،المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تؤكد: المجلس السابق قصَّر في أداء أدواره الرقابية والتشريعية
 وتوصي بإقرار التشريعات المطلوبة لتعزيز حقوق المواطنة ومنع التمييز
كتب : نادر شكرى
أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم دراسة بعنوان: "البرلمان وقضايا الأديان.. دراسة تحليلية عن حرية الدين والمعتقد في مجلس النواب من 2015 وحتى 2020"، وذلك لتقييم حصاد مجلس النواب المنتهية ولايته. تنطلق الدراسة من تحليل أدوار المجلس الثلاثة الرئيسية: الدور التمثيلي المتمثل في التعبير بشكل حقيقي عن التنوع المجتمعي، والدور التشريعي المتمثل في إنتاج تشريعات تعزز المساواة وتمنع التمييز على أساس الدين، والدور الرقابي المطلوب لضمان مدى التزام السلطة التنفيذية بتحقيق أهداف الدستور والقانون في حماية حريات الدين والمعتقد.
 
فقد مثَّل انتخاب مجلس النواب (2015-2020) الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق التي أُعلنت عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، في الثالث من يوليو 2013 وقُدمت إجراءاتها المقترحة كمحاولة "لاحتواء الانقسام المجتمعي وإزالة أسباب الاحتقان بين المصريين"، كما أن انتخاب هذا المجلس قد جرى وفقًا لأحكام وثيقة دستورية جديدة أُقرَّت في يناير 2014، وحفلت ديباجتها وموادها المختلفة بالإشارة إلى ضرورة التزام سلطات ومؤسسات الدولة بمبادئ مدنية الحكم وحقوق المواطنة وعدم التمييز بين المواطنين. وكذلك، جرت انتخابات هذا المجلس في ظل التزام دستوري، وقانون انتخابي، ينشئ نظامًا للتمثيل الملائم (كوتا) للمسيحيين المصريين. 
 
وبالتالي، فقد عُقدت آمال كبيرة على هذا المجلس والذي تدعمت سلطاته وصلاحياته نسبيًّا مقارنةً بالدساتير السابقة للعب دور فعّال عبر أدواته التشريعية والرقابية في دعم حريات الدين والمعتقد ومواجهة العنف الطائفي وإرساء قواعد شفافة وديمقراطية لإدارة المجال الديني بوصفها جميعًا إجراءات ضرورية لـ"احتواء الانقسام المجتمعي"، ودعم الطابع المدني للحكم والمساواة بين المواطنين أمام القانون. 
 
في هذا السياق، تفاعل عدد من المنظمات الحقوقية المصرية مع المجلس بإيجابية منذ اليوم الأول لانتخابه، أملًا في حث نوابه على التصدي للمسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقهم. وقدَّمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى النواب عددًا من مشروعات القوانين الهادفة إلى تعزيز حريات الدين والمعتقد وسدِّ الفجوة بين الالتزامات الدستورية والنصوص التشريعية، كما أصدرت عددًا من التعليقات المفصلة على مشروعات قوانين ذات صلة بنفس القضية طُرحت على أجندة المجلس. واستكمالًا لنفس النهج، تُصدر المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هذه الدراسة لتقييم حصاد مجلس النواب المنتهية ولايته. 
وخلصت هذه الدراسة التحليلية إلى أن المجلس قد قصَّر في أداء أدواره السابق الإشارة إليها بشكل فادح بسبب إحجامه عن استخدام أدواته المتاحة، حيث تضمنت عددًا من النتائج، كان من أبرزها: 
 
 لم تحظَ  قضايا حرية الدين والمعتقد والحق في عدم التمييز باهتمام مجلس النواب كمؤسسة، ولا باهتمام أعضائه بالشكل المتناسب مع حجم العوائق التي تواجه تفعيل النصوص الدستورية التي تكفل هذه الحقوق والحريات. وذلك بالرغم من شغل هذه القضايا حيزًا كبيرًا من النقاش العام، خصوصًا في ظل حديث رئيس الجمهورية المتكرر عن تجديد الخطاب الديني، وضمان حرية المعتقد للجميع.
 
يُعد تمثيل الأقباط في البرلمان (2015-2020) الأفضل منذ 1952، لكن لا تعكس النتائج تغييرًا جوهريًّا في المناخ السياسي أو توجهات الناخبين، حيث نجح ثلاثة مرشحين فقط على مقاعد الفردي في انتخابات مجلس النواب 2020 مقابل اثني عشر في انتخابات 2015. ولم ينعكس هذا التمثيل العددي على مناقشة قضايا الحريات الدينية، فلم يكن هناك أية مواقف واضحة لنواب الكوتا المسيحيين في هذا الشأن. 
 
في المقابل، غاب تمثيل الأقليات الدينية غير المعترف بها رسميًّا كالشيعة أو البهائيين في البرلمان، ولم تُطرح بالتبعية قضاياهم داخل أروقة المجلس، إلا باستثناءات نادرة، بل إن بعض أعضاء المجلس تورطوا في ترويج خطابات التحريض والحض على الكراهية ضد هذه الجماعات.  
 
 بخصوص النواب ذوي المرجعية الدينية، اتسم أداء نواب حزب النور السلفي الحزب الإسلامي الوحيد الممثل بالبرلمان بعدم إثارة أية قضايا جدلية داخل المجلس فيما يتعلق بملف حريات الدين والمعتقد، أو الصدام مع التوجه العام للسلطة التنفيذية في هذا الشأن. لم يتقدم الحزب مثلًا بأية مشروعات قوانين تخص دور الدين في المجال العام أو صلاحيات المؤسسات الدينية، واكتفوا بإعلان رفضهم عددًا من القوانين التي صدرت لأسباب لها علاقة بالمرجعية الدينية للحزب.
 
تحكَّم عدد محدود من الأعضاء في سير المناقشات داخل المجلس، ووضع الأدوات الرقابية المقدمة من الأعضاء على أجندة المناقشة، فهيئة مكتب المجلس المكونة من رئيس المجلس والوكيلين قد تحكمت في عمل المجلس والجلسات العامة، وهيئة مكتب كل لجنة والمكونة من رئيسها ووكيليها وأمين السر كانت هي المسؤولة عن وضع جدول أعمال اللجنة والإشراف عليها. ولم يُعرف على وجه التحديد المعايير المستخدمة في تحديد أجندة المجلس، وما الذي أعطى الأهمية لقضايا على حساب الأخرى، وإذا ما كان هناك تنسيق فيما بينها، أو مع جهة ما رسمية. 
 
التشريعات التي تم إقرارها بشأن قضايا الدين وحرية الاعتقاد قدمت من الحكومة، ولم تصدر أيٌّ من مشروعات القوانين أو الاقتراحات بقوانين، التي قدمها أعضاء مجلس النواب، وفي الحالات التي قدم فيها الأعضاء مشروعات قوانين بخصوص نفس القضايا التي قدمت فيها الحكومات مشروعات تم تجميد تلك المقدمة من النواب حيث لم يجرِ مناقشتها، أو على أقل تقديرٍ لم يؤخذ بالتدخلات والتوصيات المقدمة منهم بشأن تلك التي تم إقرارها.
 
ردًّا على بعض التشريعات التي قدمها النواب، لجأت الحكومة إلى الوعد بتقديم عدد من مشروعات القوانين، لكنها لم تلتزم بوعودها، حتى تلك التي حددت مدة زمنية لتقديمها، ومن أبرزها القانون المنظِّم لعمل مفوضية مكافحة التمييز، وهو من القوانين المكمِّلة للدستور، وقانون الأحوال الشخصية، وتعديل المادة 98 (و) من قانون العقوبات، المعروفة بمادة "ازدراء الأديان".
 
تعددت أوجه الخلاف بين مؤسسة الأزهر ومجلس النواب والحكومة فيما يخص عددًا من التشريعات المنظِّمة لعمل المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية وجهات الفتوى والأحوال الشخصية للمسلمين، فيما بدا وكأنه نزاع بشأن الجهة التي تملك حق صناعة التشريعات المنظِّمة للمجال الديني. وقد نجحت مؤسسة الأزهر في فرض كلمتها، وتعطيل صدور جميع مشروعات القوانين التي أبدت تحفظات بشأنها، ذلك بالرغم من انتهاء اللجان النوعية من مناقشتها، وإصدار تقاريرها بالموافقة عليها، وتحديد جلسات عامة للموافقة النهائية على بعضها، وهو ما اتضح في مشروعي قانوني تنظيم الفتوى العامة وتنظيم دار الإفتاء.
 
صدرت القوانين التي أقرها المجلس بدون طرحها للنقاش المجتمعي، وبدون الاستماع إلى الخبراء والمهتمين، ولم يؤخذ بالملاحظات التي أُرسلت إليه من جانب مؤسسات المجتمع المدني، ولم يستطع المواطنون الوصول إلى الوثائق المتعلقة بجميع مراحل التشريع، والمذكرات التفصيلية ومواقف الكتل البرلمانية والأعضاء فيها، بالإضافة إلى مشروعات القوانين التي استوفت الإجراءات الشكلية وجرت مناقشتها ولم تصدر. 
 
دور مجلس النواب الرقابي كان ضعيفًا، لأسباب عديدة بعضها يرجع إلى سيطرة النظرة الضيقة لسبل علاج قضايا الدين والحريات من منظور أمني فقط، علاوة على ضعف الدور التشريعي والرقابي للمجلس بشكل عام في كافة القضايا تقريبًا، وهو ما يمكن استنباطه من تحكم هيئة المكتب في القضايا التي تمت مناقشتها، وعدم دعوة المجلس أيًّا من الوزراء المسؤولين خصوصًا عند مناقشة أحداثٍ جسام كتفجيرات الكنائس، والتي خلَّفت أعدادًا كبيرة من الضحايا.
 
لم تقم اللجنة الدينية بدورها في مراقبة أداء المؤسسات الدينية، ومناقشة سبل دعم الحريات الدينية للمواطنين، وعدم تعرضهم لأية انتهاكات بسبب رؤاهم ومعتقداتهم الدينية. وبالرغم من أهمية دور اللجنة فلم تَنَل اللجنة الاهتمام الكافي من النواب وهيئة المكتب، وانضم إليها عدد قليل من أعضاء المجلس 9 نواب فقط بالإضافة إلى تركيز اللجنة الحصري على الشأن الإسلامي فقط ودور المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية، وهو ما انعكس على أداء اللجنة من تبني وجهة نظر وزارة الأوقاف وإدارتها للشأن الإسلامي، وفي عدم التعامل مع قضايا الاعتداءات الطائفية وما صاحبها من خطابات حاضَّة على العنف أو الكراهية والتمييز.
 
في نفس السياق، جاء دور لجنة حقوق الإنسان هزيلًا، ولا يتسق مع مهامها ومسؤولياتها وفقًا للائحة الداخلية للمجلس، بل عملت اللجنة على التقليل من شأن التوترات والاعتداءات الطائفية، وتقديم صورة تجميلية لسياسات السلطة التنفيذية، كما لم تناقش اللجنة الالتزامات التشريعية التي ترتبت على دستور 2014، ولم تستخدم الأدوات الرقابية في مراجعة وتقييم أداء الحكومة. 
 
وأشارت الدراسة إلى انطلاق أعمال دور الانعقاد الأول من مجلس النواب الحالي في الثاني عشر من يناير 2021، وسط تطلعات بأن يمارس البرلمان اختصاصاته التشريعية والرقابية، والتي تخلى عنها المجلس السابق، وأوصت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بالتالي:
 
إقرار المجلس الحالي مشروعات القوانين المرتبطة بتعزيز حرية الدين أو المعتقد، التي قُدمت من أعضاءٍ في البرلمان السابق بشأن دعم حقوق المواطنة والمساواة أمام القانون ومنع التمييز والتعامل الجنائي مع أحداث العنف والتوترات الطائفية، ذلك بعد استكمال مناقشتها، خصوصًا أنها استوفت الشروط الشكلية والإجرائية وقتها، وجرت مناقشتها باللجان المختصة بشكل مستفيض ثم جمدت انتظارًا لتقديم الحكومة مشروعاتها أو إبداء المؤسسات الدينية ملاحظات عليها.
 
تعزيز الدور الرقابي على الحكومة والمسؤولين فيما يخص إجراءات وسياسات ترسيخ المساواة وحقوق المواطنة، وسبل التعامل مع التوترات والاعتداءات الطائفية والممارسات التمييزية على أساس الدين، مع إعلان الخطوات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الأفكار التكفيرية والمتطرفة خصوصًا في مناهج التعليم.
 
فتح حوار مع منظمات المجتمع المدني بشأن مشروعات القوانين المزمع مناقشتها أو إصدارها، مع الأخذ بالملاحظات والآراء التي تُبدَى بشأنها، جنبًا إلى جنب مع التوسع في تنظيم جلسات الاستماع للمواطنين للتعرف على المشكلات التي يواجهونها وطريقة تعامل السلطة التنفيذية معها.
 
الالتزام بمعايير الشفافية، بإتاحة الوصول إلى الوثائق المتعلقة بجميع مراحل التشريع، والمذكرات التفصيلية ومواقف الكتل البرلمانية والأعضاء منها، بالإضافة إلى مشروعات القوانين التي استوفت الإجراءات الشكلية وجرت مناقشتها ولم تصدر، وأسباب ذلك، وبالمِثل الأدوات الرقابية التي استخدمها الأعضاء والنتائج المترتبة عليها، وأن يصدر المجلس تقارير دورية عن أعماله ونشاط اللجان النوعية والخاصة والقضايا التي نوقشت بداخلها.