عقب توالي استقبال دول أوروبية لأطفال عناصر تنظيم "داعش" من حملة جنسياتها في الشهور الأخيرة، تحت وطأة ضغوط حقوقية وأممية، تبرز تساؤلات حول مصير هؤلاء الصغار العائدين، خاصة مع المخاوف الأمنية المتزايدة في القارة من خطر الإرهاب.

 
وهذا الأسبوع، أعادت بلجيكا 10 أطفال و6 من زوجات مقاتلي "داعش" من مخيم "روج" شمال شرقي سوريا، في عملية هي الأكبر لاستعادة عائلات التنظيم بعد سقوطه في سوريا.
 
وأتت هذه العملية بعد وعد رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، بإعادة الأطفال تحت الـ12 عاما عقب موافقة أجهزة مكافحة الإرهاب.
 
وسبق ذلك، استعادت ألمانيا وفرنسا عددا من أطفال "داعش" الحاملين لجنسيتيهما خلال عامي 2019 و2020.
 
ويمكث الآلاف من أطفال أعضاء التنظيم الإرهابي بين جدران المخيمات، محتجزين مع ذويهم بعد سقوط "داعش" في العراق نهاية عام 2017، وإعلان هزيمته في 2019 في سوريا، ويواجهون مستقبلا غامضا.
 
ويضم مخيما "الهول" و"روج" شمالي سوريا العدد الكبير من هؤلاء، حيث يشكلون أكثر من 80 بالمئة من المحتجزين من الأطفال وأمهاتهم، يتبعون في الجنسيات 57 دولة بحسب بعض التقديرات.
 
ويقول فلاديمير فورونكوف، المدير التنفيذي لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، خلال أحد الاجتماعات الافتراضية لمجلس الأمن الدولي، إنهم ينتمون لـ60 دولة.
 
ما مصير العائدين؟
قال مكتب رئيس وزراء بلجيكا في بيان عن مصير القادمين من نساء وأطفال: "نقلت النساء الست إلى السجن، وأودع الأطفال النيابة المكلفة شؤون الشباب التي اتخذت التدابير اللازمة بموجب قانون حماية القاصرين".
 
ومرحلة دمج الأطفال في مجتمعات جديدة بدلا من المعسكرات والمخيمات بالغة الصعوبة، لذا يضع القانون الأوروبي قوانين شديدة الصرامة للتعامل مع العائدين الصغار.
 
ويقول حسين خضر نائب رئيس المجلس الاتحادي للهجرة بالحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه يتم وضع برامج تأهيل نفسية للأطفال بعد عودتهم وفحصهم من قبل هيئة حماية الطفل، مع مراعاة محاكمة أمهاتهم في حال ثبوت ارتكابهن لجرائم وتأهيلهن نفسيا أيضا قبل عملية الدمج والتعامل مع الأطفال.
 
 
خيارات مستقبل الأطفال
ومن جهة أخرى، يعتبر الخبير الاستراتيجي العميد سمير راغب، في حديثه  لموقع"سكاي نيوز عربية"، أن أطفال داعش أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول العودة إلى أوطانهم الأوروبية مع إعادة دمجهم في المجتمع، فـ"الطفل في كافة الأعراف والقوانين الدولية لا يحاسب على جرم حتى لو ارتكبه، ومن الطبيعي أن يفصل عن أمه خوفا عليه من أفكارها المتطرفة، ومنحه فرصة العيش مع أحد أفراد أسرته المتواجدين في أوروبا مع تأهيل نفسي ومجتمعي".
 
أما الخيار الثاني، الذي يعتبره راغب وارد الحدوث، فيتعلق ببقاء الأطفال في أماكنهم الحالية، مما يشكل خطورة عليهم وعلى العالم بتكوين أجيال جديدة متطرفة.
 
ضحايا الخلاف
ويفسر راغب التباطؤ في استعادة أطفال "داعش" بأن "القوانين الأوروبية لا تتضمن مواد تحكم عملية الإعادة، خاصة أن ما شهدته أوروبا من ظاهرة انضمام مواطنيها إلى تنظيم إرهابي للقتال ضد دولة أخرى وقوات التحالف الدولي أمر غير مسبوق، لذا على البرلمانات الأوروبية تشريع لوائح تتناسب مع هذا الوضع الاستثنائي".
 
وبحسب خضر، فإن أوروبا تعيش وقتا عصيبا تحت ضغط المنظمات غير الحكومية لإعادة كافة عائلات "داعش" من الأطفال وأمهاتهم من معسكرات سوريا والعراق، معتبرا أن أطفال "داعش" هم الضحية الأكبر في هذه المعادلة لإجبارهم للعيش في مجتمع متطرف دون أدنى ذنب.
 
ويلفت نائب رئيس المجلس الاتحادي للهجرة بالحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا، إلى أنه "ضمن الصعوبات التي تواجه أوروبا في إعادة الأطفال ما يتعلق بالإجراءات، فمثلا الحكومة الألمانية لا تمتلك قنصلية في سوريا، مما يعطل إجراءات الاستئناف ضد أحكام إعادة الأطفال وأمهاتهم التي أمرت بها المحكمة حتى الآن".
 
ويضيف: "تظهر تعقيدات لوجستية ودبلوماسية أخرى حول عودة الأطفال مع أمهاتهم، فأوروبا تصر على فصل الطفل عن والدته، خاصة مع إصدار مذكرات توقيف بحق 8 سيدات قادمات من سوريا والعراق، بينما يتمسك الأكراد الذين يديرون المخيمات بعودة الطفل مع ذويه، لذا عادت أعداد قليلة من الأطفال والنساء في العاميين الماضيين".
 
كما تصبح ضمانة إثبات نسب الأطفال لأمهاتهم مشكلة جديدة، نظرا لأن إجراءات مقارنات الحمض النووي للطفل وذويه في مناطق احتجازه أمر معقد، بحسب خضر.
 
أطفال داعش في أرقام
في نهاية العام الماضي، عاد 5 أطفال وأمهاتهم و7 أطفال آخرين أيتام إلى ألمانيا، بينما غادر 6 أطفال وسيدتان من مخيمات شمال شرقي سوريا إلى فنلندا، وأتت عمليات الإعادة بالتنسيق بين البلدين بعد تصنيف العائدين كـ"حالات إنسانية معرضة للخطر".
 
واستعادت فرنسا 35 طفلا فقط من بين 250 طفل فرنسي في مخيمات سورية منذ 2019، بحسب تقديرات اللجنة الوطنية الفرنسية الاستشارية لحقوق الإنسان.
 
ويشير خضر، إلى أن الأعداد التي عادت إلى ألمانيا في الفترة من أغسطس 2019 وحتى ديسمبر 2020 لا تتجاوز 19 طفلا و4 سيدات على مدار 3 حملات إعادة، ما يؤكد على بطء الإجراءات والاستجابة في استعادة كافة أقارب المقاتلين الأجانب، ويتبقى نحو 50 سيدة و150 طفلا ما بين معسكرات وسجون.
 
وبخلاف أطفال "داعش" من حملة الجنسيات الأوروبية، يوجد كذلك أطفال لآباء من تركيا ودول آسيا الوسطى مثل طاجكيستان، وكذلك وروسيا وكوسوفو وإندونيسيا وغيرها، فيما تحاول هذه الدول استعادة أبنائها على دفعات.