إقبال بركة

 منذ ثلاثة أعوام، دعانى صديقى الأستاذ مصطفى الشرشابى، مؤسِّس رابطة «فى حب الفوتوغرافيا»، إلى الاحتفال الكبير الذى تقيمه الرابطة بميلاد فنان التصوير الفوتوغرافى والسينمائى المصرى العالمى رمسيس مرزوق بمناسبة يوم ميلاده أول يونيو.

 
وتعود علاقتى بالفنان الراحل رمسيس مرزوق إلى عام 2017، بعد أن رحلت زوجته الناقدة والكاتبة عواطف صادق أثناء تواجدهما فى مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية.
 
كانت «عواطف» صديقتى المقربة، فلم نكن نفترق خاصة فى المهرجانات السينمائية، أما هو فكنت أرهب شخصيته وأراه عابسًا جادًا، إلى أن تقربنا بعد وفاة ابنته الصحفية «أمل»، واكتشفت أنه إنسان يفيض طيبة ورقة وأصبحت أحرص على دعوته فى كل المناسبات التى أقيمها.
 
قال لى يومًا إن اسمه الحقيقى ليس رمسيس ولكن «رع رمسيس»، وذلك الاسم موجود فى شهادة ميلاده، وله ثلاثة أشقاء «زوسر» و«مينا» و«خوفو»، وشقيقتان «نيتوكريس» و«نفرتيتى»!، فقد أطلق عليهم والدهم أسماء ملوك من مصر القديمة بسبب عشقه للحضارة الفرعونية.
 
وقد كتبت يومها أن قصة حياة هذا الفنان تثبت أن الله يخلق الموهبة، وعلى صاحبها أن يرعاها، وهو ما طبقه الفنان العبقرى طوال حياته. لم يَكْفِه تفوقه الدراسى، ولم يُغْرِه النجاح فى بداية حياته العملية، وسار فى طريق الدرس والتحصيل حتى حصل على شهادة الدكتوراة فى الإخراج السينمائى من جامعة السوربون بباريس (فرنسا) عام 1983. وقد أهّله نجاحه لأن تختاره السينما الفرنسية كأحد أساتذة الصورة فى تاريخ السينما العالمية، وتتم إقامة بانوراما لأعماله فى متحف السينما بباريس. وإضافة إلى عمله فى أكثر من فيلم فرنسى، استعان المخرجون فى إيطاليا بالموهوب المصرى للاشتراك فى تصوير العديد من الأفلام الإيطالية.
 
وفى معرضه وقفت طويلًا أتأمل لوحاته الرائعة، التى يلعب الضوء فيها الدور الرئيسى. إنه لا يقلد الطبيعة مثل المصورين التشكيليين، لكنه يصنع صورًا مبهرة من مشاهد واقعية رأى فيها من الإبداع ما يفوق بمراحل إبداع التشكيليين. إنه مثل «نيوتن»، تجذبه أشياء فى الطبيعة، فيصيح فرحًا: «وجدتها»، ويسلط الضوء عليها. أحيانًا تجده مُسلِّطًا الضوء على وجه فنان أو جزء من تمثال، أو على جزء من ثمرة أو شجرة أو جسد امرأة. وأحيانًا على نار مشتعلة خلف امرأة، فالمرأة والطبيعة، فى نظره، تتشابهان، وقد نجد قطع نحت بديعة فى جسد المرأة. وقد أقام «رمسيس» معرضًا فوتوغرافيًا كل لوحاته عن جسد المرأة تنقل به بين أمريكا وإنجلترا وروسيا وفرنسا حيث لقى حفاوة كبيرة.
 
سُئل رائد التصوير السينمائى يومًا عن سر تفوقه، فقال إنه يقرأ العمل الدرامى الذى سيصوره عدة مرات لكى يحدد الشكل العام للإضاءة السينمائية للفيلم وتفاصيل الشكل العام المكوّنة له والمؤثرة فيه، وتوازن الإضاءة مع الشخصية الدرامية. وهكذا باح المصور الفنان بسر عبقريته، إنه يكمن فى احترامه إبداعات شركائه فى العمل السينمائى واهتمامه بأن تكون الصورة السينمائية درامية فى المرتبة الأولى.
 
وبعد كل ما أحرزه الدكتور رمسيس مرزوق من نجاح استمر القلق رفيقه. تساءل ذات يوم: كيف لا توجد لدينا مجلات للصورة الفوتوغرافية كفن وتكنيك رغم انتشار كاميرات المحمول والديجيتال وافتتان الجميع بالتصوير الفوتوغرافى؟!. رأى مصورنا الراحل رمسيس مرزوق أن توفر هذه المجلات سوف يرتقى بالذوق العام ويعلم الشباب تقنية وفن التصوير والإبداع فيه. وكما يحدث عادة، واجه الفنان الكبير معوقات لا حصر لها، لكنه فى النهاية حقق حلمه، وأصدر «كاميرا»، أول مجلة فى العالم العربى عن الصورة الفوتوغرافية والسينمائية، بدعم من «أكاديمية طيبة» ونقابة السينمائيين وأكاديمية الفنون ووزارة الثقافة المصرية.
 
بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، كان استيلاء جماعة «الإخوان المسلمين» على حكم مصر زلزالًا هدد كل ما بمصر من ثروة تراثية وفنية وإبداعية، وكان أمام الفنان الكبير رمسيس مرزوق خياران لا ثالث لهما، إما أن يصمت وينتكس ويفكر فى الهجرة أو يقاوم، فاختار المقاومة. ولأن الكاميرا معشوقته هى السلاح الوحيد الذى يجيد الحوار به، قام الفنان بتصوير وإخراج فيلم وثائقى عن الإخوان بعنوان «المصريون ينقذون العالم من الإرهاب»، طاف به عدة بلدان ليشرح لهم حقيقة تلك الجماعة، التى تتخفى وراء شعارات مزيفة للدين. وعندما عُرض الفيلم فى باريس، أثار غضب «الإخوان» المقيمين بفرنسا، وهاجموه بشدة، وهددوا باغتياله بسبب ذلك الفيلم، الذى فضح جرائمهم بالصوت والصورة، وشبّه الرئيس الأسبق محمد مرسى بـ«هتلر». ويقول الفنان: لقد ذكرت لمشاهدى الفيلم أن هتلر جاء بالانتخاب وكذلك مرسى، وأن هتلر وعد الشعب الألمانى بالرخاء والنتيجة أنه جلب إليهم الخراب والدمار. وكذلك مرسى وعد الشعب المصرى بالرخاء، لكننا كشعب متحضر لم ننتظر إلى أن يدمرنا فأسقطنا حكمه. وقد ألقت الشرطة الفرنسية القبض على 14 فردًا من الإخوان.
 
أتمنى أن تُتاح لى الفرصة لكتابة قصة حياة صديقى العزيز الفنان رمسيس مرزوق. مراحل حياته دراما تستحق أن تُقدم للأجيال الشابة فى فيلم تسجيلى أو سينمائى على أعلى مستوى، منذ ميلاده فى بنى سويف، ثم تفوقه فى كلية الفنون التطبيقية، ثم زواجه من الناقدة السينمائية عواطف صادق وصعوده السريع المبهر فى سلم النجاح، ثم إنجابهما ابنتهما الوحيدة، ثم مأساة فقده تلك الابنة وهى فى ريعان شبابها وقمة عطائها الصحفى، وأخيرًا فقده زوجته ورفيقة حياته وملهمته الكاتبة الراحلة عواطف صادق.
 
وداعًا صديقى الفنان الكبير، الذى أرجو أن يلتقى بزوجته وابنته الراحلتين فى جنة الخلد إن شاء الله.
نقلا عن المصرى اليوم