كمال زاخر

دار حول الجزء الأول من هذا المقال، والذى تناول اشكالية الأسقف العام، اكثر من حوار موضوعى وثرى بعيداً عن الصفحات المعلنة فى فضاء العالم الإفتراضى، كان على الجانب الأخر فيها شخوص لها ثقلها فى دوائر الخدمة الكنسية، منهم آباء اساقفة عموم حرصت على اطلاعهم عليه، بعد نشره.
 
اتفقوا واختلفوا حول بعض ما جاء به، لكنهم اجمعوا ومعهم آباء واراخنة افاضل، على إحتياج الادارة الكنسية لمراجعة وتقييم موضوعى وربما تقويم، تفرضه التطورات والمتغبرات المتلاحقة والمتسارعة التى يشهدها العالم ، والكنيسة فى القلب منه وفيها، بعيداً عن الصخب الذى تشهده جدالات صفحات التواصل، وأجواء التربص والملاحقة وتسوية الحسابات المتوهمة بين الفرقاء.
 
كانت ابرز الملاحظات أن موقع الاسقف العام أضيف إلى خريطة التدبير الكنسى بغير أن يصاحبه رؤية تترجم فى قانون أو بيان يحدد مهامه ونطاق عمله وآليات اختياره وعلاقة اسقفيته بالإيبارشيات والأسقفيات العامة الأخرى، والحدود الفاصلة بين الدور الاستشارى وصلاحيات التوجيه، حتى تتجنب الكنيسة تصادم السلطات الأسقف العام واسقف الايبارشية.
 
فيما تحفظ البعض على المسمى ورأى أنه من الأفضل أن تسند مهام الاسقفيات العامة، التى اقيمت ـ التعليم والخدمات الاجتماعية والدراسات العليا والبحث العلمى والشباب ـ الى مكاتب فنية ملحقة بمكتب قداسة البابا البطريرك، تقدم دراساتها وابحاثها لقداسته، وتقوم بهذا من خلال الباحثين فيها، أو من تستعين بهم من اهل الاختصاص، وتصدرها ككتب أونشرات، تطرحها فى مؤتمرات للشباب، أو عبر اليات التواصل المتاحة فيما يتعلق بالتعليم والبحث العلمى والثقافة، أو قنوات التعاطى مع المستهدفين فيما يتعلق بالخدمات الاجتماعية أو الشباب، أو من خلال الفضائيات القبطية المملوكة للكنيسة فيما يتعلق بالإعلام والثقافة، ويمكن أن تسند هذه المكاتب إلى اكليروس أو اراخنة متخصصين.
 
وقفز البعض من دائرة التحفظ وذهب الى دائرة الرفض، إذ يرى أن الاسقفيات العامة، فى تجربة البابا كيرلس وفى تجربة البابا شنودة (التعليم والخدمات الاجتماعية والدراسات العليا والبحث العلمى والشباب)، فكرة فاشلة جداً لأن اسقفها مجرد رجل له عمامة وعكاز اسقف دون أى عمل رعوى حقيقى مع الناس، وعمله مجرد وضع آليات ومناهج بحاول فرضها على الإيبارشيات التى بدورها يرفض اساقفتها التدخل السافر من الاسقفيات العامة فى ادارتها، أو سحب ولاء شبابها، أو فرض خدام عليها والبعض يكون أصلاً سبب مشاكل بها.
 
لكن هذا لا ينفى نجاح هذه الاسقفيات بدرجات مختلفة فى تحريك المياه فى نهر الكنيسة، وخلق حالة من الانتعاش فى الذهنية العامة، وتنشيط حركة القراءة والعودة للكنوز الكنسية والآبائية عند كثيرين.
 
فيما ذهب البعض إلى ما هو ابعد، وتطرق إلى السلطة العليا فى الكنيسة، وهو مجمع الأساقفة، وذهب إلى حاجة الكنيسة لإعادة النظر فى تشكيله وصلاحياته بما يتوافق مع طبيعة واحتياجات العصر، كأن يضاف الى لجانه، لجنة للأراخنة، استناداً إلى ما كان يجرى فى الكنيسة الأولى التى لم يغب فيها الأراختة (المتقدمين فى الإخوة) ـ بحسب توصيف سفر الأعمال ـ عن دوائر التدبير فيها. ويتسع نطاقه ليصير (مجمع الكنيسة). ويجسِّر الفجوة بين كلاهما. فيما يرى غيرهم أن اضافة لجنة للأراخنة إلى لجان المجمع هو اقتحام لخصوصية الإكليروس، ومزاحمة لسلطاتهم، باعتبار أن "المجمع هو بمثابة عائلة اكليروسية يتداولون فى اجتماعاته همومهم وخصوصيات خدمتهم التى يتم تداولها فيما بينهم، وفيها كثير من "الفضفضة"، كما فى جلسة عائلية. بنص ما قاله لى أحدهم.
 
وتطرق البعض إلى اشكالية اسناد رئاسة الدير إلى اسقف، والتى تم تعميمها بعد أزمة الأب دانيال البراموسى، 1991، وما انتجه ذلك من نتائج خنقت الحياة الديرية، وربطتها قسراً بسياسة الكنيسة وتوجهات قيادتها، والتى امتدت الى خارج اسوار الدير لتشتبك مع الفضاء الكنسى العام، وهى مداخلة تغرى بأن نفسح لها مقالاً مستقلاً.
 
وتوقف أحدهم عند التخريجة التى نسبت للقمص صليب سوريال وقدمها للبابا كيرلس السادس بشأن رسامة اسقف عام بغير اضطرار لأخذ موافقة مجمع الأساقفة، وتساءل عن مدى قانونيتها، ودلالاتها التى تقول بمناوءة المجمع لتوجه البابا، والتوسع فى استخدامها، فى حبرية البابا شنودة الثالث فى رسامة العديد من الاساقفة العموم، بدون مهام رعوية عامة محددة، وهو الأمر الذى تكرر فى حبرية البابا تواضروس الثانى. ورآها البعض واحدة من طرق خلق جبهة داعمة له، فى مواجهة التيارات المناوئة داخل المجمع.
 
كان اجماع المداخلات أن تقنين موقع الأسقف العام بات لازماً، لحساب الكنيسة وتراتبيتها وانضباطها، فى سياق الإنتقال من الفرد إلى المؤسسة، بوضع قواعد قانونية منظمة، للاختيار والمهام والدور، تكون عامة ومجردة وملزمة. أو فى اتجاه معاكس التوقف عن رسامة اساقفة عموم والعودة إلى ما درجت عليه الكنيسة واستقر بها، وإعادة احياء دور الإيغومانس والخورى ابسكوبس.
 
واللافت ـ لى على الأقل ـ أن المداخلات لم تذهب بعيداً عن دائرة آليات تكوين العقل والوجدان القبطى داخل الكنيسة، وهى جزء من آليات اشمل فى المجتمع العام، خارج اسوار الكنيسة، تمتد للبيت والمدرسة والشارع والقانون العام والإعلام، والثقافة بكل تنوعاتها.
واعتذر للقارئ لهذا التوقف مع التعليقات والذى استلزم ارجاء الحديث عن تلك الآليات