مؤمن سلام
في عام 1956 حصلت المرأة المصرية على حقها في التصويت والترشح للإنتخابات، وأصبحت راوية عطية (1926 – 1997)  عن القاهرة وأمينة شكري (1912 – 1964) عن الإسكندرية، أول سيدتين مصريتين تدخلان البرلمان المصري وذلك من 16 سيدة ترشحن للإنتخابات، علم 1957. وفي عام 1962 أصبحت حكمت أبو زيد (1922 – 2011) أول وزيرة مصرية حيث تولت وزارة الشئون الإجتماعية.

يرى البعض في هذه الإجراءات دليل على أن الرئيس عبد الناصر كان نصيراً للمرأة بل "وسعي إلى تحرير المرأة ليمنحها حقوقها والتي بدونها ما وصلت المرأة إلى ما وصلت إليه في هذه الفترة"، وهو من منحها حقوقها السياسية.
وهنا لابد أن ندرس صحة هذه المزاعم.

من الناحية السياسية وبمعزل عن الظروف التاريخية لنضال المرأة المصرية منذ عام 1919 وما قبلها، قد يبدو الأمر صحيحاً، نعم فقد ناضلت المرأة من أجل حقوقها منذ عام 1919 ولكن من اتخذ القرار في النهاية هو عبد الناصر.

إلا أن من الناحية الموضوعية هل تمتع المصريين رجال ونساء بحقوقهم السياسية في عهد عبد الناصر؟

الإجابة بالقطع لا، لقد سحق عبد الناصر الحياة السياسية المصرية وأممها كما أمم الإقتصاد، فلم يعد هناك حقوق سياسية لا للرجال ولا للنساء، مجرد عرائس ذكور وإناث يحركها النظام اليوليوي كما يشاء، فلم يكن هناك أحزاب ولا جمعيات يمكن أن تعمل باستقلال عن الدولة، حتى الإتحاد النسائي المصري الذي تأسس عام 1923 على يد الرائدات هدي شعراوي، ماري كحيل، سيزا نبراوي، إحسان القوسي، جميلة عطية، شريفة رياض، فقد تم حله عام 1956 بالقرار الجمهوري رقم 384 الذي نص على إلغاء المواد من ‏54‏ إلى 80 التي تضمنها القانون المدني فيما يخص الجمعيات الأهلية‏، إذ  فرض القرار الجمهوري حل هذه التنظيمات جميعًا.

كانت أهداف الاتحاد محددة منذ البداية فطالب برفع مستوى المرأة لتحقيق المساواة بينها وبين الرجل في جميع المجالات السياسية والاجتماعية. كما طالب الاتحاد النسوى بحق المرأة في الالتحاق بالتعليم العالى، وسن قوانين تحظر زواج الفتيات اللاتي لم تبلغن 16 عامًا، وإصلاح القوانين بهدف حماية المرأة من الظلم الذي كانت تعانيه بسبب تعدد الزيجات ومشكلات الطلاق وبيت الطاعة، وبمنح المرأة حق التصويت في الانتخابات. ولأن القضية الوطنية كانت تفرض أجندتها على كل الأنشطة السياسية والاجتماعية والإقتصادية ومنها النسائية كان طبيعي أن تطالب العضوات باستقلال مصر الكامل عن انجلترا، غير أنهن كن يطالبن في نفس الوقت بإعلاء القيم الاجتماعية الأوروبية، مثل أعضاء حزب الوفد، نظرًا للاتجاه العلماني السائد في ذلك الوقت. وكان الهدف الرئيس لمؤسسات ذلك الاتحاد هو حصول المرأة على حريتها، فقد قامت اثنتين من مؤسسات هذا الاتحاد بخلع الحجاب عند نزولهم من القطار في محطة القطارات الرئيسية في القاهرة عام 1923. وقوبلت مطالبات الاتحاد بإصلاح التعليم بالترحيب في عام 1925 عندما قامت الحكومة المصرية بسن قانون يلزم الفتيات كما الفتيان بالذهاب إلى المدارس الابتدائية، ولاحقًا بحق الفتيات في دخول الجامعة. وعلى النقيض من ذلك، قوبل اقتراح الاتحاد بإصلاح قانون الأسرة بالرفض.

فعبد الناصر لم يكن ليقبل بأى نشاط حتى لو نسوي مستقل عنه، فلابد أن تمر كل الأنشطه عبره وعبر رجاله المسيطرين على مفاصل الدولة. ولذلك بعد 10 سنوات من حل الإتحاد النسائي أنشأ في عام 1966 جمعية هدى شعراوي كبديل للإتحاد ولكن تعمل تحت مظلة الدولة ووفقاً لأجندتها وسياستها، وليس وفقاً للأجندة النسوية وحقوق المرأة المصرية، ولعل هذا يفسر لنا لماذا لم تحصل المرأة المصرية على حقوقها الإجتماعية فيما يتعلق بموقعها في الأسرة والمجتمع.

فعلى المستوى التشريعي، لن تجد أى تغيرات تتعلق بالأوضاع الإجتماعية للمرأة. فلم يصدر خلال الحقبة الناصرية أى تعديلات على قوانين الأحوال الشخصية التي صدرت أعوام 1920، 1929، 1931.

فلم يتم تحديد سن الزواج للمرأة إلا عام 2008، بالقانون رقم 126 بتعديل القانون رقم 143 لسنة 1994 فى شأن الأحوال المدنية مادة جديدة برقم 31 مكررا نصها الآتى :

"لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة".

ولم يتم إلزام الزوج بتوثيق الطلاق وإخطار الزوجة بالطلاق، وإخطارها بالزواج الثاني، وإلزام الأب بالنفقة على الأولاد، حتى زواج البنت أو تكسب ما يكفي نفقتها، منح حق الحضانة للأم حتى 10 سنوات للولد و12 سنة للبنت، حق الإستقلال بالسكن مع الأطفال (الشقة من حق الزوجة)، إلا عام 1979.

كما لم يلغي عبد الناصر بيت الطاعة ولا اشتراط اذن الزوج لزوجته للسفر، ولم يتحرك ضد العنف المنزلي، ولم يُجرم الختان، ولم يناقش حتى موضوع الخلع، او تعدد الزوجات. كما لم تعرف مصر القاضيات إلا عام 2007.

ببساطة لم يمنح عبد الناصر المرأة المصرية إلا الشعارات والحنجوريات، كعادته في كل القضايا.