"الجمهورية الجديدة"، مصطلح تناولته وسائل الإعلام المصرية خلال الفترة الأخيرة في إشارة إلى عملية الانتقال التي تشهدها الدولة خلال تلك المرحلة وتجسد ملامحها العاصمة الإدارية الجديدة.

 
عملية الانتقال التي تطلع إليها الكثير من أبناء الشعب المصري وعبروا عنها في مطالبهم أثناء فاعليات ثورتي "25 يناير"، و"30 يونيو"، بدأت تتجسد وتتجلى ملامحها وتتضح صورتها في أبعادها السياسية والاقتصادية والتنموية والإستراتيجية.
 
بين 7 و8 أعوام عكفت الدولة المصرية على بلورة ملامح تلك الصورة ورسم خريطة الطريق لعملية الانتقال لكي تتم بسلاسة ودون إحداث صدمة وذلك بغية أن تكون عملية الانتقال ليست عمرانية أو اقتصادية يحصد ثمارها الشريحة القادرة على استيعاب عملية الانتقال فقط دون باقي شرائح المجتمع المصري.
 
وفي هذا  السياق قال اللواء محمود خلف، الخبير العسكري والإستراتيجي، إن المقصود بالجمهورية الجديدة يتمثل في إحداث نقلة اجتماعية لشعب تعداده تجاوز 100 مليون مواطن، اضطرتهم الظروف لأن يتكدسوا في مساحة 6 في المائة من مساحة دولتهم.
 
وأوضح خلف في تصريحات خاصة لـ"بوابة الأهرام"، أن عملية الانتقال الاجتماعي استوجبت معها بلورة رؤية متكاملة سياسية واقتصادية وتنموية لنجاح عملية الانتقال الشعبي للجمهورية الجديدة، مشيرا إلى أن الدولة المصرية سعت خلال عهود سابقة لعملية الانتقال تلك ولم يكتب لها النجاح بشكل كامل.
 
ولفت خلف إلى أنه على عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر حاولت الدولة المصرية تحقيق عملية الانتقال تلك وتجسدت تلك المحاولة في مديرية التحرير إلا أن المحاولة كللت بنجاح جزئي، موضحا أن الرئيس الأسبق أنور السادات سعى أيضا لتحقيق ذلك الهدف عبر سلسلة من المدن العمرانية الجديدة وكللت محاولة السادات أيضا بنجاح جزئي.
 
وأشار خلف إلى أن أزمة مصر الاقتصادية وتحقيق عملية الانتقال للجمهورية الجديدة خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك تمثلت في عدم توافر البنية التحتية الضرورية لتحقيق تنمية اقتصادية تمكن من عملية الانتقال لدولة جديدة.
 
وأضاف: "عقب ثورة 30 يونيو حرصت الدولة المصرية على تحقيق عملية الانتقال للجمهورية الجديدة  وذلك  بإقامة آلاف المشاريع الخاصة بالبنية التحتية لتسهيل عملية الانتقال للجمهورية الجديدة.
 
مشاريع البنية التحتية تمثلت في تعبيد أكثر من 10 آلاف كيلومتر من الطرق ومد المرافق من مياه وصرف صحي وكهرباء إضافة إلى عشرات المشاريع الصحية والتعليمية.
 
وتابع: "هذا إلى جانب سن سلسلة من التشريعات القانونية لتسهيل عملية الانتقال وتوفير الاستثمارات وتهيئة البيئة المجتمعية لاستيعاب عملية التنمية الاقتصادية المستهدفة بالإضافة إلى تأهيل المواطنين وتسليحهم بالأدوات الضرورية للتعامل مع قواعد العمل في الجمهورية الجديدة ومتطلباتها".
 
وأكد الخبير العسكري والإستراتيجي، أن الانتقال للجمهورية الجديدة احتاج دولة قوية قادرة على قطع ذراع الإرهاب والداعمين له وقدرات تمكنها من حماية مصالحها القومية في الاتجاهات الإستراتيجية الأربع، مشددا على أن ذلك ما سعت الدولة لتحقيقه عبر الشرطة المدنية وقواتها المسلحة.
 
ونوه خلف إلى أن المنتقدين لحجم الإنفاق الذي قامت به الدولة المصرية على العاصمة الإدارية والقطارات الكهربائية عليهم أن يدركوا حقيقة أن تعداد الشعب المصري مثل في رؤية البعض عبأ على الدولة التي يعيش شعبها على 6 في المائة فقط من مساحة بلاده بينما أصبح تعداد المواطنين الآن ثروة قومية تسعى الدولة لاستغلالها في ظل مساعيها لمضاعفة المساحة التي يعيش عليها المصريون.
 
واختتم خلف تصريحاته بالقول: "الجمهورية الجديدة ليست مجرد مصطلح يعني نقل مؤسسات الدولة من قلب القاهرة المتكدس إلى عاصمة إدارية مترابطة في بنيتها المعلوماتية فقط وإنما الجمهورية الجديدة عملية انتقال مجتمعي إلى حالة من النهضة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية والقانونية والإستراتيجية بالمعنى الأشمل".
 
بناء مقومات الجمهورية الجديدة امتد على مدى السنوات السبع الماضية مع إعادة بناء القدرة الشاملة للدولة المصرية.
 
القوى الشاملة احتاجت لإعادة بنائها بناء قدرة عسكرية وأخرى سياسية وثالثة دبلوماسية ورابعة تعظيم الكتلة الحيوية وخامسة اقتصادية وتنموية وسادسة اجتماعية وسابعة معنوية .
 
البناء المتكامل للقدرة الشاملة توجته الدولة بالتوسع الجغرافي والعمراني في الاتجاهات الأربع اعتمادا على قدرات الدولة الشمالة.
 
وفي هذا السياق قال اللواء نصر سالم، أستاذ العلوم الإستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية، إن مفهوم الجمهورية الجديدة كان يحتاج إلى بناء قدرات الدولة الشاملة على المحاور الإستراتيجية الأربعة.
 
وأوضح سالم في تصريحات خاصة لـ"بوابة الأهرام"، أنه على صعيد القدرة العسكرية فإن مصر سعت عقب ثورة "30 يونيو"، إلى تعظيم قدرتها العسكرية والتحول من امتلاك القدرة الدفاعية إلى امتلاك قدرة الردع الإستراتيجية وهو ما تحقق عندما وضع الرئيس عبد الفتاح السيسي خطوطا حمراء متعددة لحماية مصالح مصر الإستراتيجية والتي لم يجرؤ أحد على الاقتراب من تلك الخطوط الحمراء.
 
وأضاف: "على صعيد القدرة السياسية نجحت الدولة المصرية في إعادة بناء مؤسساتها ونظامها الحاكم سواء مؤسسة الرئاسة أو الحكومة أو المجال التشريعية، مشيرا إلى أن عملية بناء تلك المؤسسات أهلتها لاتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب.
 
ونوه استاذ العلوم الإستراتيجية إلى أن الدولة المصرية عقب نجاحها في بناء القدرة العسكرية والسياسية سعت إلى بناء قدرتها الدبلوماسية وهو ما يتضح جليا في علاقات مصر الدولية الآن والسعي الحثيث من جميع دول العالم للتقارب مع مصر حتى الذين اتخذوا مواقف مناهضة لثورة "30 يونيو"، وحاولوا دعم الجماعات الإرهابية التي سعت لإسقاط الدولة.
 
وأشار سالم إلى أنه على صعيد القدرة الاقتصادية فإن الاقتصاد المصري شهد طفرة غير مسبوقة وهو ما تشهد به مختلف المؤسسات الاقتصادية الدولية، موضحا أن بناء القدرة الاقتصادية استلزم بالضرورة إقامة بنية تحتية وهو ما فعلته مصر عبر أكثر من 10 آلاف كيلومتر من الطرق ومد المرافق إلى مختلف ربوع الجمهورية.
 
وأكد سالم أن بناء تلك القدرات جميعا بدأ بسعي من الدولة لتعظيم الاستفادة من الكتلة الحيوية لمصر والمتمثلة في الموقع الجغرافي للدولة المصرية والبشر الذين يعيشون على تلك الأرض.
 
وتابع: "في السابق كنا نتغنى بأن مصر ملتقى القارات وبوابة إفريقيا الشرقية والرابط بين البحرين عبر قناة السويس"، مشيرا إلى أن رؤية الدولة للجمهورية الجديدة استلزم معه تعظيم الاستفادة من الكتلة الحيوية تلك لتحقيق أعلى فائدة للدولة المصرية.
 
واستطرد قائلا: "تعظيم الاستفادة تم عبر استغلال مكانة مصر في تقديم نفسها على أنها بوابة إفريقيا الشرقية وذلك عبر بناء خط سكك حديدية يربطها بالقارة الإفريقية".
 
وزاد قائلا: "كما أن الدولة المصرية عظمت استفادتها من الكتلة الحيوية بإثبات قدرتها على حماية مصالحها وثرواتها الطبيعية على عمق 500 كيلومتر في البحر المتوسط وهو ما برهن على تعاظم قدرات الدولة الشاملة".
 
وأضاف: "كما أن اهتمام الدولة المصرية بالكتلة الحيوية لم يكن مقتصرا على الموقع وإنما تم بالاستثمار في البشر وذلك عبر الاستثمار في التعليم والصحة وإنشاء منظومة حماية اجتماعية قوية تحمي الفقير وتنتصر للمحتاج".
 
وأكد سالم أن تلك القدرات لم تكن لتحقق شيئا لولا القدرة المعنوية .. تلك القدرة التي حمت مصر من السقوط عبر نكسة يونيو 1967 وصناعة روح التحدي لدى الشعب المصري في دعم دولتهم في مواجهة الإرهاب عقب ثورة "30 يونيو"، مشيرا إلى أن القدرة المعنوية هي وليدة ثقة الشعب في نفسه وفي قياداته وأنهم مجتمعين قادرون على تجاوز الصعاب.
 
وشدد أستاذ العلوم السياسية، على أن تلك القدرات جميعها شكلت ما يعرف في العلوم الإستراتيجية بالقدرة الشاملة للدولة، مؤكدا أن القدرة الشاملة للدولة هي التي تحمي مجالها الحيوي على الاتجاهات الإستراتيجية الأربعة.
 
ولفت إلى أن قدرات الجمهورية الجديدة الشاملة الآن تحمي  مجال مصر من باب المندب شرقا إلى عمق 500 كيلومتر في البحر المتوسط شمالا وتؤكد على حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل عند المنابع جنوبا وتحمي أمنها القومي غربا وتقطع الأيادي التي كانت تسعى لاختراق أمنها القومي عبر الحدود الليبية.
 
 وكذلك هي التي صنعت الاستقرار في شمالها الشرقي بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.
 
"ووفقا لرؤية الدولة المصرية فإن الجمهورية الجديدة هي الدولة التي تمتلك مقومات القدرة الشاملة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وعلميا وتعظم من كتلتها الحيوية لحماية أمنها القومي ومجالها الحيوي.