بقلم : د . مجدى شحاته
اقتحم العالم حقلة جديدة من تاريخ البشر، من خلال التقدم المذهل فى تكنولوجيا الاتصالات الالكترونية الحديثة . وأطلق البعض على هذه المرحلة بالعولمة . حيث ربطت القنوات الفضائية وشبكة الانترنيت العنكبوتية كافة دول العالم وتقاربت المسافات بمعنى آخر تعولمت بلاد العالم ، واصبح لهذه العولمة آثار بالغة الاهمية ، ثقافيا وسياسيا وعلميا واجتماعيا وروحيا واقتصاديا وغيرها من نواحى الحياة المختلفة . أصبح العالم يعيش عصر السموات المفتوحة ، بعد ان انفتحت دول العالم بعضها على البعض بمنتهى السهولة فى كافة مناحى الحياة ، فالغت مجازا الحدود الجغرافية واختلطت الثقافات وتمازجت الحضارات ، حتى اصبح لدينا ما يمكن ان نطلق عليه المواطن العالمى ، انسان له مواصفات مشتركة متشابهه تجمع من كافة أرجاء الارض . وعلى جانب آخر ، فى نفس الوقت ، اوجدت  تكنولوجيا الاتصالاات الحديثة نوعا من الحياة الافتراضية ، حيث أصبح للفرد أصدقاء لم يتقابل معهم من قبل ،  وتعلم عادات جديدة ، وتعرف على ثقافات مختلفة ، وربما تقاليد تختلف عن التقاليد التى نشأ وتربى عليها .
 
زادت حجم المعرفة الانسانية ، مع استحداث اساليب جديدة لحل ما يواجهه الانسان من مشكلات . كثير من الوظائف التقليدية انتهت اواختفت بمعنى أصح ، وحل مكانها وظائف حديثة تتلائم مع عصر السموات المفتوحة . 
 
أدت العولمة الى تبادل واختلاط الثقافات بين الدول المختلفة ، بلا قيود أو ضابط او رادع ،  لتخلق مكونا ثقافيا عالميا خليط ، ليس له هوية مميزة ، ثقافة عالمية ،  تنال من خصوصية الثقافة المحلية او القومية فى كل بلد . تولد عن ذلك اقتحاما سافرا لخصوصية كل شعب . وعلى جانب آخر ، والامر المثير للدهشة ، ان العولمة خلقت جوا من الغربة والحياة الانفرادية الافتراضية داخل الاسرة الواحدة ، فى البيت الواحد . ففى الوقت الذى انفتحت فيه يلاد الدنيا على بعضها البعض ، من خلال شبكة الانترنيت والاقمار الصناعية ، واصبح تبادل المعارف والبيانات والمعلومات متاحا وبطرق سهلة ومغرية وعير مكلفة ، حيث وجد الناس كثير من المتعة المضاعفة فى قضاء ساعات طويلة امام شاشات التواصل الاجتماعى . مع كل هذا الانفتاح الغير محدود ، الا ان كثيرون يعيشون  نوعا من الغربة أو التوحد ، داخل افراد الاسرة  الواحدة ، يضمهم  بيت واحد لكنهم استبدالوا التفاهم و التواصل الشخصى بين أفراد الاسرة بالتواصل مع غرباء عبر الاثير والانخراط فى حياة افتراضية وهمية . كل فرد من أفراد الاسرة له التليفون النقال الخص به ، وله حسابه الالكترونى الخاص به ، يتواصل مع غرباء او عام افتراضى وهمى خيالى ، بعيدا عن التواصل الاسرى العائلى الواقعى .
 
لقد أدت العولمة الى تدفق الافكار والتعاليم والتى لا تتوافق او تتمشى مع المجتمعات المختلفة واقتحام خصوصيات الناس بقصد او بدون قصد  ، الامر الذى أدى الى توتر الانسان وعليه ان يعيد توازنه والتصدى لمتغيرات العصر التى قلبت الموازين وانتهكت الحريات وساهمت فى التفكك الاسرى ...
 
 وانت نائما هادئا مستكينا مطمئنا فى حجرة نومك فى منزلك ... يسكن فى الغرفة المجاورة لك والتى ينام فيها أطفالك او أحفادك ، يسكن غرباء أشرار يتسللون بحرفية بالغة عبر هواتفهم الخلوية ينتهكون حرمة منزلك واقتحام لأشد خصوصيات أهل البيت !! مخاطر بشعة .. وهواجس مرعبة .. لا يدركها البعض منا ، عندما نترك ونطلق العنان لأبنائنا وأحفادنا المراهقين لممارسة بعض الالعاب الالكترونية التى تزخر بها هواتفهم الخلوية . 
 
الكلام عن  ايجابيات وسلبيات العولمة كثيرة ومتعددة ، ولها ابعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية واخلاقية وغيرها يطول الكلام حتى يمكن تغطيتها . ولكن علينا الا نقف ندا للعولمة او نرفضها ، بل علينا ان نتعامل معها بالحكمة والفكر المستنير ، لا نخشى سلبياتها وان ننتقى ما يفيد مجتمعاتنا من ايجابياتها .