مؤمن سلام
أحد أزمات المثقفين الناطقين بالعربية هو غياب المنهج العلمي الذي يؤدي بهم في النهاية إلى انتاج علوم ومعارف زائفة تنتُج عنها مصطلحات زائفة، للتعبير عن مفاهيم ربما تكون متضاربه ولا يمكن أن تجتمع معاً، مثل الإسلامي الحداثي والإسلامي التنويري، واليسار الإسلامي، والعلمانية الجزئية، وأخيراً العلمانية القومية.
 
في خلط غير علمي بين منهج التفكير وهو العلمانية والأيديولوجي وهى القومية.
 
فالعلمانية هى منهج تفكير يقوم على النسبية وبالتالي فهى ضد المطلقات سواء كانت مطلقات دينية "ديني هو الحق وما سواه باطل"، أو مطلقات أيديولوجية "نحن كل شيء والباقون لا شيء"، لهذا نقول أن الأيديولوجيات التي تقوم على الحقيقة المطلقة ليست علمانية حتى وإن كانت لادينية، وأن الإستبداد نقيض العلمانية لأنه يقوم على ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة المتعلقة بمصالح الوطن حتى لو كان الحاكم لاديني، وأيضاً ليس كل ملحد علماني فكثير من الملحدين استبدلوا الدوجما الدينية بدوجمات أيديولوجية.
 
ومن هذه الأيديولوجيات القومية وقد ظهرت عام 1789 بحسب أندرو هيود في كتابه "مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية"، وتقوم – أى القومية – "على اعتقاد أن الأمة هى المبدأ المركزي للتنظيم السياسي ولذلك تقوم على افتراضين مركزيين. أولهما، أن الجنس البشري ينقسم طبيعياً إلى أمم متمايزة، وثانيهما أن الأمة أكثر وحدة ملائمة، وربما الوحدة الوحيدة الشرعية، للحكم السياسي." ويُضيف هيود "عملت القومية السياسية الكلاسيكية على أن تجعل حدود الدولة تتطابق مع حدود الأمة، ومن هنا سيتطابق الإنتماء القومي والمواطنة في داخل ما يُسمى الدولة - الأمة". وهو ما يُفسر لنا عدم اعتراف القوميين العرب بالحدود بين الدول الناطقة بالعربية واعتبارها كلها حدود صنعها الإستعمار، واستخدام مصطلحات مثل "مواطن عربي" بدلاً من مواطن سوري أو مصري أو عراقي، وكذلك تورط الكثير من السياسيين في دولة ما في الشؤون الداخلية لدولة أخرى لأنهم ببساطة لا يعترفوا بالدولة القُطرية.
 
ويقول هيود في ص. 181 "كانت قومية العالم النامي معادية للغرب وترفض كلاً من الرؤى الديمقراطية الليبرالية والإشتراكية الثورية للقومية. وقد اتضح ذلك على وجه الخصوص مع صعود اشكال القومية الدينية، وخاصة مع ظهور الأصولية الدينية" ويُضيف في ص. 184 "وعلى أكثر المستويات قاعدية، تُعد الأمم كيانات ثقافية، أى مجموعات من الناس تربطها سوياً قيم وتقاليد مشتركة، وخصوصاً اللغة والدين والتاريخ المشترك، وعادة ما يشغلون نفس الرقعة الجغرافية".
 
القومية العربية بين العلمانية والإسلام
بالنظر إلى هذا التوصيف للقومية وتطبيقة على القومية العربية لابد أن نخلص إلى أن القومية العربية بدون الإسلام هى لا شيء. فلولا المسلمين الأوائل لما كانت اللغة العربية خرجت من الجزيرة العربية لتتحدث بها الآن شعوب المغرب الكبير ومصر والسودان والشام والعراق. ولولا حركة الجيوش الإسلامية في المنطقة لما أصبح هناك دين واحد يجمع شعوب هذه المنطقة. والأهم من ذلك، لولا الإسلام لما كان هناك تاريخ مشترك يجمع شعوب هذه المنطقة من المحيط للخليج، فتاريخ شعوب المغرب الكبير – على سبيل المثال - لا يوجد بينه وبين شعب العراق أى تاريخ مشترك، إلا تاريخ الخلافة والجيوش الإسلامية التي اجتاحت المنطقة. كذلك ستجد الكثير من الرموز التاريخية التي يتفاخر بها القوميين العرب هم في الأساس يمثلون تاريخ الإسلام والكثير منهم ليس بعربي من الأساس مثل صلاح الدين وقطز وابن سينا والفارابي وغيرهم كثيرين.
 
كذلك عند النظر في مسألة الحدود سنجد أن الفكر العروبي يتوافق تماماً مع الفكر الإسلاموي الذي لا يعترف بالحدود بين الدول ذات الأغلبية المسلمة، وظهور جماعات إسلامية عابرة للحدود بين هذه الدول. وقبول أن يكون مصري رئيس لسوريا هى تماماً مثل قبول أن يكون ماليزي رئيس لمصر.
 
وهو ما جعل حسن البنا لا يعادي القومية العربية معتبراً الوحدة العربية خطوة على الطريق نحو الوحدة الإسلامية.
 
ومن هنا جاء المصطلح الزائف "العلمانية القومية" في محاولة لفك الإرتباط بين القومية العربية والإسلام، وكأن هذا الارتباط يُمكن أن ينحل بمجرد سك مصطلح جديد ينفي عن القومية العربية صفتها ومرجعيتها الإسلامية. فك الارتباط بين العروبة والإسلام يتطلب فصل التاريخ العربي عن التاريخ الإسلامي، وتغيير ديانة الشعوب من المحيط إلى الخليج، وفصل اللغة العربية عن القرآن، وهى أمور كما ترون لا يمكن حدوثها، وبالتالي لا يمكن فصل القومية العربية عن الإسلام.
 
وبهذا أستطيع القول أن مصطلح "العلمانية القومية" هو مصطلح زائف يخلط بين منهج التفكير والأيديولوجي، وهو محاولة فاشلة لفصل القومية العربية عن الإسلام.