كتب – روماني صبري 

احتفلت الكنائس القبطية الأرثوذكسية، أمس الأربعاء، بحلول الذكرى التاسعة على نياحة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ117، وكان مثلث الرحمات البابا رقم 117، وهو أول أسقف للتعليم المسيحي قبل أن يصبح البابا، كما كان رابع أسقف أو مطران يصبح البابا بعد البابا يوحنا التاسع عشر ومكاريوس الثالث ويوساب الثاني.
 
البابا الوطني يدفع بالمرأة في الخدمة 
عرف بمواقفه الوطنية وعشقه لمصر، ولطالما ساند القضية الفلسطينية، وقضية القدس، ودعم وطنه خلال حرب أكتوبر 1973، نفذ البابا المتنيح 104 رحلة خارج الوطن في إطار رحلاته الرعوية والمسكونية في عدد من الدول وفي قارات أمريكا الشمالية واللاتينية واسيا وإفريقيا وأوروبا، وهو من أسس معهد الرعاية والتربية 1974م، ومعهد الكتاب المقدس سنة 1974، كما حرص على الدفع بالمرأة في الخدمة، فقام بتكوين لجنة المرأة، وسمح لها بالدراسة بالكلية الإكليريكية والمعاهد الدينية، كما عينها مدرسا بالكلية الإكليريكية والمعاهد الدينية لتدريس علم اللاهوت، كذلك سمح لها بعضوية المجلس الملي، وعضوية مجالس الكنائس.
 
قائد الكنيسة الوطنية 
وكشف قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية في بداية عظته باجتماع الأربعاء الأسبوعي، الذي عاد لانعقاده أمس الأربعاء وحتى نهاية الصوم المقدس، عن عدد من مميزات مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث، بمناسبة حلول الذكرى التاسعة لنياحته، قائلا : 
 
أحب أن نتذكر انتقال مثلث الرحمات المتنيح البابا شنوده الثالث في تذكاره التاسع في هذا اليوم ١٧ مارس، نتذكره معلمًا لأجيال كثيرة على مدى نصف قرن عمل فيها وخدم وتتلمذنا على يديه وتتلمذت أجيال كثيرة، وخدمته مشهود لها في كل مكان على مستوى الكنيسة وعلى مستوى مصر وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط كلها والبلاد العربية والخارج، نتذكره خادمًا وراعيًا ومعلمًا وقائدًا لهذه الكنيسة الوطنية العريقة التي يمتد عمرها إلى ٢٠ قرنًا من الزمان، نتذكره بعد أن أدى الأمانة وانتقل إلى السماء، ونحن في هذه الذكرى نطلب صلواته وشفاعاته، وأن يرفع صلوات عن الكنيسة وعن كل شعبها وعن بلادنا المحبوبة مصر.
 
أحب الخدمة مبكرا 
في منتصف الأربعينات، كان خادما بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم بمسرة وطالبا بمدارس الأحد ثم خادماً بكنيسة الانبا انطونيوس بشبرا .
 
أرضعته سيدة مسلمة 
ولد البابا شنودة باسم نظير جيد روفائيل، في 3 أغسطس عام 1923 بقرية سلام بمحافظة أسيوط، ماتت والدته بعد ولادته فشرعت ترضعه جارتهم المسلمة، أحب الكتابة جانب الوظيفة الدينية العظمى التي يشغلها، وكان ينشر في جريدة الأهرام الحكومية المصرية بصورة منتظمة، كما كان يكتب الشعر الروحاني .
 
كان ارتاد جامعة فؤاد الأول – جامعة القاهرة الآن-، ودرس التاريخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس بتقدير (ممتاز) عام 1947، وفي السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليركية، وبعد حصوله على الليسانس بثلاث سنوات تخرج من الكلية الإكليركية عمل مدرساً للتاريخ، حضر فصولا مسائية في كلية اللاهوت القبطي وكان تلميذاً واستاذاُ في نفس الكلية في نفس الوقت.
 
ماذا تعني الرهبنة للراهب انطونيوس السرياني ؟ 
شهد يوم السبت 18 يوليو عام 1954، رسامته راهباً باسم (انطونيوس السرياني) وقد قال أنه وجد في الرهبنة حياة مليئة بالحرية والنقاء، ومن عام 1956 حتى عام 1962 عاش حياة الوحدة في مغارة تبعد حوالي 7 أميال عن مبنى الدير مكرسا فيها كل وقته للتأمل والصلاة.
 
 
يعتلي كرسي البابوية 
مرت سنة على رهبنته فتمت سيامته قساً، أمضى 10 سنوات في الدير دون أن يغادره، وكان عمل سكرتيراً خاصاً للبابا كيرلس السادس، وبعد نياحة البابا كيرلس يوم الثلاثاء 9 مارس عام 1971،  أجريت انتخابات البابا الجديد الأربعاء 13 أكتوبر، ثم جاء حفل تتويج البابا (شنودة) للجلوس على كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة في 14 نوفمبر عام 1971، ليكون البابا رقم (117) في تاريخ البطاركة.
 
هل الدفاع عن النفس خطيئة ؟  
وكان ورد إلى مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث ، في إحدى عظاته سؤالا ، أرسل صاحبه يقول " قال الرب في الوصايا العشر لا تقتل .. في حالة قتل الإنسان شخصا آخر دفاعا عن نفسه ماذا يكون مصيره ؟، فأجابه البابا :" القتل من اجل الدفاع عن النفس لا يعتبره الله خطيئة ، وثمة  العديد من الآيات في الكتاب المقدس تؤكد ذلك .

البابا يرفض قرار الرئيس 
انزعج البابا شنودة من قرار الرئيس محمد أنور السادات والذي يعد الأخطر  بنشر الجماعات المتشددة والتيار الإسلامي في الجامعات والشارع السياسي المصري لمحاربة التيار اليساري والشيوعي، فتم اضطهاد المسحيين بعدها من قبل هؤلاء، وحصل الخلاف بين البابا والرئيس، وكان البابا رفض  اتفاقية السلام مع إسرائيل، حرصا على مشاعر الشعب المصري، وقرر عدم الذهاب مع الرئيس في زيارته إلى إسرائيل عام 1977، هذا بطبيعة الحال صنع حالة عدائية من السادات تجاه البابا لأنه لم يتصور أن يخالفه أحد في قراراته بعد الحرب فما بالك إذا كان هذا هو القيادة الكبرى لكل الأرثوذكس الذين يشكلون أغلبية المسيحيين في مصر.
 
وردا على قرار السادات والذي قام بتغذية العنف تجاه الاقباط من قبل الجماعات الإسلامية، فعندما قام بزيارة إلى أمريكا، نظم الأقباط هناك مظاهرة ضده رفعوا فيها لافتات تصف ما يحدث للأقباط في مصر بأنه اضطهاد وهو بالقطع ما أضر بصورة "السادات" كثيرا فطلب من معاونيه أن يتصلوا بالبابا ليرسل من يوقف هذه المظاهرات، وعندما حدث هذا فعلا متأخرا بعض الشيء ظن "السادات" بأن البابا "شنودة" يتحداه، فكانت أن أصدرت أجهزة الأمن قرارا للبابا بأن يتوقف عن إلقاء درسه الأسبوعي، الأمر الذي رفضه البابا فقرر عدم الاحتفال بالعيد في الكنيسة وعدم استقبال المسئولين الرسميين الذين يوفدون من قبل الدولة عادة للتهنئة.
 
بل وصل الأمر إلى ذروته عندما كتب في رسالته التي طافت بكل الكنائس قبيل الاحتفال بالعيد أن هذه القرارات جاءت "احتجاجا على اضطهاد الأقباط في مصر"، وكانت هذه المرة الوحيدة التي يقر فيه البابا علانية بوجود اضطهاد للأقباط في مصر ولم يفعلها بعد ذلك مطلقا. 
 
 أصبحت القطيعة بين "السادات" والبابا "شنودة" هي عنوان المشهد، ولذا كان من المنطقي أن يطول العقاب البابا في أيام "السادات" الأخيرة عندما أصدر في سبتمبر عام 1981 قراره بالتحفظ على 1531 من الشخصيات العامة المعارضة، لم يكن مصير البابا الاعتقال وإنما كان تحديد الإقامة في الدير بوادي النطرون.
 
بعد وصول الرئيس محمد حسني مبارك للحكم في 14 أكتوبر 1981 ، قام في عام 1982 بالإفراج عن المعتقلين الذين قام سلفه السادات باعتقالهم وقابل بعضهم وكان على رأس هذا البعض "البابا شنودة."
 
نياحته 
كشف الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس يوم السبت 17 مارس عام 2012 عن نياحة  البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عن عمر يناهز 89 عاما، وقال في بيان رسمي : المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية يودع لأحضان القديسين معلم الأجيال قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، نياحا لروحه والعزاء للجميع.
 
طائرة عسكرية تنقل جثمانه 
وفي يوم الأحد 18 مارس عام 2012  وضع جثمان البابا في كامل هيئته الكهنوتية، على كرسى القديس مار مرقس في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، لإلقاء نظرة الوداع عليه، وأقيم أول قداس صباح الأحد في وجود الجثمان، ورأس الصلاة الأنبا باخوميوس، قائم مقام البطريرك، في حضور معظم أساقفة المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية. واستمر بقاء الجثمان على كرسى البابوية حتى يوم الثلاثاء 20 مارس لإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد من الأقباط وزوار مصر لإلقاء نظرة الوداع على جثمان البابا شنودة، وتم نقل جثمانه يوم الثلاثاء بطائرة عسكرية بقرار مصدق من المشير محمد حسين طنطاوي إلى دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون حيث أوصى بأن يدفن، إذ دفن في تابوت أهداه له بابا روما بندكت السادس عشر.