بقلم ــ عـــلاء ثابت

ثورة 30 يونيو لم تنقذنا من حكم الظلاميين فحسب، بل مازالت تواصل خطواتها الثابتة نحو المستقبل الواعد رغم كل الصعوبات، فمن كان يتخيل أن نخرج من الدلتا المختنقة، والتى جرى تجريفها طوال عقود، وزحفت فيها العشوائيات على أخصب أراضى مصر، وتظهر دلتا جديدة، توقف التجريف والتشوه والتلوث والإهمال والتراخى وغياب القانون، وتفتح بابا واسعا للبناء والإنتاج والخصوبة.

 
إن جراد الربيع الإخوانى الذى كان يسعى إلى التهام هوية مصر وإرثها الحضارى قد انكفأ وتعافت مصر من أمراضه قبل أن يجرها إلى قاع سحيق من التخلف والتردى والانهيار، مثلما فعلت تلك الجماعة الظلامية فى الكثير من دول المنطقة، تحركها أياد بعضها مكشوف وأخرى خفية، تحت ادعاء إقامة دولة خلافة عثمانية، وفى سبيل تحقيق ذلك كانت تضرم النيران فى إرث مصر وقيمها ونسيجها الاجتماعى وسماحة شعبها وحضارتها العريقة وتمحو هويتها، لتعود بنا إلى حكم الغزاة العثمانيين.
 
لكن الشعب المصرى انتفض فى أروع الملاحم الشعبية، التى اجتمعت فيها إرادة الشعب مع جيشه وكل قواه الحية، ليطيحوا بحكم الجماعة قبل أن تنفث سمومها فى الجسد المصرى، وها هو الشعب المصرى يُسطر فصلا جديدا من مسيرة ثورته بمشروعات قومية عملاقة، لم نكن نحلم أن ترى النور، ولهذا لم يصدق البعض أن كل تلك الإنجازات الكبرى سوف تتحقق.
وها هى عاصمة مصر الإدارية تنافس أحدث طرز التخطيط العمرانى فى العالم، ويشع نور ثورتها الإدارية والتنموية، ويمتد من أقصى جنوب الوادى إلى أقصى شماله ومن سيناء إلى الساحل الشمالى، وقطار كهربائى فائق السرعة يعوضنا عن وقتنا المهدور، ويربط لأول مرة بين البحر الأحمر شرقا إلى غرب الساحل الشمالى، مرورا بالدلتا الجديدة، التى بدأت تنبت ثمار جهد مستند إلى التخطيط والعلم والإرادة، بنظام رى حديث، يعتمد على مخزوننا من المياه الجوفية، فى مشروع سيحول الصحراء إلى سلة غذاء، توفر الكثير من احتياجاتنا الغذائية، ويقلل اعتمادنا على استيراد سلع إستراتيجية، ويوفر ما ننفقه على استيرادها من عملات أجنبية وتصدير بعض المنتجات، لتدور عجلة التنمية، وتتيح فرص العمل المنتج وعائدات أكبر، وتوفر فرص عمل ورئة جديدة من الحقول العامرة بأشجار الفواكه والخضراوات والقمح والبنجر، وصناعات غذائية، وأراضى لبناء المزيد من المدن الجديدة فوق رمال الصحراء، التى تتحول إلى مصدر رزق ورخاء.
 
مشروع مستقبل مصر يزحف على الصحراء ليعمرها، ويحول رمالها إلى كنوز، على النقيض من مشاريع التجريف التى أفقدت مصر نحو مليونى فدان من أجود أراضيها، وحولتها إلى مبان عشوائية، وأحرقت طمى النيل وحولته إلى طوب أحمر فى قمائن تنفث مداخنها الدخان الأسود فى كل أنحاء الوادى والدلتا، وكانت الحكومات تغض البصر عن تلك الجرائم الخطيرة على مستقبل مصر، إما بسبب الفساد الذى استشرى فى المحليات، وأنتج فئات من المستفيدين من تجريف تربة مصر، وتحويل أراضيها الزراعية الخصبة إلى أرض بناء تباع بعشرات أضعاف سعر الأرض الزراعية، وآخرون تعمدوا تبوير أراضيهم، وفئات أخرى تنتفع من استخراج تراخيص بناء بالتحايل على القوانين، أو تتجاوز فى عدد الأدوار، ليتمدد البناء، ويلتهم ثروة مصر الزراعية.
 
وجاء الإنقاذ مع ثورة 30 يونيو وقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى وضع إستراتيجية لتغيير وجه مصر، وإصلاح عميق وشامل برؤية بعيدة المدى، وتصدٍ لمنظومة العشوائيات والمخالفات، وبالطبع كانت هناك تحديات ممن اعتادوا تحقيق الربح على حساب المصلحة العامة ومستقبل الأجيال الجديدة، وأثار المستفيدون موجات من الشائعات عن عمليات هدم واسعة للمخالفين، لكن القيادة السياسية تعاملت بحكمة وهدوء وثبات، والاعتماد على وعى الشعب بأهمية الحفاظ على لقمة عيشه وإنتاجه الزراعى، ليبصر مشروع مستقبل مصر النور مع المرحلة الأولى من المشروع الطموح بزراعة مليونين ونصف مليون فدان، والواقع على محور روض الفرج – الضبعة، بعد مسافة قصيرة من مدينة 6 أكتوبر وحتى الساحل الشمالى، وهى منطقة لها مزايا مهمة، لغناها بالمياه الجوفية وقربها من الموانى، وشبكة طرق حديثة، ستجعلها من أكثر المناطق جذبا للاستثمارات الزراعية والصناعية.
 
وترافق هذا المشروع القومى العملاق مع مشروع تطوير الريف المصرى، والذى يشمل تطوير 4741 قرية، و30888 عزبة ونجعا على ثلاث مراحل، فى تغيير جذرى لأوضاع الريف المصرى العمرانية والإنتاجية والصحية والتعليمية والاجتماعية، ويعد أكبر مشروع إنمائى فى تاريخ مصر، ويصل عدد المستفيدين منه إلى 55 مليون مصرى، يتمتعون بخدمات متطورة، ويحسن نوعية الحياة، ويتيح رفع معدلات النمو بنسب كبيرة. وإذا أضفنا ما تحقق من إنجاز العاصمة الإدارية التى ستنقل مصر إلى عصر الحداثة، وسلسلة المدن الجديدة وما يجرى فى سيناء، وشبكة الطرق الحديثة، ومشروعات البنية الأساسية المتطورة، والاهتمام بالتعليم والبحث العلمى، وأحد ثماره المشروع القومى لإنتاج مشتقات البلازما، وغيره من مشروعات فسندرك أن ثورة 30 يونيو كانت حدثا فارقا فى تاريخ مصر، وأنها تشق طريقا جديدا فى انطلاقة غير مسبوقة نحو التنمية الشاملة، وأن مصر تسابق الزمن لتكون فى مكانتها اللائقة بإرثها الحضارى، ليس بالنظر إلى الماضى فقطـ بل باستلهامه من أجل شحذ الإرادة نحو بناء مستقبل واعد فى ظل قيادة تتمتع برؤية واسعة، تثق فى قدرات ومكانة مصر، وعازمة على المضى بها نحو مستقبل واعد.
نقلا عن جريدة الاهرام