ما من طائر حفِلت سيرته بالتناقضات مثل البومة. فقد خضعت هذه المخلوقات منذ زمن بعيد لتأويلات متباينة شتّى لدى مختلف الثقافات؛ إذ عدَّها الإغريق رمزاً للحكمة، وعُدَّت لدى الفراعنة رمزاً مقدساً للموت المفضي إلى حياة ثانية، فيما ارتبط اسمها بنُذُر الفناء...

ما من طائر حفِلت سيرته بالتناقضات مثل البومة. فقد خضعت هذه المخلوقات منذ زمن بعيد لتأويلات متباينة شتّى لدى مختلف الثقافات؛ إذ عدَّها الإغريق رمزاً للحكمة، وعُدَّت لدى الفراعنة رمزاً مقدساً للموت المفضي إلى حياة ثانية، فيما ارتبط اسمها بنُذُر الفناء والضياع في عصور أوروبا الوسطى.

حتى قصص الحيوان لم تخل من كثير تجنٍ على البومة، إذ تبنى معشر الطير مذهب بعض البشر في التطّير منها إذ وصفتْ في كتاب "كليلة ودمنة" على لسان الغراب، بأنها "أقبح الطير منظراً، وأسوؤها خلقاً، وأقلها عقلاً، وأشدها غضباً وأبعدها من كل رحمة"؛ أما نحن العرب فأوغلنا في "شيطنة" البومة، فعرّفناها في "المعجم الوسيط" بالطائر الذي "يكثر ظهوره باللّيل، ويسكن الخراب، ويُضرب به المثل في الشؤم وقبح الصورة والصوت".

لكن هذه النظرة السلبية السوداوية تجاه هذا الطائر "المظلوم" تاريخياً وثقافياً بدأت تتخذ منحى مغايراً في عالم اليوم، مع توالي ظهور الدراسات العلمية حول الفوائد السلوكية البيئية لهذا الطائر .. حتى لدى الشعوب الأكثر "عداء" للبومة: العرب.

وأول غيث البوم في عالمنا العربي، هطل في الكويت؛ فقد حطّمت مجموعة تُطلق على نفسها "الفريق الكويتي لتربية طائر البوم" حاجز الخوف النفسي من البومة، وأطلقت هواية تربيتها في المنازل مثلها كمثل أي حيوان أليف آخر. وفي هذا الصدد يقول أسامة عبد الله العنزي -رئيس الفريق الكويتي الذي تأسس في عام -2016 إن البومة "مخلوق لا حول له ولا قوة. إذ يعتقد جلُّ الناس خطأ بأنه جالب للحظ السيء؛ أما السبب وراء ذلك الاعتقاد فينبع من كونه طائراً انعزالياً يفضل العيش في الأماكن المهجورة، ولا يظهر إلا ليلًا ليصطاد مُصدِراً نعيقه الذي يخيف بعض الناس".

سألت العنزي -الذي يضم فريقه اليوم 20 عضواً ويعد الأكبر بالعالم من حيث عدد البوم وتنوعه- عن سبب اهتمامه بالبومة، فقال: "رغم أنها مخلوق مهم جداً لبيئتنا إلا أنها باتت اليوم مهددة بالانقراض من براري شبه الجزيرة العربية جرّاء المعتقدات الخاطئة والصيد الجائر. لذلك ارتأينا القيام بحملات توعية في المدارس والمراكز التجارية لتصحيح مفهومها لدى عامة الناس". ويوضح رئيس الفريق الكويتي أنه يُمكن تربية البومة بجميع أنواعها في المنزل شريطة أن تكون من إنتاج المزارع المتخصصة، ذلك أن حياة الأسر لا تلائم البوم البري الموجود في الطبيعة.

يتراوح سعر فرخ بومة المزارع بين 1000 و 3000 آلاف دولار، فيما تبلغ تكاليف العناية الشهرية زهاء 50 دولاراً. وفيما يتعلق بمخاوف تربية طير جارح داخل المنزل، يرد العنزي قائلاً: "بومة المزارع تألف البشر بسبب اعتمادها عليهم كلياً في إطعامها، وبالتالي تكون مسالمة مع الكبار والصغار وحتى حيوانات المنزل الأليفة، شأنها شأن الصقر".