سحر الجعارة
بمناسبة الجدل الدائر تحت عنوان «مَن يؤتمن على العِرض لا يُسأل عن المال»، والخاص بقائمة المنقولات الزوجية التى من المفترض، بحسب العرف، أن يدون بها ما اشترته الزوجة أو اشتراه الزوج لتأثيث بيتهما، والتى يوقع الزوج عليها كوثيقة بأنه ملزم بردها إذا طُلب منه ذلك.. لماذا نتجاهل دائمًا «وثيقة الزواج» فى كتابة ما توافقنا عليه من شروط لإتمام الزواج؟!.

هل «المنقولات» أغلى وأهم من زوجة قد تتعرض للضرب والاغتصاب الزوجى، والمنع من التعليم أو العمل أو السفر أو زيارة الأهل؟!.

الحقيقة أن «وثيقة الزواج» الجديدة قد أتاحت للطرفين كتابة ما اتفقا عليه طالما لا يُحرم حلالًا ولا يُحلل حرامًا.. وبحسب تصريحات «دار الإفتاء المصرية»، فإن: (اشتراط ما فيه مصلحة لأحد العاقدين مما سكت الشرع عن إباحته أو تحريمه ولم يكن منافيًا لمقتضى العقد ولا مخلًا بالمقصود منه، ولا مما يقتضيه العقد أيضًا، بل هو خارج عن معناه، كأن تشترط على زوجها ألّا يُخرجها من بيت أبويها، أو ألّا ينقلها من بلدها، أو ألّا يتزوج عليها إلا بمعرفتها، فمثل هذا النوع من الشروط صحيح ولازم، وفق ما يراه بعض العلماء، وهذا هو الأقرب إلى عموم النصوص والأليق بأصول الشريعة).

وذلك لما رُوى عن النبى، صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَن تُوفُوا ما استَحلَلتُم به الفُرُوجَ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «المُسلِمُون على شُرُوطِهم».

فهل كتابة هذه الشروط تزيد الأمر تعقيدًا أم تخفف من عبء المحاكم المتخمة بقضايا «تبديد المنقولات» والطلاق والنفقة والحضانة، وما يتحمله المجلس القومى للمرأة من متابعة هذه القضايا؟.

خد مثالًا: من حق الزوجة (الاتفاق على ملكية منقولات منزل الزوجية.. وحق الانتفاع بمسكن الزوجية فى حالتى الطلاق والوفاة.. عدم الموافقة على اقتران الزوج بأخرى إلا بإذن كتابى من الزوجة.. حتى نفقة الطلاق يجوز الاتفاق على رصد مبلغ مقطوع أو راتب دورى يدفعه الزوج لزوجته إذا طلقها بغير رضاها.. وتفويض الزوجة على حقها فى الطلاق (وهو المعروف بحق العصمة)، بالإضافة إلى حقها فى التعليم والعمل... إلخ).

كيف نحقق التوازن بين حقوق الزوجة، (وهى الطرف الأضعف فى معادلة الزواج)، وبين صيغة مهذبة راقية لعلاقة مقدسة.. كم من الرجال يحققون ما جاء فى الآية الكريمة: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة البقرة الآية 229.

الرجل يتعسف أحيانًا فى استخدام «حق الطلاق»، ومن الزوجات مَن تحول «القائمة» إلى دعوى «تبديد» نكاية فى الزوج.. وأحيانًا بعد الطلاق يتحول «الطفل» إلى ورقة مساومة.. وتتحول النفقة والحضانة إلى ملف فى محكمة الأسرة!.

فهل «الحفاظ على العِرض» يضمن ألا يخونها؟.. ألا يتزوج عليها (حقه شرعًا وقانونًا)؟.. وهل الخوف على الزوجة تحول إلى فوبيا.. أعرف عريسًا «فى مكانة ابنى» وقّع على قائمة منقولات بـ3 /4 ملايين جنيه.. فهل هذا منطقى؟.

وفى المقابل سأروى قصتى أنا شخصيًا: لقد طُلقت فى العشرين من عمرى بعد ستة أشهر من زيجة فاشلة، لم أتمكن من الحصول حتى على ملابسى الشخصية قبل عدة أشهر.. لأن والدى رحمه الله كان يرفع شعار «لا لقائمة المنقولات».. أيهما يطبق القاعدة الشرعية «تسريح بإحسان»؟!.

أنا لا أملك الإجابة، فهذه المرة أقف حائرة بين شاب قضى عمره يجمع ما يُمكِّنه من الزواج وقد يجد نفسه متهمًا فى قضية تبديد.. وبين شابة- عاشت أيامها- تنتظر ملابسها وليس منقولاتها.. «العقد شريعة المتعاقدين»، فاكتبوا فى وثيقة الزواج حقوقًا عادلة، واجعلوها «وحدها» الحَكَم بين الزوجين، أما الحكم المسبق على أن «العريس متهم حتى تثبت براءته» فهو كفيل بأن يسطر النهاية قبل بداية الحياة الزوجية.

s.gaara@almasryalyoum.com
نقلا عن المصرى اليوم