فؤاد ابراهيم
تفقد الكنائس الالمانية الكبيرة اكثر من نصف مليون عضوا سنويا, مما جعل مجموع المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت فى المانيا ينخفض الى حوالى 50 % من عدد السكان فى عام 2021. يعنى بعد عشر سنوات ستكون الاغلبية الساحقة (حوالى 60%) غير مسيحية. اقول "ساحقة" لان ال 40% الباقية معظمهم مسيحيين بالاسم فقط ولا يذهبوا الى الكنيسة
 
فى 19 فبراير سنتة 2009 قال رالف مايستر رئيس الطائفة الإنجيلية فى برلين آنذاك أن المسيحيين فى برلين لا يجب عليهم ألآ يفاجئوا إذا ما وجدوا أنفسهم أقلية فى وسط أغلبية مسلمة، ذلك لأنه حاليا (2009) فى برلين 43% من الأطفال فى سن السادسة فأقل ينتمون إلى عائلات من أصل أجنبى (يقصد أتراك وعرب وخلافه). 
 
 وفى عام 2020 قالت الاحصائيات أن 22% فقط من سكان برلين ينتمون إلى الكنيستين الكبيرتين، الإنجيلية والكاثوليكية معا، و وفى عام 2017 كن بها 8% مسلمون.  وأن من 64,9% من سكان برلين لا ينتمون إلى أى دين. 
 
 والشيئ المحزن حقا أن عدد الذين يواظبون على حضور القداسات يوم الأحد في اضمحلال اكبر. ففي الفترة بين عامي 1965 و 2016 إنخفض عدد المصلين في كنائس الكاثوليك من 11,7 مليون الى 2,4 مليون (9% من كل الكاثوليك الألمان). وفى عام 2018 كان نسبة المواظبين على الصلاة في الكنائس الانجيلية 3 % فقط لا غير. 
 
وبما ان نسبة التناقص فى تزايد رهيب فان المسيحية فى المانيا مصيرها ان تنقرض تماما بعد حوالى 50  سنة على الاكثر إن لم تحدث معجزة. وسوف يعيش اولادنا واحفادنا حينئذ فى المانيا الملحدة اوالمسلمه. 
 
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا بكل إلحاح هو:
"لماذا يقف المسيحيون مكتوفى الأيادى إذاء هذا الخطر الداهم؟"
 
هل بقى ما يمكن عمله، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
 
أولا وقبل كل شيئ، يجب على الكنائس القديمة والكبرى أن تضع حداً لخلافاتها والحرومات التى تضعها على بعضها البعض، وتتحد من جديد تحت قانون الإيمان بالسيد المسيح مخلص البشر والمعمودية الواحدة. إن الصراع الخفى والعلنى بين هذه الكنائس سوف يضيّع عليها ربما الفرصة الأخيرة للوقوف في صف واحد أمام خطر حقيقى داهم، وشيك الحدوث، لا محالة. وقد عبر عن ذلك قداسة البابا تواضروس الثانى في افتتاح الؤتمر المسكونى في برلين في 20.10.2017 وذكَّرنا بقول السيد المسيح ان البيت المنقسم على ذاته لا يثبت (مت 12:25). ولذا امرنا الرب ان يكون الجميع واحدا (يوحنا 17:21). وقد اراد البابا الاعتراف بمعمودية الكاثلوك ولكن القوى الرافضة تغلبت عليه. ووحدة الكنيسة كانت ايضا أمنية نيافة ألأنبا ميخائيل مطران أسيوط المتنيح (1921-2014), إذ قال قبل نياحته: " "ليكون الجميع واحدا، كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك " (يو 17,21) دى أمنيتى. المسيح لا يقبل أن تكون كنيسته ممزقة. لو كان المسيح مسيح الأرثوذكس فقط لكان مسيحا هزيلا. لكنه مسيح العالم كله." 
 
ليتنا كأقباط - رغم قلة عددنا فى أوربا وضعفنا المادى والروحى – أن نحاول ببركة الله ان نكون ملح الأرض، والمصباح المنير فى الظلمة، والخميرة الصالحة التى تخمر العجين كله. ونسمع بولس الرسول يقول: "فقال لي تكفيك نعمتي لان قوتي في الضعف تكمل، فبكل سرور افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح" (2 كو 9:12). ومن الخطأ أن نتخيل ان التبشير خدمة اختيارية لأن بولس الرسول كتب: "إذ الضرورة موضوعة علىٌ, فويل لى إن كنت لا أبشٌر" (1 كو 9:16).
 
 ولكننا سوف لا نستطيع أن نقوم بهذا الدور إذا ظللنا سلبيون، متقوقعون، منطوون على أنفسنا، منهمكون بمشاغلنا وأمورنا الداخلية الصغيرة. فيجب ألا ننسى أن كنيستنا كنيسة جامعة (عالمية) رسولية وليست كنيسة محلية فقط، ولذلك يجب ألا يحكمها عرق او لغة او ثقافة او تراث شعب محدد، او هوية بلد معين. 
 
 نحن الآن فى مفترق الطريق، ولكن ينقصنا الحزم والشجاعة والتضامن والرؤية الواضحة والايمان القوى.
اولا يجب ان نسال انفسنا:
 
هل نحن اقباط  اوربا لسنا مصابين بنفس الداء – داء تقلص نسبة حضورنا الى الكنيسة؟
اذا كنت من المهاجرين القدامى الى أوربا, قم بتمرين صغير لتستطيع الاجابة على هذا السؤال:
 
 -  اكتب على ورقة كل اسماء الاسر القبطية التى تعرفها فى كنيستك, والتى هاجرت الى أوربا منذ اكتر من 20 سنة.
-  ثم ضع خطا تحت اسم كل عائلة يواظب اولادها واحفادها الكبار حاليا على حضور الكنيسة. (مع افتراض ان المواظبة = الحضور مرة واحدة من  كل 3 قداسات).
 
( تركيزى على كلمة كبار,اقصد اكبر من 18 سنة,  سببه ان الصغار قد يكون حضورهم ليس بمحض إرادهم).
 
عزيزى, سوف تندهش من النتيجة!
كيف تستطيع كنيستنا ان تنقذ ما يمكن انقاذه؟
وحتى نستطيع أن نتخذ الخطوة الأولى قبل فوات الأوان، اسمحوا أن اقدم بعض المقترحات المتواضعة بعد ان عشت فى المانيا 56 سنة، مؤمنا كل الإيمان أن الله وحده هو القادر على حفظ الكنيسة، وأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها. مت 16: 16
 
 1. نبدأ بأنفسنا أولا قبل أن نبشّر الآخرين
1.1. أبدأ بنفسى أولا حتى يكون سلوكى بلا عثرة للآخرين، وحتى يكون كل منا مثلا صالحا جديرا بإسمنا كمسيحيين، "ليروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات" مت 5: 16
 
"أنتم ملح الأرض. فإن فسد الملح فبمذا يملّح" مت 5: 13.
 
إن السلوك المسيحى الحق أقوى من الكلام فى مفعوله. لأنه مهما كانت مقدرتنا على الكلام والتحاجى، فسوف لا نستطيع أن نتبارى مع التيارات الفلسفية والعلمية الحديثة، التى تدعوا إلى الإلحاد، وتقلل من أهمية الكتاب القدس، وتجعل من الكون نظاما مستقلا، له قوة خلق ذاتية، وإستمرارية ذاتية، لا دخل لقوة سماوية فيه. لكن بأعمالنا وسلوكنا المسيحى، ومحبتنا ومساعدتنا للجميع دون تمييز، نستطيع بمعونة الله وبركته أن نقنع الآخرين بالمسيحية الحقيقية. وأبسط مثال لذلك هو: كيف تقنع إبنك بالمسيح، إذا كنت أنت نفسك لا تعيش حسب وصاياه؟ وكيف تقنعه بوجود الله، إذا كنت أنت تسلك بعيدا عنه؟ ولنتذكر أن آباء البرية القديسين – رغم صمتهم – قد ذاع صيتهم إلى أقصاء العالم. وجاء إليهم الكثيرون من جميع أقطار المسكونة ليتعلمو منهم الحكمة والنسك وحياة القداسة. فكانت كلمة منفعة صغيرة تخرج من فمهم أثمن من عظات طويلة وكتب كثيرة.
 
1.2. إفتقاد شعبنا قبل التوجّه إلى الآخرين
كيف نخرج لتبشير العالم، بينما شعبنا بعيد عن الكنيسة؟ دعنا نسأل أنفسنا أولا: كم من أفراد الشعب القبطى فى ألمانيا يذهب بإنتظام يوم الأحد إلى كنائسنا كلها معا؟ نحن نقول ان عدد اقباط في المانيا حوالى 12 الف. وان عدد كنائسنا حوالى 50 . وتبعا لهذا يجب ان يكون الحاضرين في قداس الاحد 240 مصلى في المتوسط. وبما ان المتوسط الواقعى ثلث ذلك. فأين ذهبت الثلثان !؟ 
 
  هنا يجب ان أسأل نفسى أولا:  كم أسرة أفتقدتها أنا عندما تغيبت، وسألت عن أفرادها وأهتممت بهم عندما مرضوا، أو لحقتهم محنة؟ إن واجبنا الأهم هو أن نذهب للبحث عن شعبنا القبطى الذى لا يمارس حياته الدينية، قبل أن نتوجه إلى الآخرين لإجتذابهم إلى حظيرة الرب. لنعمل هذا بكل تواضع ومذلة أمام الله حتى يرحمنا ويبارك فى عملنا. ولا نحتسب أنفسنا أفضل من الآخرين، لأنه "قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ." (أم 16: 18)
 
1.3 ما هى الأسباب الرئيسية لبعد البعض من شعبنا عن الكنيسة، أو بالأحرى لعدم رغبتهم فى الذهاب إلى الكنيسة؟
الفتور الروحى الذى فى أغلب الأحيان يكون قد بدأ فى مصر مقدماً، قبل الهجرة إلى الخارج، وليس كما يعتقد أكثر الناس، أنه قد جاء نتيجة للإهتمامات والهموم العالمية فى الغرب. هذا الإنسان محتاج إلى إفتقاد متواصل من قِبل خدام الكنيسة، حتى يستطيع التغلب تدريجيا على هذا الفتور الروحى. ويجب على خدام الكنيسة أن يكوّنوا لجنة إفتقاد، بها شباب وسيدات ورجال، يختارون من بينهم الشخص المناسب للقيام بإفتقاد شخصا معينا، كلٍ حسب سنه ونوعه. والإفتقاد الذى يبدأ وينتهى بالصلاه قوى فى مفعوله. وقد قام به الرعيل الأول من خدام مدارس الأحد، عندما كان يخدم فى أحياء القاهرة والجيزة، والقرى المحيطة بهما، منذ الأربعينيات فى القرن الماضى. وأصبح الإفتقاد منذ ذلك الوقت جزءا هاما من عمل خدام الكنيسة.
 
 - السأم الناتج عن عدم المقدرة على فهم اللغة العربية والقبطية
هذا هو أهم الأسباب لتخلف أُسر بأكملها عن الحضور إلى الكنيسة. وقد أثبتت دراسات أجراها كاتب هذه الاسطر عن الأقباط  فى أمريكا والمانيا ، أنه فى كثير من الأحيان، يقبل الأطفال مرافقة والديهم إلى الكنيسة سنوات عديدة. ولكنهم حالما يصلون سن المراهقة، وخاصة بعد الحصول على رخصة قيادة السيارات، فى سن 18 سنة، يمتنع غالبيتهم عن الذهاب إلى الكنيسة. فيذهب الوالدان وحدهما إليها. وبعد فترة من الزمن يُفضّل الوالدان البقاء مع بناتهما وأبنائهما فى المنزل يوم الأحد.
 
عدم المقدرة على فهم ما يقال فى الكنيسة كثيرا ما يتسبب فى أن يأتى المصلون إلى الكنيسة متأخرين، فقط عند وقت قراءة الإنجيل. وهذه ظاهرة مُؤسفة كثيرا ما يعلق عليها الألمان الذين يحضرون قداساتنا، فهم يرون كنيسة شبه فارغة فى بداية الصلاة. ثم يتوافد معظم المصلين بعد ساعة أو أكثر من البداية. هذه ظاهرة مؤسفة حقا. ولكن لو عُرف السبب لبطل العجب.
 
إن معالجة مشكلة عدم فهم اللغة فى الكنيسة ليست سهلة على الإطلاق. بل تتطلب منا جميعا عملا شاقا لسنوات طويلة. وهناك إعتقاد سائد بأن حل المشكلة سيأتى تلقائيا مع الوقت. ربما كان هذا صحيحا إذا انتظرنا جيلا أو جيلين. ولكن كما ذكرنا مقدما ليس لدينا وقت للإنتظار لان الضمور يحدث اسرع مما نتخيل. ومن منّا يريد أن يضحّى بجيل أو جيلين من أبنائه؟ وهناك من يدعو بالحفاظ على لغة الأم كتراث ثمين. ولكن أيهما أهم: التراث اللغوى والموسيقى أم ملكوت السموات؟ ويحاجى البعض منا ان الأجانب معجبين جدا بالحاننا القبطية وينصحونا بالاحتفاظ بها. ولكن ماهو الاهم؟ ان نحتفظ باجيالنا االقادمة فى حضن الكنيسة أم نُرضى الأجانب الذين ينظرون الينا كمتحف آثارموسيقية وحقلا للدراسة الاكاديمية؟!
 
 وللأسف فإن كثيرين من الشعب القبطى فى ألمانيا لا يريد إستخدام اللغة الألمانية فى الصلاة قائلين انهم يجدوا تعزية اكبر فى الصلاة باللغتين العربية والقبطية. وهم بذلك يفضلون أنفسهم على أولادهم وأحفادهم. اما عن مسالة التعزية فهى مجرد اعتياد. وقد تكون التعزية زائفة، لانه كيف اصف صلاة بلغة قبطية لا افهمها بانها معزية!؟  
 
وقد قمت بعمل إحصائية في إحدى كنائس ألمانيا التي عاصرت تأسيسها على يد المتنيح القمص صليب سوريال. وهدف الإحصائية هو التعرف على درجة إرتباط الجيل الثاني بالكنيسة القبطية. وبما ان درجة هذا الإرتباط تظهر حقيقتها فقط بعد سن العشرين، أي بعد استقلال الشخصية، اقتصرت الدراسة على كل العائلات التي لديها بنات وأبناء اكبر من 20 سنة. وكان عدد العائلات التي ينطبق عليها هذه الصفة فى كنيستى هى 15 عائلة. وقد أظهرت الدراسة ما يلى:
 
أ.  كل العائلات الخمسة عشر (نحو 65 شخص) يمتلكون الجنسية الألمانية.
ب. 60% من الجيل الأول و 95% من الجيل الثاني متزوجين من ألمان.
ج. ثلث افراد الجيل الثاني فقط يواظب على حضور الكنيسة القبطية.
 
الجملة الاخيرة مزعجة للغاية. وبالتأكيد فإن عدم إستخدام اللغة الألمانية كلغة رئيسية في الكنيسة هو أهم أسباب تكاسل الجيل الثاني والثالث عن الصلاة في الكنيسة القبطية.
 
1.4 وهنا نقدم بعض المقترحات العملية لتنشيط إستخدام اللغة الألمانية فى المجال الدينى:
 
+ ترجمة الألحان العربية والقبطية إلى اللغة الألمانية بواسطة متخصصين فى ترجمة النصوص الكنسّية.
 
الكنيسة الكارزة خارج وطنها الاصلى يجب عليها ان تنتج "تركيبة" جديدة  من اللحن واللغة حتى لا تكون الحانها نشاذا فى بلد المهجر. فلا الالحان ولا اللغة مقدستان فى حد ذاتهما، وتغيرهما لا يعتبر خروجا عن الايمان او عن الطقس.
 
وحتى يتوصل خبراء الموسيقى والالحان من ابنائنا فى المانيا الى طريقة تلحين مقبولة وغير نشاذ، لا مفرلهم من الرجوع الى الالحان الكنسية الالمانية التى تُستخدم فى الكنائس الكاثوليكية وبعض الكنائس الانجيلية. وكثير من هذه الالحان الًفها موسيقيون المان مشهورون. وقد يتطلب استخدام الالحان الجديدة ترجمة النصوص القبطية بشيئ من التصرف دون المساس بالمضون.
 
هذا مشروع ربما يتطلب عدة سنوات لتنفيذه. ولكن اذا وُجدت الارادة وُجد الطريق. واخشى ان الارادة غير موجودة أصلا. والدليل على ذلك انه حتى الآن لا توجد الحان باللغة العربية فى مصر ذاتها لألحان أساسية فى القداسات مثل الحان "الهيتنيات" "وذكساباترى..." و"آجيوس اوثيؤس..". ويبدو ان هذا لا ثير قلقا لأى عامل فى مجال الخدمة، لا فى مصر ولا فى المهجر. فكيف اجرأ انا الآن على الحلم بانتاج الحان باللغة الالمانية لهذه الالحان القبطية الهامة؟!
 
+ تعليم هذه الترجمات للأطفال والشباب فى دروس أو كورسات خاصة فى الأجازات المدرسية.
 
+ تدريس هذه الألحان للكبار والصغار قبل القداس، قطعة صغيرة كل مرة.
 
+ من السهل البداية بالأجزاء التى لا تحتاح إلى تلحين خاص، مثل أجزاء كثيرة من القداس الإلهى وصلوات السواعى، والقراءات، وقانون الإيمان، والصلاة الربانية.
 
+ نحن فى أشد الحاجة إلى مرحلة تعليمية جادة، وفق جدول زمنى محكم، إذا أردنا أن نقدم للجيل الجديد قداسا وصلوات كنسية بلغة ألمانية سليمة ومستساغة. والقديس بولس الرسول قال إنه يفضل أن يقول خمس كلمات بفهم أفضل من عشرة آلاف بغير فهم (1كو14: 19). وللعلم فان الكنيسة القبطية فى افريقيا تستخدم اللغات والموسيقى الافريقية وكذلك الطبول الافريقية فى قداساتنا!
 
+ يبدو أن العقبة الكبرى أمام تحقيق هذا الهدف ليست فى مجرد عدم الكفاءة فى اللغة الألمانية، ولكن فى الجمود الفكرى والتشبث بالسلف وعدم الإقتناع بأهمية هذا الأمر، وإدراك أن هناك مشكلة على الإطلاق. والدليل على ذلك أننا كثيرا ما نجد أمامنا شمامسة يجيدون اللغة الألمانية إجادة تامة، ورغم ذلك لا يستخدمونها فى مردات القداس الإلهى، حتى ولو إستخدم الكاهن اللغة ألألمانية، ورغم رجاؤنا المتكرر بضرورة إستخدامها. وأخشى ان يكون السبب هو حب السلطة وإظهار مواهب ومهارات لا يملكها عامة الشعب. فالملاحظ دائما انه كلما علا صوت كورال الشمامسة والمعلم فى القداس كلما انخفض صوت الشعب. مع العلم بأن كورال الشمامسة والمعلم ليس لهم ذكر في الخولاجى المقدس على الإطلاق. المذكور فيه هي مردات الشعب وليست مردات المعلم وكورال الشمامسة.
 
1.5. العناية الخاصة بالأطفال والشباب
إن من أسباب عزوف الجيل الجديد عن الحضور المنتظم إلى الكنيسة هو عدم إهتمامنا بإحتياجاتهم وميولهم. فنحن نهتم، أولا وقبل كل شئ، بإحتياجات وميول الكبار، وهذا السلوك مصدره خطأ تربوى قديم. وهو الاعتقاد أن ما هو صالح ومحبوب عند الكبار، صالح ومحبوب أيضا عند الصغار والشباب. ولذلك فنحن نفضّل الماضى على المستقبل. ولكن قد حان الأوان لنغير من وجهة نظرنا، ونهتم بالجيل الصاعد، وننظر إلى الأمام. لأن الرب قال: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ»"(لو 9: 62).
 
 وهنا بعض الإقتراحات لجعل الكنيسة محببة لدى الجيل الصغير
+ إقامة قداسات خاصة بالصغار، مرّة كل شهر. وبالطبع يحضرها الكبار أيضا. وتتميز القداسات الخاصة بالصغار بالآتى: 
          ++  تعليم الصغار لحنا قبل القداس الذى يقال فيه هذا اللحن
          ++ شرح أجزاء القداس قبل إدائها (قداس تعليمى)
          ++ نطق الكلمات ببطئ ووضوح
          ++ إختيار الألحان والتراتيل المناسبة للصغار
          ++ يكون كل الشمامسة من الأطفال والشباب
         ++ حبذا لو صغنا قداسا يناسب لغة وفكر الاطفال. طبعا هذا إقتراح لن يُوافق عليه احد من المسؤلين لاننا توقفنا عن التفكير والتجديد منذ القرن الخامس الميلادى واصبحنا نعبد الحرف.
        
+ القيام برحلات دينية وثقافية ورياضية للأطفال والشباب والعائلات، كلٍ فئة على حدة.
+ تبادل الزيارات بين الكنائس القبطية بعضها البعض، حتى يتعرّف الجيل الجديد على بعضه. ويمكن ربط هذه الزيارات ببرامج دينية ومباريات رياضية، وزيارات للكنائس والأماكن الأثرية في المانيا.
 
+ تنظيم خلوات روحية فى الدير، يتدرب فيها الشباب على صلوات السواعى والألحان الكنسية باللغة الألمانية، وكذلك دراسة الكتاب المقدس. هذا بالإضافة إلى القيام بنشاطات رياضية وثقافية وإجتماعية مناسبة.
+ عمل لجنة مسؤلة عن تنظيم هذه الزيارات والرحلات والخلوات.
 
2. تعريف الألمان بكنيستنا 
2.1. لنبدأ بالإهتمام بالألمان الذين يهتمون بكنيستنا
 
هناك عدد لا بأس به من الألمان يحبون كنيستنا، ويبحثون عنا، قبل أن نحاول نحن أن نبحث عنهم. فهم يهتمون بكنيستنا وشعبنا ووطنا الأصلي مصر، ويرغبون معرفة المزيد عنها. وحينما يوجهوا إلينا أسئلة عن كنيستنا، لا نجد أحيانا كتابا أو مقالا مناسبا، مكتوبا باللغة الألمانية يجيب على أسئلتهم بالذات. فنلجأ إلى كتب بديلة، غالبا ما تكون متعمقة فى العلم اللاهوتى، والتاريخ الكنسى، ولا تخاطب الشخص العادى، غير المتخصص في هذه المجالات. وبعبارة أخرى، نحن ليس لدينا كتب أو منشورات كرازية.
 
وهنا بعض الإقتراحات لسد هذه الفجوة، ولو مؤقتا:
2.1.1 الإهتمام بالألمان الذين يحضرون قداساتنا وصلواتنا. فنستعمل اللغة الألمانية، ونشرح لهم الطقوس الكنسية الخاصة بهذه الصلوات. ولا يكفى إطلاقا أن ندفع إلى أيديهم الخولاجى الألمانى، كما نفعل كثيرا، ثم نتابع نحن الصلاة باللغة العربية والقبطية. ولا يكفى ان نستخدم البيمر او المونيتور لأن تركير المصلى على شاشة المونيتور لأكثر من ساعتن مرهق للنظر ومشتت للذهن ولا يعطى مجالا للصلاة القلبية والتأمل الروحى. بالإضافة الى ان المصلى الألماني يركز نظرة على الطقس الممارس في داخل الهيكل أولا وقبل كل شيء. 
 
 2.1.2 تنظيم محاضرات وندوات للألمان لنعرفهم بكنيستنا
 
2.1.3 تنظيم ندوات مشتركة مع الكنائس الكاثوليكية والإنجيلية، وخاصة مع الكنائس التى تستضيفنا ونصلى فيها قداساتنا، فى حالة عدم إمتلاكنا كنيسة قبطية. وفى هذه الندوات يمكن مناقشة المواضيع الدينية والروحية التى لا خلاف عليها مع هذه الكنائس.
 
2.1.4 تنظيم سمينارات لمدة يوم كامل أو يومين، يتخللها محاضرات للتعريف بتاريخ الكنيسة القبطية وعقيدتها وطقوسها وروحانيتها، وتاريخ الرهبنة، وتاريخ الشهداء والقديسين حتى يومنا هذا. هذا بالإضافة إلى الصلاة والترتيل ودراسة الكتاب المقدس.
 
2.1.5 ترجمة المقالات والكتب الهامة عن كنيستنا وتاريخها وروحانيتها إلى اللغة الألمانية. ويجب الإهتمام هنا بالكتب والمقالات ذات الطابع الكرازى، والتى تخاطب الشخص العادى، غير المتخصص فى اللاهوت والتاريخ.
 
6 إصدار ورقات من الحجم الصغير، تكون على واجهة منها صورة لأيقونة قبطية، وعلى الأخرى كلمة منفعة أو تأملات روحية، تحبب الشخص فى السيد المسيح، وتجذبه إليه. ونقوم بتوزيع هذه الورقات على معارفنا الألمان، وخاصة الشباب.
 
2.1.7 عمل أفلام قصيرة، صالحة للإرسال عن طريق الإنترنت، إلى الأصدقاء الألمان. ويكون الهدف من هذه الأفلام هو التعريف بكنيستنا، وجذب المشاهد إلى السيد المسيح، والحياة معه، حسب وصاياه.
 
3. توعية الشباب الألماني بكنيستنا القبطية 
3.1 تحضير برنامج يُعرّف تلاميذ المدارس الألمانية بالكنيسة القبطية ونرسله الى مُدرّسى الدين فى المدارس حتى يقوموا باصطحاب فصولهم لزيارة كنيستنا في يوم من أيام العمل في الأسبوع (حتى يحسب للمدرس والتلاميذ كنشاط مدرسى). ويتكون البرنامج من البنود الآتية:
 
+ صلاة طقسية (اذا امكن قداس تعليمى)
+ محاضرة ومناقشة للتعريف بالكنيسة القبطية
 
+ إهداء الحاضرين صلبان جلد وكتيبات او ورقات تعرفهم بالإيمان الأرثوزوكسى
+ صلاة ختامية.
 
3.2 تدريب شبابنا الجامعى على إدارة ندوات ومحاضرات عن الكنيسة القبطية في جامعاتهم في ايطار النشطات الدينيه للكاثوليك والإنجليين في الجامعة.
+ تدريب شبابنا على الإشتراك الفعال ببرامج قبطية كرازية في المؤتمرين الألمانيين للكنيسة الإنجيلية والكنيسة الكاثوليكية سنويا اللذان يحضرهما عشرات الآلاف من الشباب.
 
وحتى نكون محقون، يجب القول أن أديرتنا وبعض كنائسنا تقوم ببعض هذه النشاطات المذكورة عاليه. ولكننا نتمنى أن تقوم كل الكنائس بعمل برنامج كرازى، كل كنيسة فى منطقتها، حسب إمكانياتها. ويجب أن نجند مواهبنا وقدراتنا، كلٍ حسب ما أعطانا الله من وزنات ومواهب. فالبعض يستطيع أن ينظم ندوات ومحاضرات ويتكلم بطلاقة، والآخر يجيد الترجمة والكتابة فى صمت، والآخر يستطيع تدريس الألحان، والآخر يصور الأفلام، وهكذا...
 
ونحن بنعمة الله لا نفتقر إلى الشباب المؤهل لهذه الخدمة. فقد تخرج من كلية البابا شنودة الثالث الإكليريكية بدير القديس العظيم الأنبا أنطونيوس بكريفلباخ حتى الان أكثر من مائة وثلاثين خريجة وخريجا، مؤهلين أحسن تأهيل، وذلك بشهادة أساتذتهم الذين يُدرّسون فى مصر أيضا.
 
هلم ننقذ ما يمكن إنقاذه، فالوقت مُقصّر. ولنقل مع الرب يسوع: «إِنَّ الْحَصَادَ كَثِيرٌ، وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ " (لو 10:2).