أحمد الاشقر

في عام ٢٠٠٧ عقدت مبادرة لوتسرن، سويسرا، للسلام والامن التي كنت رئيسها مؤتمراً عن المياه والمشاكل والحروب التي قد تنشاء من الصراعات علي الماء في المستقبل وباعتباري رئيس المؤتمر دعيت ثلاثة من المختصين المصريين في الشئون السياسية المرحوم د. سعيد اللاوندي والاقتصادية الاستاذ كمال جاب الله ونهر النيل د. عبد الفتاح مطاوع، وكيل وزارة الري انذاك والخبير العالمي في الشئون المائية، مع مجموعة متميزة من الدول الخمسة عشر التي شاركت في المؤتمر وكان من بين محاضرات وورش العمل في المؤتمر موضوع الصراعات والحروب بسبب الماء في المستقبل وكيفية التعامل معها ومنعها ولكن لم نكن نعرف ان هذا الموضوع يتحول بعد وقت قصير من عقد المؤتمر الي حقيقة واقعة، اي مع بداية عام ٢٠١٠، في منطقة نهر النيل، النهر الذي هو شريان الحياة في مصر، وذلك مع بداية مشروع سد اثيوبيا.

علي ان مشروع سد اثيوبيا قد اصبح مع الوقت موضوع معقد للغاية وذلك لان مصر في الفترة من ٢٠١١ الي ٢٠١٤ كانت منشغلة بالامور الداخلية من ثورات واعتصامات وغيرها ولم تنتبه جيداً الي بداية اثيوبيا في بناء السد وبالتالي امكانية ايقاف البناء في وقت مبكر جداً كما ان وثيقة النوايا التي وقعت في عام ٢٠١٥ كانت الحجة التي تستند عليها اثيوبيا في تعاملها مع مصر والسودان بشاءن توقيع اتفاقية قانونية مع البلدين بهدف توزيع الماء القادم من الجنوب في طريقه الي الشمال. علي ان هناك عدد من الدول يقف خلف اثيوبيا ويؤيد مشروعها الغير قانوني ولا يحترم حقوق دول المصب في نيل حصتهما من ماء النيل. ولنبداء بمناقشة الموضوع بموضوعية بحتة ولان خيار الحرب ستكون له عواقب وخيمة علي الجميع في الشرق الاوسط وقارة افريقيا وتوقف عجلة التنمية في المنطقة.

في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي انتقلت كثير من الشركات الاوروبية والعالمية الي منطقة جنوب شرق اسيا وبداءت في بناء العديد من المصانع وخطوط الانتاج وذلك لرخص الايدي العاملة هناك واغرقت العالم بمنتجات رخيصة وحصدت ارباحاً طائلة من وراء ذلك النقل ولكن ومع الوقت والتقدم وزيادة الدخول في هذه المنطقة اصبح الاستمرار فيها غير مجدي وذلك لارتفاع تكلفة المنتجات وبالتالي قلة الربح بدرجة كبيرة عن البداية او انعدامه تماماً. ومعها بداءت هذه الشركات الضخمة في البحث عن مكان اخر تبني فيه مصانعها وخطوط الانتاج لتقدم منتجاتها بسعر رخيص وفي نفس الوقت تظل ارباحها عالية كما سبق من قبل. قدمت اثيوبيا نفسها لرخص الايدي العاملة بها والتي لاتتجاوز اجر العامل فيها عن ٢٥ دولار شهرياً. واهم هذه الصناعات هي صناعة الملابس والمنسوجات والتي تحتاج الي طاقة كهربائية كبيرة بالاضافة الي كميات هائلة من المياه مما دفع اثيوبيا الي الاستعجال في بناء السد دون مشورة او اتفاقات تضمن حقوق دول المصب، مصر والسودان، اللذان بموجب اتفاقيات سابقة لهم الحق في حصص معينة من مياه النيل مثلما هو معروف عالمياً. فمثلا علي نهر الراين او الدانوب في اوروبا واللذان يمران في دول عديدة منها سويسرا والمانيا والنمسا وهولندا والمجر والتشيك وغيرها لاتسطيع اي دولة منهم بناء اي نوع من السدود بدون موافقة كافة الاطراف المعنية وتحديد كميات المياه لكل منها، اي لا تستطيع اي دولة كده من نفسها بناء اي سد مهما كانت احتياجاتها اليه ومنبع المياه في اراضيها.

منذ الاف السنين يسير النيل الي دول المصب مصر والسودان وتاءخذ كل منهما حصتها وكان مشروع السد العالي وبحيرة ناصر مشروع عظيم راعي احتياجات مصر الاولية حاضراً ومستقبلا من الماء للري والشرب وادارة المصانع. ومن متابعتي للمباحثات والمناقشات التي تدور اقول ان المفاوض المصري ابدي مرونة كبيرة وجيدة علي مائدة المفاوضات فمصر لاتمانع من ان ينمو الاقتصاد الاثيوبي ولكن لابد ان تحصل مصر علي حصتها كاملة. وكما اعلن وزير الخارجية ان من يمول بناء السد هي شركات دولية وليست الحكومات ولكن من المعروف ان هذه الشركات لاتستطيع ان تمول بدون موافقة الحكومات وخاصة في الصين التي تتبني جزء كبير وهام من المشروع. اي لابد من مراعاة حقوق مصر والسودان في مياه النيل وايضا رغبة اثيوبيا في تحقيق تقدم اقتصادي. علي ان هناك بلا شك مؤمرات وراء بناء السد بدون مشورة او اتفاقات ملزمة والمراوغة الهدف منها اضعاف مصر وسقوطها بعد ان فشلت مؤمرات ٢٠١١ وتنبه الجيش لها وحافظ علي مصر من الخطر الذي كان معداً لها. والحقيقة ان رئيس مصر والحكومة قد بذلوا العديد من الجهود والطاقات من اجل بناء مصر الحديثة وقد وفقوا كثيراً مما اثار غيرة وحقد دول معروفة في المنطقة. حاولوا في سيناء وفشلوا وحاولوا في ليبيا وفشلوا وفي البحر المتوسط وفشلوا وفي البحر الاحمر وفشلوا ونجحت مصر في الحفاظ علي اراضيها سالمة واءمنة وتسير بخطي ثابتة وواثقة نحو التقدم والرخاء الاقتصادي.

ويبقي السؤال الي اين تتجه مباحثات السد بعد المراوغات العديدة من الجانب الاثيوبي ومن يعاونوه في الظاهر او الباطن. السياسة ليست الا مصالح دائمة ولاتعرف الصداقة او الود، هناك مصالح للدول وشركاتها وعلي اساسها تقوم بتخطيط سياستها واستراجيتها.

ولكن اذا كانت الاراضي التي يبني عليها السد اراضي سودانية محتلة فمن حق السودان تحريرها واسترداد اراضيه كاملة وتنظيم عملية بناء السد وملاءه بحيث تاءخذ كل دولة حقها ثم الذهاب مع الجانب المصري حرصاً علي المصالح المشتركة بين مصر والسودان الي مجلس الامن وعرض القضية هناك ومتابعة مايطرح هناك من حلول تكفل الحقوق المائية لمصر والسودان كما كان في اتفاقيات عديدة سابقة