021 المرة الثالث  لصناعة وتقديس الميرون.
 
والآن عزيزي القارىء آتركك مع كلمة: صاحب القداسة البابا تواضروس الثاني الذي ألقاها في دير الأنبا بشيوي ببرية شيهيت بوادي النطرون يوم(٢ برمهات ١٧٣٧ ش / 11 مارس 2021م)   عن تقديس الميرون والغاليلاون وهذا نصها: 
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين تحل علينا نعمته ورحمته من الآن وإلى الأبد آمين.
نشكر إلهنا الصالح الذي أتى بنا إلى هذه الساعة المقدسة، وأود ونحن في ختام هذا الأسبوع الحافل بالمناسبات الكنسية أن أقدم شكرًا بالغًا لكل الآباء المطارنة والأساقفة الذين حضروا من أماكن متعددة من داخل وخارج مصر ليشتركوا في أفراح هذا الأسبوع. هذا الأسبوع أسبل الله علينا نعم كثيرة وأعطانا من فيض محبته، بدأنا المجمع المقدس يوم الخميس الماضي وقبلها اللجان المجمعية، ولم نتقابل قبلها لسبب ظروف الجائحة منذ شهر يونيو ٢٠١٩ كانت آخر جلسة للمجمع المقدس.
 
ويوم السبت والأحد الماضيين فرحنا بتجليس اثنين من الأحبار الأجلاء وسيامة ٧ من الأساقفة لينضموا كأعضاء في المجمع المقدس. وكانت فرحتنا كبيرة أن تقام تلك الصلوات في كاتدرائية ميلاد المسيح في العاصمة الجديدة، وكانت فرحتنا كبيرة أن تدق أجراس هذه الكاتدرائية لأول مرة وهذا تاريخ يجب أن يُحفَظ. وفرحنا بحضورنا التذكار السنوي الأول لنياحة مثلث الرحمات الأنبا صرابامون رئيس هذا الدير. والله من نعمته أختار رئيس جديد لهذا الدير دير الأنبا بيشويد نيافة الأنبا أغابيوس، الذي فتح الدير ومعه كل الرهبان لكي ما نحتفل بهذا الميرون المقدسد الأمس واليوم.
ومن نعم الله إننا اشتركنا في تذكار اليوبيل الذهبي لنياحة القديس البابا كيرلس السادس في ديره العامر في مريوط واشتركنا جميعًا في هذا التذكار المحبوب لدينا جميعًا.
 
ثم في ختام أفراح هذا الأسبوع احتفلنا بالأمس بإعداد الميرون المقدس ثم أكملنا في هذا اليوم تقديس زيت الميرون وزيت الغاليلاون وهى فرصة وبركة لنا جميعًا، ومشاركة الآباء المطارنة والأساقفة تفرحنا جميعًا.
 
احتفلنا مساء أمس بافتتاح الموقع الرسمي الإلكتروني للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وحدث عليه إقبالًا بالآلاف بمجرد افتتاحه. وسوف يبدأ في العمل ويضاف إليه الكثير والكثير عن كل ما يريد الإنسان أن يعرفه عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
يا إخوتي الأحباء هذه أيام مباركة ومفرحة، وأنا في داخلي أشعر بالأسف لمن لم تسعفهم الظروف بالحضور والمشاركة، لأن هذه المناسبات وتجمعها في أسبوع واحد ربما تكون حادثة نادرة في التاريخ. فلم نقرأ في التاريخ عن اجتماع كل هذه المناسبات معًا وهذا من نعم الله علينا جميعًا، أود أن أقول كلمة روحية صغيرة بمناسبة الميرون.
 
الميرون زيت التدشين والتخصيص والتثبيت، من المفارقات الجميلة في الصوم الكبير إننا في بداية الصوم نقرأ في اناجيل القداسات عن العين البشرية " سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَمَتَى كَانَتْ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلِمًا" (مت ٦ : ٢٢). وفي نهاية الصوم في آخر يوم في ليلة أبوغلمسيس نسمع جملة تتكرر كثيرة "مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ" الصوم الكبير يبدأ بالعين ويكتمل بالأذن، والعين والأذن ينالا رشمات الميرون. لأننا عندما نعمد الطفل الصغير ونرشمه ٣٦ رشمة نرشم الرأس رمز الفكر والعين وفتحتي الأنف والفم والأذنين وبهذا يكون أمامنا الجهاز الروحي في الإنسان الذي يتكون من العين والأذن ويصبا في القلب. ولذلك ونحن في الصوم المقدس وهي فترة جهاد روحي لتقدس عينيك وأذنك فيتنقى قلبك. نحن في الصوم جهادنا كله من أجل عنينا. وكثير من القديسين يقولون لنا أغمض عينيك لترى السماء، لأن أعيننا المشغولة بالأرضيات لا تجعلنا نرى السماء والسماء هي بيتنا "أَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ" (٢ كو ٥ : ١)، فنحن نصنع طقس الميرون من أجل خلاص جسدنا وأنفسنا وأرواحنا. وأنت تحضر هذا الطقس الممتع تقف أمام الله وتطلب منه أن يطهر عينيك، أجعل عينك مدشنة ومكرسة ومقدسة "سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَمَتَى كَانَتْ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلِمًا" (مت ٦ : ٢٢). فانتهز أيها الحبيب هذه الفرصة وأنت تشترك في التدشين وإعداد الميرون أن تأخذ عهدًا أن لا ترى عينك سوى الله في هذا الصوم وتجتهد لتكون عينك نقية لتنال الجسد النير هذا من ناحية،
 
الناحية الأخرى الأذن "منْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَع"ْ فأنا اتعجب من هذا الآية وهي موجودة في كثير من الأناجيل وتكثر في سفر الرؤيا، ولكن الأذن هنا ليست الأذن المادية ولكن الأذن الروحية وعلامة الأذن الروحية هي طاعة الوصية، انتبه إلى أذنك، والأذن مرتبطة بالفم انتبه لما تسمع ولما تقول واجتهد أن تكون أذنك نقية وتكون لك أذن الطاعة، إذا كانت عينك وأذنك نقية سيكون قلبك نقيًا وينطبق عليك قول السيد المسيح "طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ" (مت ٥: ٨) وبقلبك النقي ترى الله وترى معجزات وترى يده القوية التي تعمل في حياتك وحياة الأخرين وتعمل في كنيستك وخدمتك وحياتك.
 
احتفالنا أيها الأحباء بإعداد وتقديس الميرون المقدس في هذا الصباح المبارك هو دعوة لنا لنقاوة عيونا وآذاننا وقلوبنا، ونحن نصلي قداس الميرون وسوف يحضر الميرون قداسات الصوم الكبير وسوف نضع الخميرة المقدسة في قداس شم النسيم، وأنت تقف في القداس تصلي وتطلب من الله أن يعطيك العين والأذن والقلب النقي.
 
نشكر الله على نعمه الكثيرة ونصلي من أجل الآباء المسافرين وأن يصحبهم ملاك السلامة وكما فرحنا بحضورهم يعودون إلى إيبارشياتهم بالسلامة والصحة. معجزة كبيرة أن يسمح لنا الله أن نقوم بكل هذه المناسبات في ظروف الجائحة، لكن نعمة الله هي التي تحفظ الجميع.
يباركنا الله بكل بركة روحية ويحفظنا في اسمه القدوس ويبارك كنيسته المقدسة له كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.