فاطمة عمارة
"إن عائشة التيمورية ظهرت حين كانت المرأة في ليل دامس من الجهل، فجاءت بارقًا يبشر المرأة المصرية ومستقبلها".. هكذا قدمتها الأديبة مي زيادة، فقد كسرت قيود الحرملك وسبقت عصرها، واستطاعت أن تُخلد اسمها وسط ادباء زمانها، وتتلمذ على يدها الكثيرون، وهي لها الفضل في اليقظة النسوية المتقدمة، إنها عائشة عصمت بنت اسماعيل باشا بن محمد كاشف تيمور، والتي اشتهرت باسم "عائشة التيمورية"، ولدت في عام 1840م فى أحد قصور "درب سعادة" أحد أحياء الدرب الأحمر مقرالطبقة الارستقراطية.
 
كان والدها رئيسا للقلم الافرنجى للديوان الخديوى فى عهد الخديو اسماعيل، ثم أصبح رئيساً عاماً للديوان الخديوى، ووالدتها هي ماهتاب هانم شركسية تنتمي للطبقة الارستقراطية، وهي أخت غير شقيقة للأديب أحمد تيمور الذي يصغرها بنحو ثلاثين عاماً، والذي تولت تربيته وتعليمه بعد وفاة والدها وكان عمره عاماً واحداً، كما أشرفت على تربية ابنيه محمد ومحمود تيمور.
 
حرص الأب على تعليمها وتدرسيها اللغات؛ لما لمسه من اهتمامها بالمعرفة والمطالعة في زمن لم يكتثر بتعليم الفتيات معارضاً رغبة والدتها في تعليمها ما تتعلمه بنات جيلها من حياكة وطبخ وخلافه، فتعلمت القراءة والكتابة واللغات، وأحضر لها المعلمين فتعلمت الصرف واللغة الفارسية على يد علي خليل رجائي، ودرسها إبراهيم تونسي القرأن والفقه والخط، إلى جانب التركية، وحضرت جلسات الأدباء في قصر أبيها، وحفظت عشرات الدواوين، وقرأت العديد من كتب الأدب حتى استطاعت أن تنظم الشعر.
 
تزوجت فى الرابعة عشرة عام 1854م من كاتب ديوان محمد بك توفيق الإسلامبولى، فاهتمت بشئون المنزل وأمور الزوجية، وبعد وفاة أبيها في عام 1882م ثم زوجها بعده بثلاث سنوات أحضرت لنفسها سيدتين ستيتة الطبلاوية وفاطمة الأزهرية لتزيد ألمامها من علوم الصرف والنحو والعروض، فأتقنت نظم الشعر باللغة العربية والتركية والفارسية، وتميز أسلوبها بالسلاسة والبناء الدرامي السليم والحوار الجيد، ولها ديوان بعنوان "حلية الطراز" بالعربية تجمع فيه رقة المشاعر ورصانة اللغة، وديوان "الأشقوفة" بالفارسية وفيه خواطرها وآرائها الفلسفية، ورسالة في الأدب بعنوان "نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال" طُبعت في مصر والآستانة وإيران، وكتاب "مرآة التأمل في الأمور ، ومسرحية "اللقاء بعد الشتات"ن وتعتبر أول المسرحيات التي كُتبت للمسرح العربي، ورواية أخرى لم تكملها.
 
رزقها الله ببنتين وولد، توفت ابنتها الكبري توحيدة فى سن الثامنة عشرة من عمرها وقبل زفافها بأيام، فظلت 7 سنوات فى حزن دائم وبكاء حتى فقدت بصرها، ونظمت قصيدة "بنتاه يا كبدي ولوعة مهجتً" تُرثيها بها، وحصلت على لقب "خنساء العصر الحديث" لما كتبته من قصائد حزينة ومبكية عن ابنتها، ثم انقطعت عن الشعر والادب فى ظل الفاجعة واحرقت اشعارها كلها إلا قليلا منها، استعادت القليل من بصرها بعد عدة سنوات فكانت قصيدة" سفينة العين قد فازت مِن الغَرَق"، وعكفت على قراءة القرآن ودراسته ، واستأذنها ابنها في طباعة اشعارها التي جمعها.
 
دافعت عن تحسين أحوال المرأة المصرية، وتناولت مسألة القوامة في أحد كتبها، نشرت في جريدة الآداب والمؤيد مقالات توضح فكرتها مطالبة بتحرر المرأة دون ما وصفته بالسفور والتخلي عن الحجاب معارضة بذلك آراء قاسم أمين، وكتبت شعراً حول هذا الموضوع:
 
بيد العفافِ أصونُ عز حجابي.. وبعصمتي أسمو على أترابـي
وبفكرة وقادة وقريحة ... نقادة قد كملت آدابي
ما ضرني من أدبي وحسن تعلمي ... إلا بكوني زهرة الألبابِ
ما ساءني خدري وعقد عصابتي ... وطراز ثوبي واعتزاز رحابي
ما عاقني خجلي عن العليا ولا ... سدل الخمار بلمتي ونقابي
 
أصيبت بمرض فى المخ عام 1898م وعانت منه حتى توفيت 2 مايو 1902م.
 
اطلق اسمها على أحد شوارع جاردن سيتي بعد وفاة الخديو اسماعيل، وكتبت الاديبة مي زيادة كتابا عنها بعنوان "عائشة تيمور: شاعرة الطليعة" تناولت فيه شعرها بالدراسة والتحليل، كما تتطرق إلى حياتها الشخصية ونشأتها وزواجها ومسيرتها كسيدة أرستقراطية ورائدة في الحركة الأدبية، وقالت عنها فيه:"قالت التيمورية شعرها بالعربية لغة وطنها المصري. وبالتركية لغة آبائها، وهي لغة لا يزال التخاطب بها في بعض الأسر ذات الأصل التركي. وقالته بالفارسية التي هي لفئة من أدباء العرب والترك لغة «مدرسية»، شأنها عندهم شأن اليونانية واللاتينية عند الغربيين.. ليس بوسعي درس شعرها غير العربي لجهلي اللغتين اللتين كتب بهما. على أني أذكر هنا شبه شهادة سمعتها عرضًا منش شقيقها أحمد تيمور باشا. وهي قول المغفور له السلطان حسين لسعادته أنه «يفكر فيه كلما رأى ابنته قدرية تقرأ في ديوان السيدة عائشة».