حمدى عبد العزيز
لمن لم يتوغل في ادغال التاريخ الإنساني الموحلة بالدم والوحشية .. ماأحكيه هنا ليس أسطورة ، ولامروية من المرويات الملحمية الدرامية الشعبية القديمة 
.. إنما هو حقائق تاريخية حدثت بالفعل علي أرض العالم الجديد ، أو أرض الأحلام كما أطلق عليها الأوربيون الذين استقلوا سفن الرحيل إلبها  .. 
 
الأوربيون الذين أستوطنوا امريكا ، وبعد أن ارتكبوا مذابح إبادة في منتهي الوحشية والفظاعة ضد أصحاب الأرض وسكانها الأصليين فاحتاجوا لقوي عمل يزرعون بها هذه المساحات الشاسعة من الأراضي التي اصبحوا هم ملاكها وساداتها الجدد ، واحتاجوا لعبيد وخدم كمقتضيات حياة السادة الذين اصبحوا يمتلكون إمكانات لتحقيق الثروات وتعظيمها 
 
... كان الحل وراء المحيطات حيث الأفارقة البؤساء الذين يمكن شراء أبنائهم من اسواق النخاسة التي كانت قد ازدهرت علي يد الأوربيين الأسبان والبرتغاليين ..
 
 الأوربيون أو السكان والسادة الجدد علي أرض أمريكا (والذين سيؤسسون فيمابعد ماعرف بالولايات المتحدة الأمريكية) كانوا قد جلبوا الجد الأول لجورج فلويد (الذي أزهقت روحه بضغطة من ركبة ساق شرطي أمريكي جسم بها علي عنقه بوحشية وبتجرد تام من الإنسانية بعد أن طرحه علي أسفلت الشارع في منطقة مينابوليس في 25 مايو 2020) 
 
الجد الأول جورج فلويد كان ضمن ملايين الصبية الأفارقة كعبيد مقيدين في السلاسل ، في الدور الأول من السفينة حيث توضع البضائع ، والمواد الخام والمعادن النفيسة التي كان يتم نزحها من أراضي أفريقيا (في سياق النهب الذي مارسه المستعمرون الأوائل)  وفوق هذا هؤلاء المجاليب الأفارقة الذينأوقعتهم أقدارهم كعبيد تتم معاملتهم قانوناً كبضائع لابشر ،  بحيث تكون حياتهم ملكاً لمشتريهم السيد الذي كانت تعطيه التشريعات القانونية حق الحفاظ علي حيواتهم أو إزهاقها سواء عن طريق العمل لبل نهار أو بالقتل لأي سبب يراه السيد  .. 
 
وكانت إذا ما اضطربت الأمواج وتطلب الأمر في عرض المحيط أن تخفف السفينة حمولتها .. كانت أول حمولة يتم اللجوء إلي تخفيفها هي أرخص البضائع  .. وأرخص البضائع كان هؤلاء الصبية الأفارقة فيتم إلقاء العشرات منهم في المحيط قبل أن تصل الرحلة إلي شواطئ القارة الأمريكية  .. 
 
ثم يقضي من يصل منهم إلي أمريكا حياته في العمل لقاء لاشئ سوي تنفس الهواء الذي لايمكن شراءه أو بيعه أو مصادرته  .. أو الحد اللازم الغير مكلف لبقاء قوة عمله من الماء والطعام الذي لم يكن السيد يرضي أن يلقي به لكلابه الحارسة  ..
 
كان الأفريقي العبد الذي جلب للعمل ليل نهار في المزارع الامريكية صبياً لاتتجاوز مدة بقاءه علي قيد الحياة من 5 إلي 15 عاماً  ..
 
فإما أن يموت نتيجة العمل المضني وسوء التغذية  ، أو يمرض فيتركه السيد الأمريكي (الجد الأوربي الأمريكي الأبيض) ليموت لإن شراء صبي أفريقي جديد أرخص بكثير من تكلفة علاج العبد المريض  ..
 
هكذا كانت أحوال أجداد جورج فلويد الأوائل علي أرض الأحلام منذ القرن السابع عشر وحتي القرن الثامن عشر حيث تم إقرار تشريعات إلغاء العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو الإجراء الذي لم ينهي معاناة الأمريكيين من أحفاد هؤلاء الأجداد الأفارقة الذين قضوا نحبهم علي الأراضي الأمريكية بعد حياة لاشئ فيها سوي المهانة والإزهاق البدني والروحي  ..
 
نتحدث عن عشرات الملايين من الأفارقة الذين كانوا يتم جلبهم إلي أرض الأحلام خلال مالايقل عن ثلاثة قرون ، قتل منهم تحت سياط الضرب والعمل علي حسب تقدير المؤرخين مايزيد عن ثمانية مليون إنسان ، هذا بخلاف ماتم إلقاءه منهم في مياه المحيط للتخفيف من حمولة السفن وقت التعرض لهجمات الأمواج العاتية  ..
 
هذا ليس حكي لأساطير أو حكايات من حكايات التراجيديا الشعبية  ..
 
 إنه حديث لما جري بالفعل علي أرض الواقع كفصل من فصول التوحش الإنسان في لحظة من لحظات الذروة الدرامية لقصة إستغلال الإنسان للإنسان  
تلك القصة التي لم تصل البشرية إلي صفحتها الأخيرة بعد  ..