سحر الجعارة
كنا نعتقد أن تنظيم «داعش» وحده هو من أعاد سوق النخاسة والاتجار بالبشر إلى الحياة، وأن أقصى ما نواجهه هو فتاوى لأساتذة من جامعة الأزهر مثل (عبدالمنعم فؤاد وسعاد صالح) ممن برروا العبودية وملك اليمين، بزعم أننا إذا ما غزونا دولة ما وانتصرنا عليها فمن حق المسلم أن يأخذ نساءها سبايا!

وتشهد صفحات هذه الجريدة أن مواجهة جرت بينى وبين د. «عبدالمنعم فؤاد» قد قادتنى إلى المحكمة لأنه برّر الرق وملك اليمين فى حلقة تليفزيونية، وواجهته بأن «الإسلام لم يحرم الرق وأقرّ هو بذلك، وأن الاتفاقية الخاصة بمنع الرق التى وُقّعت فى جنيف فى سبتمبر ١٩٢٦ وضعت الضمانات الكاملة للقضاء الكامل على الرق بجميع صوره وعلى الاتجار بالرقيق، وعطلت نصاً قرآنياً رغم أنهم يرددون عادة أنه لا اجتهاد مع النص».. الاتجار بالبشر جريمة لا تسقط بالتقادم لأنها «جريمة ضد الإنسانية».

لم نكن نتصور أن «الحداثة والتقدم التكنولوجى» سوف ينافسان «الحوينى».. إنه «سوق وادى السليكون للعبيد على الإنترنت» الذى يتيح من خلاله كل من «جوجل وأبل وإنستجرام» المجال أمام سوق غير قانونى للعبيد على الإنترنت من خلال توفير تطبيقات تُستخدم لبيع وشراء عاملات منزليات فى «دول إسلامية»، أو الموافقة على استضافة هذه التطبيقات.. ربما لهذا كانت المقدمة ضرورية عن «تحليل وتحريم الرق».

على موقع «الحقيبة الإسلامية» سوف تجد مشايخ مثل «عثمان الخميس والحوينى» يتحدثون عن تحليل الرق.. وقد نجحت قناة «بى بى سى عربى»، عبر تحقيق سرى، فى الكشف عن مستخدمى هذه التطبيقات فى إحدى الدول العربية.. وبالطبع تحركت السلطات لأنهم ينتهكون القوانين المحلية والدولية الخاصة بمكافحة العبودية العصرية.

وقد تم إنقاذ إحدى العاملات ومتابعتها خلال رحلة عودتها إلى وطنها فى أفريقيا، وكانت الفتاة فى صلب هذا التحقيق المؤثر والصادم عن سوق وادى السليكون للعبيد على الإنترنت.. وبكل أسف لم تتورع التى اشترت إنسانة بهدف استعبادها أن تتحدث عن الأمر وكأنها غير مذنبة وتتحدث عن أن (السعر الذى يتراوح بين 2500 و500 دولار) وأنها استخارت الله لتبيع «فتاة مسلمة» (!!).

عندما دعت الناشطة الكويتية «سلوى المطيرى» لشراء الأسرى من الشيشان، قبل حوالى 10 سنوات، اعتبرنا الأمر لا يتجاوز الدعابة الثقيلة، لكنه تحول إلى واقع مر تُنتهك فيه المعايير الإنسانية والمواثيق الدولة فى «مجتمعات الوفرة»!.

لم تكن «النخاسة عبر الإنترنت» لتنتشر وتدشن هاشتاجات للعبودية العصرية بدون «مرجعية دينية».. صحيح أن كافة المواقع التى أشرنا إليها فى المقدمة قد طالبت مستخدمى تلك التطبيقات بإزالتها، وأن السلطات فى البلد المسلم ذلك قد أزالت كل الإعلانات التى تروج للنخاسة مثل إعلانات (خادمات للبيع)، وتم التحقيق مع المرأة التى ظهرت فى الفيديو لتروى كيف باعت فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً.. وقد تسفر التحقيقات عن سجن للمتورطين أو تعويضات للضحايا.. لكن من يوقف أسواق النخاسة التى تتم على أساس فتاوى تستبيح حياة البشر؟

على الشبكة العنكبوتية من المستحيل أن تضبط «سوق النخاسة» لأنه قد يحمل أى اسم، ويخضع للعرض والطلب.. وفى المقابل لدينا بلدان تعيش فقط من أجل التبذير والبذخ والإسراف ولو على طاولة قمار فى مقابل بلدان تشردت شعوبها من جرّاء المجاعات أو الحروب.. لدينا أسرى بالفعل فى قبضة تنظيم «داعش».. والأهم أن لدينا عمائم تنتسب للأزهر لا تحرّم الرق وملك اليمين.. أليست هذه جريمة؟!
نقلا عن الوطن