لا غريب يذكر فى قصة الغدر والخيانة الإخوانية ومحاولاتها المستميتة فى الوصول إلى حكم مصر ومن ثم طمس ملامح الهوية المصرية التى تشكلت عبر آلاف السنين منذ دبت أول معاول الحضارة التى عرفها العالم على هذه الأرض، ولا عجب لمن يقرأ التاريخ، إذا ما فتش عن اللبنة الأولى لهذه الجماعة وعرف أنها «صناعة استعمار» أسسها المحتل، ودشن منهجها، وبارك خيانتها، ومول مؤامراتها.. فماذا يرمى من صنعه الاحتلال الأجنبى إلا إلى تغيير الهوية وطمس التاريخ وتشويه الجغرافيا، كى تسود أفكاره وتتحقق أطماعه ويغنم مقاصده؟.

 
 
منذ اللحظات الأولى لظهور إخوان البنا فى المشهد العبثى الذى أعقب يناير 2011، فطنت الدولة المصرية إلى اللعبة الإخوانية، حتى تبلورت الخيانة التاريخية للإخوان فى وصولها لسدة الحكم فى العام الأسود، وسقطت ورقة التوت عن عورة الجماعة الإرهابية، وانتهجت الأخونة وحنت إلى العمالة والخيانة التى ألفتها فى مهد تأسيسها، حتى أصبح الوطن قاب قوسين أو أدنى من تذويب الحدود، والمواطن على شفا حفرة من طمس الهوية، وباتت مصر العظيمة المحورية الرائدة علمًا وحضارة على أبواب مستقبل مظلم مجهول، حتى نادى الشعب لثورة 30 يونيو المجيدة، لتبدأ ملحمة مصرية أخرى من استعادة الهوية الوطنية وطمس نطفة الاحتلال، بأسلحة الردع التى كان فى طليعتها بناء الإنسان وتعزيز الروح الوطنية وإقرار السيادة المصرية، ليقول كل من يحمل جنسية هذا الوطن الأبى بملء فيه وهو يحتفل فى الثلاثين من يونيو كل عام : «أنا المصرى».
 
موكب المومياوات.. يوم حضر الملوك والملكات وطارت خفافيش الظلام
أبهر المصريون العالم كله بحفل نقل المومياوات الملكية من المتحف المصرى بالتحرير إلى المتحف القومى للحضارة بالفسطاط فى مشهد بديع أعاد للأذهان عظمة الحضارة الفرعونية؛ حيث اعتبره المصريون انتصارًا للهوية المصرية التى تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ وكان أبرز ما حدث خلال الحفل هو استخدام الملابس الفرعونية وكذلك آلات الموسيقى بالأغانى والمقطوعات الموسيقية التى أبهرت العالم كله بخلاف إلقاء الضوء على قدرة المرأة المصرية منذ عهد الفراعنة على قيادة البلاد؛ حيث ضم الموكب 4 مومياوات لملكات من مصر القديمة من بين 22 مومياء تم تقلها وهو ما جعل الجميع يتحدث عن تلك الحضارة العظيمة التى دعمت المرأة ومكنتها حتى تصل إلى ملكة على البلاد وكذلك كان واضحا أن الفراعنة كانوا يظهرون فى أبهى صورة وظهر هاشتاج «عظيمات مصر» بعرض صور المشاركات فى الحفل بكل زينتهن وتلك الفساتين الفرعونية البديعة وكذلك قطع الحلى التى ظهرت وكأنها من العالم القديم .
 
وخلق المشهد البديع لنقل المومياوات حالة انتعاش كبيرة للسياحة الداخلية والخارجية بعد أن أبهر الحفل الجميع وحرك بداخلهم شغفا كبيرا لمشاهدة المومياوات عن قرب فى المتحف القومى للحضارة بالفسطاط، رغم جائحة كورونا فإن المتحف الجديد حقق زيارات كبيرة خاصة من الشباب والأطفال من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات.  
 
إستراتيجية العودة إلى الجذور والاستثمار فى العقول وتأكيد الهوية
أطلقت الدولة المصرية مجموعة من المبادرات لدعم بناء الإنسان المصرى منها إطلاق مبادرة «اتكلم عربى» ودخولها حيز التنفيذ إيمانا من الدولة بأهمية ربط المصريين بالخارج بوطنهم الأم وترسيخ الهوية المصرية فى نفوس أبناء مصر بالخارج بعد أن واجهت مصر حرب طمس الهوية الوطنية واللغة العربية؛ لأن الشباب فى الخارج فى حاجة إلى تنمية القيم والعادات والتقاليد والانتماء إلى الوطن حيث تستهدف تلك المبادرة الجيل الثانى والثالث من أبناء المصريين بالخارج .
 
فيما تأتى مبادرة «بناء الإنسان» ضمن إستراتيجية شاملة لترسيخ الهوية الوطنية بالثقافة والفن الذى يعتبر من أهم مكونات الشخصية المصرية والتى حرصت دولة 30 يونيو والتى منها إصدار سلسلة «رؤية» التى تهدف إلى نشر الوعى وتصحيح المفاهيم المغلوطة فى ضوء الكتاب والسنة واجماع العلماء بعيدا عن الغلو والتطرف وجرى تدشين هذه السلسلة خلال معرض القاهرة الدولى للكتاب.   وانطلاقا من سعى وزارة الثقافة؛ لتحقيق وتأكيد مبدأ العدالة الثقافية، وحرصًا على الوصول بالمنتج الثقافى لجميع ربوع وقرى الوطن بغرض اكتشاف وتنمية الموهوبين والنابغين والمبدعين، خاصة فى مجال المسرح باعتباره أحد أهم ركائز العمل الثقافى والفنى نظرا لاحتوائه على مجالات متعددة للإبداع.
 
هذا بخلاف الجهود التى تمت بالتعاون مع وزارتى التخطيط والتنمية الاقتصادية والإنتاج الحربى لشراء وتوريد عدد من المسارح المتنقلة للاستفادة منها فى تنفيذ رؤية الدولة.
 
 
«بناء الإنسان».. كيف أحبطت الدولة المصرية مخطط «أولاد البنا» لهدم «الأعمدة السبعة»؟
 
سبعة روافد حضارية.. سلام ومحبة وتعددية ووسطية واعتدال  
كل شعوب العالم تتميز بالهوية وهى التى تعنى الملامح والسمات التى ينفرد بها هذا الشعب عن غيره‏ ويتميز بها عما سواه‏ وتميز المصريون دون غيرهم بالوسطية والاعتدال وطوال أكثر من 7 آلاف عام هى عمر الحضارة المصرية القديمة، تمسك المصريون بالسلام ونبذوا العنف بكل صوره، وسطروا برديات ونقوش عبقرية بتعاليم المحبة والسماحة على جدران معابدهم كانت ومازالت وأظنها ستظل شاهدة على تلك الشخصية المصرية العبقرية التى وصفها المؤرخ العبقرى الراحل الدكتور جمال حمدان بأنها عبقرية المكان الذى يتعامد عليه الزمان فى تعاقب قرونه وحقبه ولذلك فهوية مصر هى ناتج تفاعل الحقب التى مرت عليها جميعا .. وليست هذه الهوية بالتأكيد هى ناتج حقبة بعينها يمكن اختزال هوية مصر فيها .
أظن أن الكل يجمع على أن المكون الأول للهوية المصرية هو المكون الفرعونى الذى تعود بدايته إلى نحو 7 آلاف سنة مضت ثم البطلمى  والرومانى إلى سنة مائتين من ميلاد السيد المسيح وظهر المكون الثانى وهو المكون المسيحى ابتداء من سنة ميلاد المسيح حتى دخول الإسلام فى عام 640 ميلادية وهو المكون الثالث.
 
ثم جاء المكون الرابع مع الاحتلال الفرنسى على مصر سنة 1798 فى موازاة تزايد الأثر الأجنبى علينا وهو المكون الحداثى الذى مازال ممسكا بتلابيب المصريين حتى الآن.
 
هذه المكونات الأربعة هى التى شكلت الشخصية المصرية على مدار سنوات مضت وكونت الهوية العجيبة لشخصية المواطن المصرى.
وطبقًا لكل المؤرخين وأغلب الفلاسفة والمحققين، فإن الشخصية المصرية كانت ومازالت عصية على الاختزال أو التجزئة فالمصرى المسلم يعتز بهوية بلاده القبطية والعكس كما أن المصرى اليهودى يعتز بما أنجزه الأجداد الفراعين من حضارة عظيمة ولذلك يخطئ من يعتقد أن العقل الجمعى المصرى يمكن أن يرتدى ثوبًا مكونًا واحدًا من تلك المكونات الأربعة وهو ما وقع فيه تنظيم الإخوان الإرهابى وأنصارهم.
 
وقع الإخوان وغيرهم من جماعات الظلام فى الفخ وحاولوا زحزحة الهوية المصرية بالنيل منها بحجة أن الهوية هى إسلامية فقط وتناسوا عن عمد قوة التاريخ وسيطرة الجغرافيا فى تشكيل الشخصية المصرية وظهر ذلك فى أمثلة عديدة نذكر منها أنهم بادروا  قبل سيطرتهم على الحكم بالسيطرة على الهوية من خلال  تنظيم تظاهرات مطالبين بإطلاق اللحى وظهر لنا جميعًا زملاء فى العمل وجيران فى السكن أطلقوا اللحية وكأن تلك اللحية هى الشعار الجديد للمواطن وهى جزء من هويته وأظنها فشلت رغم أنها تسربت إلى الدواوين الحكومية حتى وصلت إلى جهاز الشرطة وهو ما نتج عنه رد فعل معاكس من المصريين جميعًا ضد تلك الهجمة وكأننا لم نكن مسلمين قبل عام 2011 فيما كانت هوجة حجاب المذيعات بنفس النغمة وظهرت جماعات الظلام الذين نظموا تظاهرة ضخمة أطلق عليها المصريون «جمعة قندهار» شاهدنا خلالها الرايات السوداء معلنة عن تيارات تكفير المجتمع كله داعية للجهاد ضد الكفار والملاحدة الذين يخرجون على الإسلام ويتحدثون عن البدع المستوردة كالديمقراطية والليبرالية والأحزاب والانتخابات وغيرها وكانت صدمة كبيرة للجميع . 
 
فيما تظل عالقة فى أذهاننا جميعا بعض الأحداث التى كانت إشارات واضحة على التربص بالهوية المصرية وإطلاق النار عليها فى الوقت المناسب والتى منها فتوى لأحد مشايخهم بتحطيم تمثال أبوالهول والأهرامات والتماثيل الفرعونية فى المعابد المصرية والمتاحف معتبرا أن «المسلمين مكلفون بتطبيق تعاليم الشرع الحكيم ومنها إزالة تلك الأصنام كما فعلنا بأفغانستان وحطمنا تماثيل بوذا»؛ بل ذهب بعضهم إلى ضرورة استغلال التماثيل فى بيعها والحصول على الأموال مقابل تلك التماثيل.
 
هذا بخلاف وقائع لهدم الأضرحة الصغيرة بالمحافظات وفتاوى جادة بضرورة هدم الأضرحة الكبرى ومنع الصلاة بمساجد مثل الحسين والسيدة زينب وغيرها وهو ما شكل صدمة كبيرة لدى المصريين جميعًا أشد مما فعلته صدمة تحطيم التماثيل التذكارية لرموز مصر.
 
ولا يخفى ما حدث من كلام عن السياحة بخلاف الفتاوى الشاذة عن المرأة وعورتها وغير ذلك من صدمات تلاقها المصريون وهم يضحكون.
 
وطبقًا لدراسة أعدها الدكتور سيد زايد عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف وشملت 51 فتوى خلال حكم الرئيس المعزول محمد مرسى فإن الإخوان والسلفيين أجازوا فى فتاواهم كذب الزوجة على زوجها من أجل السياسة؛ بل يجوز لها أن تتزوج فى سن العاشرة حماية لها من الانحراف وحرموا عليها أن تأكل بعض الخضراوات والفاكهة.
 
بناء على منهج حضارة الأجداد.. وجمهورية جديدة تليق بالأحفاد
إعلان الرئيس السيسى مواصلة العمل بمدينة الفنون والثقافة ودار الأوبرا الجديدة والتى تعتبر أكبر مدينة فنية وثقافية بالشرق الأوسط يؤكد أن الجمهورية الجديدة لديها رؤية واضحة على دعم العقل المصرى وتهذيب النفوس وتشكيل الوجدان بإعادة الهوية المصرية من خلال أكبر مدينة فنية وثقافية فى الشرق الأوسط وفقا لأعلى المواصفات العالمية وأرقى التصميمات المعمارية لتصبح محط أنظار العالم أجمع من حيث الإنشاءات والإمكانات؛ حيث إنها تضم عددًا من المسارح وقاعات العرض والمكتبات والمتاحف والمعارض الفنية لكل أنواع الفنون التقليدية والمعاصرة من موسيقى ورسم ونحت ومشغولات يدوية كذلك تشمل قاعة احتفالات كبرى وعددًا من المسارح الكبرى والصغرى وتضم المدينة مركزًا للإبداع الفنى لشباب المبدعين وقاعات عرض سينمائى متصلة بالأقمار الصناعية فيما يشمل مبنى دار الأوبرا الجديدة قاعة رئيسية فضلًا عن مسرحين للموسيقى والدراما إضافة إلى مركز الإبداع الفنى ومتحف الشمع.
 
«شورى» يونيو التى أسقطت «سمعًا وطاعة» الإخوانية
بعد ثورة 30 يونيو المجيدة، تداركت الدولة الأخطاء السابقة من أساليب التعامل مع الشباب التى انقسمت بين السمع والطاعة لدى جماعات الظلام أو تهميش لدى الأنظمة السياسية الأخرى حيث رسمت دولة 30 يونيو طريقا جديدا لتنمية الفكر والوعى لدى الشباب من خلال تنظيم مؤتمرات الشباب التى رعاها وتبناها الرئيس السيسى وكان حاضرا فى جميع جلساتها يناقش الشباب ويستمع لآرائهم وأفكارهم يتقبل النقد بصدر رحب ويشرح ويفسر ويرد على جميع التساؤلات وهو ما شاهدناه وشارك فيه بعضنا لأكثر من 6 سنوات حيث بدأت مؤتمرات الشباب منذ عام 2016 وكان الهدف منها خلق مساحات مشتركة بين قيادات الشباب داخل الأحزاب مما سمح لهم بتقبل الاختلاف وأن يكونوا على طاولة واحدة ويتقبلون مختلف الآراء وبعد هذه الجلسات لا يفسد الاختلاف فى الرأى للود قضية؛ حيث إن تلك الجلسات شكلت وعى الشباب وخرج من رحمها أول كيان سياسى منظم والمتمثل فى «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين» وذلك من خلال ورش العمل ونماذج المحاكاة وعرف الشباب من خلالها كيفية صناعة الدولة وتثبيت الدولة المصرية والاتفاق على الثوابت الوطنية والتمسك بالهوية المصرية. كذلك خرجت من رحم تلك المؤتمرات فكرة إنشاء الأكاديمية الوطنية للتدريب والتى خرجت شبابا قادة فى شتى المجالات وبعدهما تمت المشاركة الشبابية فى الحياة السياسية بشكل عام مثل المناصب التنفيذية والنواب الشباب فى مجلسى الشيوخ والنواب.