د. أحمد الخميسي
ها هو الشعب الفلسطيني الأعزل يصد –  في ذكرى النكبة - الرصاص والهروات والقنابل بصدره العاري، وبكفوف أطفاله، وبالحجارة، فيهز ثقة الكيان الصهيوني في قدرته وفي سلاحه وفي مبررات وجوده المكذوبة. لهذا كتب المحلل الاسرائيلي جدعون ليفي يقول:" أعلن الكنيست عن فاتورة قيمتها 912 مليون دولار مصاريف حرب وخسائر مع عدو شرس في منطقة صغيرة تدعى غزة، مصاريف نقل وبترول وصواريخ وتحضيرات عسكرية وخسائر مدنية في البنية التحتية للدولة وغيرها في يومين فقط وهذا كثير فعلا، فميزانيتنا لن تسمح بذلك أبدا ولن نستطيع أن نتحمل لفترة طويلة". والمشكلة ليست في الميزانية كما طرح جدعون ليفي الموضوع، المشكلة أن الشعب الفلسطيني الذي يعلم أن هذه أرضه مستعد للموت دفاعا عنها،
 
أما الجنود المرتزقة الذين أطلقوا عليهم لقب" شعب" فإنهم ليسوا على استعداد للدفاع عن أرض ليست أرضهم في الحقيقة، وليسوا على استعداد للدفاع عن ثكنة عسكرية أطلقوا عليها لقب "دولة"، ذلك أن المرتزقة يدافعون عن رواتبهم فقط. هذه هي القضية التي تؤرق قادة القاعدة العسكرية التي تم انشاؤها باسم اسرائيل لتخدم من أول لحظة خطط الاستعمار، وأهدافه، ومساعيه لاخضاع المنطقة العربية والسيطرة على ثرواتها. لذلك اعتدى الكيان الصهيوني على مصر في 1956،
 
و1967، وعلى سوريا واحتل منها الجولان، وعلى لبنان واحتل مزارع شبعا، وشارك في ضرب العراق وتصفيه علمائه بالاغتيالات، وساهم في تقسيم السودان، ويسعى ذلك العدو المشترك الآن بكل طاقته لتعطيش مصر بدعم السد الأثيوبي على أمل أن يتمتع بماء النيل. لكن الصدور العارية، والكفوف الطفولية، والحجارة، والبالونات الحارقة تعري هشاشة الكذبة، وتوضح أن " القبة الصخرية" وأي سلاح آخر لن يصمد في وجه شعب يدافع عن وجوده، كما لم يصمد من قبل خط بارليف الذي ادعوا أنه " منيع" فإذا بعبقرية الشعب المصري تهدم بارليف بخرطوم من المياه. والذين يحسبون أن عمر الكيان الصهيوني طويل وهو لا يزيد عن سبعين عاما، ينسون أن الاستعمار الفرنسي جثم على قلب الجزائر أكثر من مئة وثلاثين عاما ثم جرجر قتلاه وخيبته
ورحل من دون أن تنفعه بشيء الأسلحة المتطورة، مقارنة بأسلحة المقاومة الجزائرية، وبقي الاستعمار الانجليزي في مصر أكثر من ثمانين عاما ورحل، ولسوف تنهي المقاومة وجود الكذبة التي تسطو على التراث الفكري والفني والتاريخي لشعوب المنطقة لتضفي على نفسها تاريخا لم يكن لها قط. وعلى أعتاب ذكرى النكبة 15 مايو يحتشد الضمير العالمي بجانب فلسطين بالكلمات والمظاهرات في برلين وتركيا وكوبنهاجن،
 
وبالهبات الشعبية على حدود الأردن ولبنان، وبانتفاضة في الجولان، ويغني شباب أسوان لبطولة الشعب الفلسطيني على إيقاع الدفوف المصرية: " احنا نغني في كل مكان أغاني الشعب وثواره.. وأصغر طفلة في فلسطين شالت بكفها حجارة". سلمت الكف الصغيرة التي هزمت بالبطولة والايمان بوطنها وجه القوة، وسلمت الصدور العارية التي كسرت أنف الغزاة، وتبقى مصر تغني لفلسطين:" أغاني الشعب وثواره".            
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري