( الذكري  ٩١ علي رحيله )
 
القمص اثناسيوس فهمي جورج
ذكراه  تفوح منها ناردين سكيب رائحة ذكية.... عاش ابينا منسي سنوات قليلة لكنه انجز فيها حصاد السنين ... فكان متقدما مبادرا مبدعا وموهوبا . وهو علامة من  العلامات القبطية التي حولت زمانها الفارغ الي زمن معرفة ونهضة لمجد الله وكنيسته .  استخدمه الله ليكون اداته  والته ، فصار من صناع التاريخ ، معملا للروح والكلمة وتروس التنوير ، في أواخر  القرن  ال ١٩ .

ولد في ١٨٩٩ م عندما كانت الكنيسة تجني ثمار النهضة الوليدة  التي صنعها ابو الاصلاح  البابا كيرلس الرابع  ، وكانت الاكليريكية انذاك في بداياتها  ، وكان هو  يتيم الاب واهتمت امه بتربيته كما يليق باولاد المسيح والكنيسة ، وكاخلاق الصعيد فقد كانوا من هور ملوي المنيا ... وعندما بلغ منسي ١٦ سنة ذهب ليلتحق بالاكليريكية ١٩١٥ . فقبلوه بالرغم من صغر سنه لانه كان سليل عائلة كهنوتية ... وسريعا اظهر نبوغا ومواهب متعددة وحبا للعلم والتحصيل .. وتدرب علي الوعظ والخدمة وعاد للصعيد يخدم ويكرز ويكتب ويؤلف ...  وان كانوا في البدء اندهشوا من هذا الشاب الصغير ... عشرين سنة ... الذي يعظ ويخدم ... ولكنه كان موهوبا واستطاع ان يجذب النفوس في وقت كانت كلمة الوعظ عزيزة ، حتي صار اشهر وعاظ صعيد مصر ... تعرض لتجارب جسيمة حيث كان اطفاله يموتون وهم صغار جدا وتحمل التجربة .. وانتقلت امه في ١٩٢٨ وتحمل فراقها ...وكان مريضا ولكنه كان مجاهدا بالكلمة والخدمة والكتابة والرعاية والقدوة .

. استطاع في سنوات عمره القصيرة ان يترك ثروة ثمينه من ١٥ كتاب صارت مراجع الي اليوم لعل اهمها. كتاب تاريخ الكنيسة القبطية .

هذا المرجع  اصبح من المصادر الاساسية لتاريخ الكنيسة القبطية فقد استطاع القس منسى يوحنا  ان يجمع بين دفتى كتاب واحد تاريخ الكنيسة القبطية من القرن الاول وحتى القرن التاسع عشر  ، في تأريخ شيق ومدقق ، وباسلوب بارع وبديع . .. مما جعل الكتاب مرجعا لاغنى عنه منذ طبعته الاولى عام ١٩٢٤ وكان عمر المؤلف ٢٥ عاما  انذاك .

وقد طبع  هذا المرجع التاريخي لاول مرة  فى مطبعة اليقظة ثم تولت مكتبة المحبة الشهيرة نشر مؤلفات واعمال القس منسى يوحنا ووصلت عدد طبعات كتاب تاريخ الكنيسة الى اكتر من ١٥ طبعة وهو متوفر حتي الآن  فى المكتبات ... ويعد مرجعا لكل الكتب التي تم تاليفها من  بعده ..

ومن اشهر مؤلفات القس منسي :-
يسوع المصلوب - قارورة طيب كثيرة الثمن - كمال البرهان لأثناسيوس الرسولى - شمس البر - الدليل الصحيح على تأثير دين المسيح -.حياة آدم - حل مشاكل الكتاب المقدس - النور الباهر في الدليل الي الكتاب الطاهر - تاريخ انتصار المسيحية - تاريخ يوحنا ذهبي الفم  - طريق السماء .

واصدر ايضا مجلة مشهورة اسمها "  الفردوس " ، تضمنت مقالات دسمة ومتنوعة وموسوعية . اثرت نفوس وقلوب اجيال الكنيسة عبر الاجيال ، في زمن كانت فيه المجلات محدودة العدد والعدة .

كان ابونا منسي ايضا خطييا مفوها و مؤلفا ارثوذكسيا لا غش فيه .  

كشف الله له وقت سفره للسماء ، كما هو معروف عند احباء الله  ،  لذلك قبيل وفاته ارسل للقمص ابراهيم لوقا يطلب ،  نشر مؤلفاته بعد نياحته . وهي باقية مع  سيرته واعماله نور ومنارة في وسط الكنيسة ام الاولاد الفرحة . 

   إن ابينا منسي يوحنا علما في كنيسة القبط لهذا الزمان ، لانه عمل وعلم  وانتج ولم  يضع نفسه قيم علي الحاضر  المعاش  : يصول ويجول ويشرعن وينتقد ، لكنه خدم ابو الانوار بسيرته وتقواه وهدوءه ومواهبه  وعلمه وانتاجه ، الذي قدمه كقرابين تعوض عن سنين أكلها جراد ، فصار شخصيته  محطة في زمانه ، وقد اتي بمطر نعمة عظيم في اوقات معاناة وجفاف ، ونحن اليوم نطلب لنفسه النياح والراحة ، ونمجد  الله ابينا السماوي الذي يرسل علي الدوام لكنيستنا أرواح خادمة للحصاد الكثير ، مثلما ارسل البابا كيرلس الرابع والارشيدياكون حبيب جرجس والقس منسي يوحنا بواكير للنهضة المعاصرة .