إعداد وتقديم الباحث - عصام عاشور 
تابع الباحث عصام عاشور، حديثه عن تاريخ الحركة الوطنية المصرية.. وفى الجزء الخامس عشر، تحدث عن تصاعد الصراعات والمتناقضات التى وصلت ذروتها عام 1906عام الغضب الشعبى والإضرابات.
 
وقال عاشور، خلال برنامجه "الحكاء.. شذرات من تاريخنا" والمذاع على شاشة الأقباط متحدون، أضربت مدرسة الحقوق العليا إحتجاجاً على نظم ولوائح جديدة وضعها المستشار الإنجليزى للتعليم (دنلوب) وذلك لقمع الطلاب فإعتبر الطلاب ذلك إهانة لهم خاصةً وقد بدا حقد المستشار على مدرسة الحقوق التى أنجبت مصطفى كامل واضحاً.

لمشاهدة الحلقة اضغط هنا

وتابع: إنضمت كل المدارس العليا ثم المدارس الثانوية ثم المدارس الإبتدائية وبذلك تحول الإضراب إلى إضراب عام، وساند الرأى العام الطلبة وبارك الآباء مبادرة الأبناء وكذلك أيدت الصحف الوطنية الإضراب على أوسع نطاق.

 

فخرجت المظاهرات لتخترق شوارع القاهرة وهى تحمل شعاراً واحداً وتهتف هتافاً واحداً: سقوط المستشار (دنلوب).. ثم سقوط الإحتلال.
 
إتجهت الجموع إلى الميدان السياسى وهو حديقة الأزبكية حيث توالت النداءات والخطب والهتافات. وبدا الإضراب والمظاهرات أمام أجهزت الدولة أن كل ذلك منظماً تنظيماً محكماً ومعد إعداداً دقيقاً.
 
وتحول الإضراب إلى قضية الساعة بل وقضية البلاد عامة. وهنا أعلن المستشار أن من لن يعد على مدرسته سوف يفصل لكن أعلن الطلاب تمسكهم بمطالبهم.
 
وهنا أدركت سلطات الإحتلال خطورة الموقف فتدخل المستشار القضائى وتمكن من التوصل إلى تسوية قبلها الطلاب وأرغم المستشار (دنلوب) على قبولها.
 
بعد هذه الإضرابات والمظاهرات تعزز موقف الشباب وتوطد  وإرتفعت مكانتهم خاصةً بعد تأسيس وإفتتاح (نادى المدارس العليا) وهو النادى الذى إعتبر مركز للإشعاع والتوير حيث تلتقى فيه الطليعة بالأساتذة والقادة وتلقى فيه المحاضرات وتقام الندوات وتنضج القيادات التى تحتاجها الحركة الوطنية.
 
وكان أهم القضايا التى إهتم بها النادى وركز عليها هى: 
1 – مدارس الشعب:
وهى مدارس بدأ الحزب الوطنى فى إنشائها فى الأحياء الشعبية لمكافحة الأمية ونشر الوعى الوطنى.
 
2 – النقابات العمالية:
وكان أن سبق تكوينها ومارست دورها بل وعرفت البلاد أول إضرابات من أجل حقوق الطبقة العاملة المسلوبة حقوقها .. وعملت محاضرات النادى على ترشيد هذه النقابات وتدعيمها ونقل خبرات النقابات الأوربية إليها.
 
3 – التعاون الزراعى:
حيث عمل النادى على ترسيخ مفهوم على أنه هو طريق الخلاص الوحيد للفلاح واللإرتقاء بالزراعة وتحرير الأرض من ربقة الإقطاعيين والأجانب.
 
فكانت هذه المحاور الثلاثة (مدارس الشعب) و(النقابات العمالية) و(الجمعيات التعاونية) بالإضافة إلى الحركة الطلابية هى الأعمدة الرئيسية التى إعتمد عليها الحزب الوطنى والتى حولت طاقات الشعب إلى قوى منظمة وفاعلة.
 
وقبل أن ينتصف العام 1906  بدأ السلطان العثمانى عبد الحميد فى مشروعه لمد خط للسكة الحديد يصل إلى المدينة المنورة حيث كان يعتبر أن كل من السكة الحديد والتلغراف هما أقوى دعائم حكمه التى يمكن أن تربط الإمبراطورية العثمانية ربطاً وثيقاً.
 
إنتفضت بريطانيا لأن ذلك فى رأيها كان إعتداء على أرض مصرية مستقلة.
 
فرد السلطان أن مصر ما هى إلا ولاية عثمانية وفق الفرامانات والإتفاقيات الدولية ولا حق لبريطانيا فى التدخل فى الشئون الداخلية.
 
تفاقم الصراع بينهما.. بريطانيا والدولة العثمانية ووصل الصراع لذروته فكان الأسطول البريطانى كافياً لحل الصراع بينهما.
 
كانت صدمة الإنجليز كبيرة من موقف المصريين الذين إنحازوا تلقائياً وبأغلبيتهم الساحقة إلى موقف دار الخلافة بل تبارت وتسابقت الهيئات والجمعيات الخاصة والعامة للعبير عن ذلك.
 
وكانت صدمة اللورد كرومر أكبر من هذا الموقف حيث كان قد أقنع نفسه وأقنع رؤسائه فى لندن أن النخبة والصفوة وأغلب العقلاء تقف مع بريطانيا المتحضرة ضد الدولة العثمانية الغارقة فى التخلف والإستبداد .. وبالتالى لم يجد اللورد ما يبرر به موقف المصريين هذا سوى قولته التقليدية (إن أولى خواص الشعب المصرى هو أنه شعب جاحد لا يعترف بالجميل)  .. لعنة الله عليه.