د.عماد جاد 
 
نصف انفسنا في الكثير من المناسبات باننا شعب متدين بطبعه، ونحن في مصر تفصلنا عن قيم الأديان والمعتقدات أزمان كثيرة، فالأديان والعقائد والمعتقدات التي نميز ما بين السماوي أو الابراهيمي فيها وبين الوضعي، جميعها تحث على العمل، الحب، الود، الاخلاص، وتكاد تكون وصايا موسى العشر قاسما مشتركا بينها فالنهي عن القتل، الزنا، السرقة وشهادة الزور واشتهاء ما لدى الغير كلها نهي عن افعال مزمومة، والحث على طاعة الرب وود الوالدين والبر بهما وحب البشر آجمعين سمات مشتركة لدى الاديان والعقائد.
 
لدينا في مصر ظاهرة التدين الشكلي بمعنى اتخاذ مظاهر وممارسة سلوكيات التدين، لكن الجوهر بعيد تماما عن صلب الدين، نحرص على الظهور بمظهر المتدين وجوهرنا منصرف تماما عن قيم الدين الحقيقية، نتحدث كثيرا عن الدين ونمارس سلوكيات لا علاقة لها بقيم التدين الحقيقي.
 
نزج بالدين في كل خطوة من الخطوات وسلوك من السلوكيات دون ان تسكن قيم الدين الحقيقي القلوب او تستوطن العقول. اتسعت الفجوة بين مظاهر التدين وقيم الدين في مطلع السبعينيات عندما جاء السادات وروج للتدين الشكلي واللفظي، فتح ابواب السجون لعناصر جماعة الاخوان وسلم لها التعليم برمته فخربت عقول النشئ، انفتح على المملكة العربيية السعودية فوفدت رياح الوهابية وغزت مجتمعنا المصري لاسيما مع هجرة قطاعات واسعة من المصريين باتجاه بلدان النفط، اسمى السادات نفسه بالرئيس المؤمن واسمى مصر بدولة العلم والايمان، واستغرق في نشر التدين الشكلي عبر تديين المجال العام في البلاد.
 
كانت النتيجة نشأة اجيال جديدة من المصريين مرتبطة بالتدين الشكلي، حريصة على مظاهر التدين والحديث عن الدين وتديين كل ظاهرة والبحث عن تفسير ديني لظواهر طبيعية، ووصل هذا الهوس الى بيروقراطية الدولة واجهزتها على النحو الذي يفسر احفتاء محافظ المنيا على سبيل المثال ببيضة فرخة باعتبارها بيضة مقدسة لان عليها ما يشه لفظ الجلالة، ورغم وجود تفسير علمي لهذه الظاهرة على النحو الذي ذهب اليه الدكتور خالد منتصر، الا ان السيد المحافظ تعامل مع البيضة بكل هيبة ووقار وقام بتقبيلها باعتبارها مقدسة. 
 
بنفس المنطق تعامل بعض لاعبي فريقنا الوطني لكرة القدم وعدد من الاعلاميين مع حضور مدير المنتخب الوطني، الارجنتيني الجنسية هيكتور كوبر، مع حضورة جزء من خطبة الجمعة مع اللاعبين وحرصة على الامتناع عن الاكل والشرب في نهار رمضان في حضرة اللاعبين، على ان المدرب سوف يشهر اسلامه، راقبوا كل خطوة وكل حركة للرجل وعقبوا عليها بالقول اقترب من اعتناق الاسلام، على خطوات من اشهار اسلامه. لم يتوقفوا امام حرفية الرجل وانه مدرب محترف يتعايش مع لاعبيه ويحرص على معايشتهم، لم يتوقفوا امام حرص الرجل على الاندماج مع اللاعبين وتهيئتهم للمبارة الاخيرة امام تنزانيا والتي ستصعد بالفريق الى نهائيات كأس الامم الافريقية لاول مرة بعد غياب ثلاث مرات متتالية، لم يجدوا في معايشة المدرب للاعبية سوى انه على وشك اعتناق الاسلام، وعندما كثر الحديث عن الموضوع اضطر الرجل لان يعلن صراحة وعلى الملأ انه لا يفكر في اعتناق الاسلام وان حضوره جزء من خطبة الجمعة وامتناعه عن الطعام في نهار رمضان هو نوع من معايشة اللاعبين بصفته مدربا محترفا!!!!!
 
آن الآوان لوقف حالة الهوس والتدين الشكلي والعمل وفق المبدأ الايماني الذي يقول " الايمان ما وقر في القلب وصدقه العمل" احتفظوا بالايمان في القلوب ولتكن اعمالكم دالة على ما في قلوبكم من قيم ومبادئ، تعلموا وعلموا اولادكم ان من يختلف معكم ومعهم في الدين او المعتقد او الحضارة ليس مشركا ولا كافرا او نجسا، تعلموا وعلموهم حب الناس على مختلف اديانهم، افتحوا قلوبكم وعقولكم لكلمات الرائع الراحل نيلسون مانديلا التي قال فيها " لا يوجد إنسان ولد يكره إنسانا آخر بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه...الناس تعلمت الكراهية ، واذا كان بالامكان تعليمهم الكراهية إذاً بإمكاننا تعليمهم الحب... خاصة ان الحب اقرب لقلب الانسان من الكراهية".
 
آن الآوان للتخلص من إرث التعصب والانغلاق والكراهية واستلهام قيم المحبة والتسامح والعيش المشترك واحترام المغاير والمختلف، تلك هي مصر التي نتطلع اليها، مصر المتوسطية المنفتحة على العالم والتي احتضنت  اصحاب مختلف الاديان، الطوائف، العقائد والمعتقدات على مر تاريخها وكانت ملاذا آمنا للجميع من يهود  ( يوسف ) ومسيحيون ( السيد المسيح عندما كان طفلا) ومسلمون ( في زمن الخلافة الاولى ). ولاحقا كانت ملاذا لكل باحث عن الامن والأمان فكانت ملاذا امنا لملوك البانيا، اليونان وامبراطور ايران بعد خلعهم من السلطة.