بيتر عاطف
وبدونه تفنى مصر من الوجود 
فماذا يحدث اذا اختفت مياه نهر النيل فجأة 
 
لمعرفة الإجابة يجب ان نعود لعام 1065 في عهد الخليفة الفاطمي " المستنصر بالله " عندما نقص منسوب نهر النيل لمدة سبع سنوات متتالية 
فسببت مجاعة عظيمة وكوارث في مصر عرفت " بالشدة المستنصرية " 
 
واضطر المصريين لأكل الكلاب والقطط والحمير 
 
بل والاصعب من ذلك اضطر البعض لأكل لحوم البشر 
 
سنوضح في هذه الحلقة تفاصيل ابشع مجاعة مرت في تاريخ مصر
 
شهد أواخر عهد المستنصر بالله الكثير من الاضطرابات بسبب تمرد الكثير من الجنود على الخليفة المستنصر بالله وسيطر هؤلاء الجنود على صعيد مصر والدلتا 
 
ونشر الجنود المتمردين الرعب في مصر وخاف المزارعين من الخروج لأراضي الزراعية 
 
فقلت المحاصيل الزراعية والغذاء في جميع انحاء مصر 
 
وشاءت الأقدار أن لا تقتصر معاناة البلاد على الفوضى السياسية وتمرد الجنود فقط
 
فازداد الامر سوءاً فنقص منسوب مياه النيل في عام 1065  بسبب الجفاف ونقص الامطار ليضيف إلى مصر كارثة كبيرة ومجاعة خطيرة امتدت لسبع سنوات متصلة من 1065م - 1071م 
 
وزاد اختلال أحوال المملكة واستولى الأمراء على الأقاليم المصرية ، وزادت الصراعات بين الجنود وبين الخليفة وبين البدو
 
وبدأت مجاعة كبيرة في مصر عرفت باسم الشدة المستنصرية وكانت اكثر المجاعات التي مرت في تاريخ مصر بشاعةً 
 
وكتب الكثير من المؤرخون عن هذه الفترة ويصفوا مدى بشاعتها 
 
وزادت الأسعار بشكل لم يشهد في التاريخ من قبل 
 
فكانت العملة المستخدمة في مصر في ذلك الوقت هي الدينار الإسلامي 
 
والدينار الإسلامي كان مصنوع من الذهب ووزنه حوالي 4 جرامات 
 
وبأسعار الذهب في الوقت الحالي فأن سعر الدينار الإسلامي في وقت مجاعة الشدة المستنصرية يساوي اليوم حوالي 3500 جنيهاً مصرياً 
 
ويصف المؤرخ المصري ابن إياس الفظائع التي لا يصدقها عقل في وقت تلك المجاعة قائلاً : 
" أن الناس أكلوا الميتة والبغال والحمير والكلاب والقطط، وكان ثمن الكلب الواحد خمسة دنانير والقط ثلاثة دنانير، وقيل كان الكلب يدخل البيت فيأكل الطفل الصغير وأبواه ينظران إليه فلا يستطيعان النهوض لإبعاده عن ولدهما من شدة الجوع والضعف، ثم اشتد الأمر حتى صار الرجل يأخذ ابن جاره ويذبحه ويأكله وصار الناس في الطرقات إذا قوى القوي على الضعيف يذبحه ويأكله "
 
ويصف أيضا ان مجموعة من الناس كانوا يصطادون البشر ليأكلوهم قائلاً :
" حدث ان طائفة من الناس جلسوا فوق أسقف البيوت وصنعوا الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح، فإذا امسكوا احداً ذبحوه في الحال وأكلوه بعظامه "
 
وكان الناس مستعدين ان يستغنوا عن أي شيء مقابل الطعام 
 
ويُذكرانه كانت في الفسطاط حارة تعرف باسم حارة الطبق "  وكانت حارة للأثرياء والاعيان وكان فيها عشرون بيتاً سعر البيت الواحد يساوي ألف دينار، فتم بيع جميع البيوت مقابل طبق به 20 رغيف فسميت منذ ذلك الوقت باسم  حارة الطبق
 
وذكر ايضاً ابن إياس قصة عن وزير الدولة الذي لم يكن يمتلك سوى بغل واحد ليركبه، وسرق مجموعة من اللصوص البغل واكلوه  وعندما علم الوزير بسرقة بغله غضب غضباً شديدا، وتمكن من القبض على اللصوص، وقام بشنقهم على شجرة، وعندما جاء الصباح وجد عظام اللصوص فقط؛ لأن من شدة جوع الناس أكلوا لحومهم 
 
ويروي المؤرخ المصري المقريزي قصة عن هذه الفترة قائلاً :
" ان امرأة خرجت ومعها عقد من اللؤلؤ الثمين ثمنه اكثر من الف دينار، فقالت من يأخذ مني هذا العقد ويعطيني مقابله قمحًا؟! فلم تجد من يأخذه منها. فقالت: إذا لم تنفعني وقت الضائقة فلا حاجة لي بك، وألقته على الأرض وانصرفت. فالعجب انه ظل مرميًا على الأرض ثلاثة أيام ولم يوجد من يلتقطه "
 
وكان الخليفة المستنصر نفسه لا يأكل في اليوم الواحد الا رغيف فقط 
 
وقد باع كل ممتلكاته وامواله في هذه الازمة 
 
وكان يموت كل يوم على الأقل ألف شخص، ثم أرتفع العدد إلى عشرة آلاف وفي احد الأيام  مات ثماني عشرة ألفًا 
ويقدر عدد الضحايا في هذه المجاعة بحوالي مليون 600 الف شخص 
أي ما يعادل ثلث السكان في مصر في ذلك الوقت 
 
وانتهت تلك المجاعة في عام 1071 بعد عودة مياه نهر النيل الى الجريان 
 
لكن واجه الخليفة المستنصر مشكلة هي استمرار التمرد من بعض الجنود فلجأ الى شخص يدعى " بدر الدين الجمالي " وهو الوالي على مدينة عكا بفلسطين لان بدر الدين الجمالي كان يشتهر بقدرته الكبيرة على مواجهة التمرد وحل الازمات 
 
وفعلا اتى الى مصر واستطاع نشر الامن والاستقرار فيها 
 
واستعان بالجنود لزراعة الأراضي لان معظم الفلاحين قد ماتوا اثناء المجاعة 
 
وبذلك انتهت اكبر وابشع مجاعة في تاريخ مصر بعد ان كادت ان تقضي على الشعب المصري كله 
 
مراجع المعلومات :
إغاثة الأمة بكشف الغمة - تقي الدين المقريزي
 
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - ابن تغري بردي
 
اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء - تقي الدين المقريزي 
 
بدائع الزهور في وقائع الدهور - ابن إياس