كتب - نعيم يوسف
بينما تحتفل الكثير من دول العالم، وبينها مصر، بعيد الأم، غيب الموت، اليوم الأحد، الدكتورة نوال السعداوي، بعد صراع مع المرضي، حيث تعرضت مؤخرا لأزمة صحية نقلت على إثرها إلى أحد المستشفيات، وقد وصفها المتابعون بأنها واحدة من بطلات التنوير في مصر والعالم.

من عائلة مهتمة بالتعليم والوطنية

في عام 1931، كان "السعداوي" أحد المعلمين المصريين الذين شاركوا في ثورة 1919، وفي المظاهرات التي طالبت برحيل الاحتلال البريطاني يعيش في قرية كفر طحلة، بمحافظة القليوبية، بعد نقله إليها عقابا على مشاركته الوطنية، ولكن في 1931 استقبل هذا المعلم طفلته الثانية بين أطفاله التسعة، وأطلق عليها اسم "نوال".

المعلم الذي يعرف جيدا قيمة العلم، اهتم بتعليم ابنته "نوال" ولكنه مثل كل المصريين في هذا الوقت عرضها لتجربة الختان في سن السادسة، الأمر الذي ترك أثرا في مسيرتها فيما بعد، وفي صغرها توفى والديها في سن مبكر، لتتحمل "نوال" المسؤولية مبكرا.


بداية الحياة العملية.. وصدمات الحياة تلاحقها

درست "نوال" اللغات، كما التحقت بكلية الطب بجامعة القاهرة التي تخرجت فيها في ديسمبر عام 1955، بعد أن تخصصت في الأمراض الصدرية، وعملت طبيبة امتياز في كلية طب قصر العيني، وفي نفس عام التخرج تزوجت من زميلها أحمد حلمي، إلا أن هذا الزواج لم يستمر طويلا، رغم أنها وصفته بأنه "كان عظيما"، ولكنه تعرض لأزمة نفسية كسرته حيث ذهب إلى محاربة البريطانيين في السويس، ولكنه تعرض للخيانة والهزيمة، فعاد أدراجه ولكنه اتجه للإدمان، وفي إحدى المرات حاول قتلها، لذلك تركته، بعد أن أنجبت منه ابنتها، وبعدها تزوجت من رجل آخر، ثم انفصلا، وبعدها تزوجت من شريف حتاتة، الطبيب والروائي الماركسي، الذي أنجبت منه ابنها، وعاشت معه حوالي 43 عاما، والذي وصفته بأنه "كان الرجل النسوي الوحيد على وجه الأرض"، إلا أنها تطلقت منه وقالت إنه "كان كاذبا"، وأنه كان على علاقة بامرأة أخرى، موضحة أن 95% من الرجال يفعلون ما فعله زوجها الثالث.


خبرات متراكمة في الحياة

خبراتها المتراكمة في حياتها الشخصية، والمشاكل التي رأت النساء يتعرضن لها أثناء عملها كطبيبة، وخاصة في الريف، حيث تعرضت للنقل إلى القاهرة بسبب الدفاع عن إحداهن، شكلت في وجدانها امرأة من أكثر اللاتي دافعن عن التنوير وحقوق المرأة، وكانت جريئة، وصادمة للمجتمع في بعض الأوقات.

على المستوى المهني، شغلت "السعداوي" منصب المدير العام لإدارة التثقيف الصحي في وزارة الصحة في القاهرة، الأمين العام لنقابة الأطباء بالقاهرة، غير عملها كطبيبة في المستشفي الجامعي، كما نالت عضوية المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية بالقاهرة. وأسست جمعية التربية الصحية وجميعة للكاتبات المصريات، وعملت فترة كرئيس تحرير مجلة الصحة بالقاهرة، ومحرره في مجلة الجمعية الطبية، وقبلت عرض التدريس في جامعة ديوك وقسم اللغات الأفريقية في شمال كالورينا وأيضا جامعة واشنطن. شغلت نوال العديد من المراكز المرموقة في الحياة الأكاديمية سواء في جامعة القاهرة داخل مصر أو في هارفرد، جامعة ييل، جامعة كولومبيا، جامعة السوربون، جامعة جورج تاون، جامعة ولايه فلوريدا، أو جامعة كاليفورنيا في خارج مصر. رجعت نوال إلى مصر بعد 8 سنوات أي في عام 1996.

سيدة صدمت للمجتمع


رغم مناصبها التي تولتها إلا أن كتبها التي أصدرتها، ومقالاتها التي كتبتها، ولقاءاتها التلفزيونية هي التي وصلت للملايين في مصر والعالم العربي والعالم، ونتيجة لآرائها تعرضت للسجن عام 1981، إضافة إلى رفع العديد من القضايا ضدها من قبل الإسلاميين مثل قضية الحسبة للتفريق بينها وبين زوجها، وتم توجيه تهمة "ازدراء الأديان" لها، كما وضع اسمها على ما وصفت بـ"قائمة الموت للجماعات الإسلامية".

تركت نوال السعداوي عشرات الكتب، وأهمها كتاب "مذكرات في سجن النساء"، وهو من أشهر أعمالها، وكتاب "المرأة والجنس" الذي أثار عداء كلا السلطات السياسية والدينية. هذا الكتاب كان من أسباب فصلها من وزارة الصحة، وصدر لها لها أربعين كتابا أعيد نشرها وترجمة كتاباتها لأكثر من 20 لغة وتدور الفكرة الأساسية لكتابات نوال السعداوي حول الربط بين تحرير المرأة والإنسان من ناحية وتحرير الوطن من ناحية أخرى في نواحي ثقافية واجتماعية وسياسية، وأهمها: "توأم السلطة والجنس"، "هي الأضعف"، "سقوط الإمام"، "قضايا المرأة المصرية السياسية والجنسية"، "المرأة والدين والأخلاق"، "الأنثى هي أصل الحياة"، "الرجل والجنس"، "الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة 2006"، "الحاكم بأمر الله"، وكتاب "امرأتان في امرأة".

كانت لنوال السعداوي آراء صادمة للمجتمع، خاصة في مسائل حساسة من الناحية الدينية والاجتماعية، مثل الختان، والحجاب، وتعدد الزوجات، والحج، ومنها: "إن تعدد الزوجات يخلق الكره بين الأطفال والزوجات كما يزيد من الحوادث، وأن تعدد الزوجات كذب وليس بالقرآن وبلاد عربية مثل تونس منعته"، وأيضا: "الحجاب والنقاب من صور العبودية وضد الأخلاق والأمن، وأن الحجاب لا يعبر عن الأخلاق"، وطالبت بأن يتحجب الرجل مثل المرأة، كما كان لها أيضا آراء جريئة في مسألة الإله والطواف حول الكعبة.


جوائز حصلت عليها

حصلت نوال السعداوي على جائزة الشمال والجنوب من المجلس الأوروبي عام 2004، وفي عام 2005 فازت بجائزة إينانا الدولية من بلجيكا في عام 2005، وحصلت على جائزة ستيغ داغيرمان من السويد عام 2011، واختارتها مجلة التايم العام الماضي ضمن أكثر 100 امرأة تأثيرا في العام، ووضعت صورتها على صدارة المجلة، وتوفت اليوم الأحد عن عمر يناهز الـ90 عامًا، بعد معاناتها مع المرض حيث تعرضت لأزمة صحيّة قبل أيام من وفاتها أدخلتها أحد المستشفيات.