سحر الجعارة

(هناك من يسعى إلى تفجير الدولة من الداخل.. المرافق العمومية لم تعد تعمل، استشرى الفساد، صارت اللقاءات تتم مع من هم مطلوبون للعدالة ومع من سرقوا ثروات الشعب التونسى).. هذه الجملة المكثفة قالها الرئيس التونسى «قيس سعيد»، مساء الاثنين، بعد أن ثار الشعب التونسى على حركة «النهضة الإخوانية».

 
وكان «قيس سعيد» قد قرر تجميد أعمال واختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن كل أعضائه، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشى، وتولى السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العمومية.. استناداً إلى الدستور والمادة 80 منه، أنه (فى حالة وجود خطر داهم، فإن على الرئيس اتخاذ ما يلزم من تدابير استثنائية).
 
لكن السيناريو الذى حدث فى مصر يتكرر بنفس الآليات تقريباً، حركة «النهضة» التى تصدت للمتظاهرين بإلقاء بعض أفراد الشعب من الشرفات وممارسة أقسى درجات العنف معهم قبل قرارات «سعيد»، وأغرقت مؤيدى القرارات أمام مبنى البرلمان بوابل من الحجارة، خرج زعيمها «راشد الغنوشى» ليصف قرارات الرئيس التونسى بأنها: «انقلاب على الشرعية والثورة والدستور»، ثم اعتصم أمام البرلمان وفض اعتصامه سريعاً ليظهر على نفس قناة الجزيرة!.
 
نحن أمام رئيس انحاز لشعبه الذى عانى طويلاً خلال فترة حكم الإخوان، وبعد أن انهارت المنظومة الصحية فى تونس وفشلت فى مواجهة جائحة كورونا خرج الشعب لينتزع حياته من بين أنياب الإخوان.
 
لقد بدأ الشعب تصحيح مسار ثورته بهتافات للآلاف أمام مقر البرلمان، «تونس حرة حرة والخوانجية بره».. بينما كانت «عبير موسى» رئيسة الحزب الدستورى الحر، تواجه أخطبوط الإخوان بسحب الثقة من «الغنوشى» وهى آلية ديمقراطية لمن يتباكون على الديمقراطية فى تونس.
 
لم تتراجع «موسى» أمام عنف الإخوان المتكرر، بل واجهت شراسة الإخوان بكل شجاعة ونجحت فى كشفهم، وتعرضت للإيذاء اللفظى والبدنى، ففى الشهر الماضى تعرضت لاعتداء شنيع باللكمات من النائب الصحبى صمارة، بعد أن اعتصمت فى البرلمان لمنع تمرير اتفاقية مع «صندوق قطر للتنمية»، ووصفتها بأنها «جريمة بيع تونس».. حدث هذا داخل البرلمان الذى يتأسى «الغنوشى» على شرعيته!.
 
«عبير موسى» زلزلت الأرض تحت أقدام حركة النهضة الإخوانية، فهل يكون هذا هو «السقوط الأخير» لجماعة الإخوان والفاشية الدينية التى تحكم باسم الإسلام وتنصب قادتها أنصاف آلهة.. والتى حسبت أن لحظة «التمكين فى الأرض» قد حانت فأقصت كل الفصائل السياسية لتحكم بعقيدة «المغالبة لا المشاركة»؟
 
هذا هو السؤال الصعب، فتمويل الإخوان مرتبط بدول تسعى لتركيع شعوبنا وتبديد ثرواتنا والسطو على أوطاننا باسم «الدين المحصن بشعارات ديمقراطية».. صحيح أن التنظيم يمر بمرحلة من الهشاشة، لكن قياداته يستميتون للحفاظ على ما تبقى من هيكله، ورغم أن التنظيم الدولى تلقى ضربات قاتلة بعد الإجراءات الأوروبية الأخيرة ضده، وما ترتب عليها من فقد أهم ملاذات التنظيم التاريخية.. إلا أن حل التنظيم لنفسه هو شبه مستحيل.
 
المتوقع أن تشهد الأيام القادمة صدامات عنيفة بين «التنظيم المسلح» والشعب التونسى، نأمل أن يتمكن «قيس سعيد» من احتوائها، وأن يتحلى الشعب التونسى بالوعى الذى يمكنه من اجتياز مفترق الطرق.. حتى نتمكن من الحديث عن تجفيف منابع أفكار الإخوان.
 
سوف يظل تيار الإسلام السياسى يعمل تحت الأرض ويعقد صفقات علنية مع بعض الأنظمة، ولكن يظل الرهان معقوداً على وعى الشعوب التى تعرف أن الديمقراطية لا تنبت فى أحضان الفساد وأن الدين ليس جسراً للحكم.
نقلا عن الوطن