مدحت بشاي
أرى أن قياس درجة وشأن التقدم لدولة ما أو شعب من الشعوب لا ينبغى الاكتفاء فيه عند حال الثراء والتقدم المادى والتقنى العلمى والمعرفى، فقد تكون أقل الشعوب فى إمكانياتها المادية أكثر تحضرًا ورُقيًا فى أخلاقها وعقائدها الدينية وفى حياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

وعليه أرى أن بإمكان الدول أن تنتقل بشعوبها من حال شيوع ثقافة التخلف إلى ثقافة التقدم والتنمية المستقلة عبر إعمال مفاهيم تقدمية تجسدها خطط عملية وطنية صادقة، ووفق برامج زمنية لدعم نظم تعليمية وثقافية وإعلامية حرة بأشكال ومضامين إبداعية تمزج بين قيم الأصالة وآليات المعاصرة.

لابد أن تتوقف الشعوب والدول التى تحلم بالتقدم فى منطقتنا العربية للعمل بدأب على كشف أسباب التخلف وعوائق التقدم التى قد يكون من بينها غياب إرادة التقدم، وحالة التخلف الاجتماعى، وغياب نظم العدالة الفاعلة والناجزة المستقلة، وانهيار سلم القيم الإنسانية الإيجابية، وغلبة الشعارات الاستهلاكية على الأفعال والإنجازات على أرض الواقع، وإهدار طاقات الشباب بدلًا من تمكينهم بقيم وأدوات التقدم، وعرقلة حركة الأجيال دون وعى بمسؤولية تمهيد الأرض وحرثها من قبل كل جيل لما يليه، وعدم الإحساس بشيوع كارثة إهدار الوقت وعدم الإحساس بقيمة الزمن، وتراجع مكانة المفكرين والعلماء.

وهنا لابد أن نخلص إلى اعتماد مشروع متكامل للتقدم، تعتمد مرتكزات تحقيقه على النهوض بالبحث العلمى (ولعل معايشتنا لأيام وشهور جائحة «كورونا» قد كشفت بما لا يدع مجالًا للشك أزمات أحوال الدول المتراجعة فى أنظمة البحث العلمى)، ثم أهمية بناء نظام تربوى وتعليمى قادر على تقديم أجيال مبدعة متجاوزة أحوال شباب اجترار المعلومات والمعارف على طريقة (حافظ وغير مستوعب)، مشروع يعتمد آليات حقيقية لدعم التحول إلى عصر مجتمع واقتصاد المعرفة، مشروع يضع أسسًا علمية لإصلاح وتحديث الخطاب الدينى.. مشروع نهضوى لتطوير الخطاب السياسى.

وعلى حد تعبير الكاتب الفيلسوف د. زكى نجيب محمود، لابد من التحول من حضارة اللفظ إلى حضارة الأداء، تلك التى تجعلنا نخرج من دنيا إبداعات اللغة بتنوعاتها الشكلية والبلاغية إلى دنيا الموجودات على الأرض، إذ من المعروف أننا كشعوب عربية لنا تاريخ، ظللنا نمارس فيه عشق العيش بين بلاغة الكلمات الأفخم والأكثر تأثيرًا حيث طلاوة اللفظ وعمق المعنى، هى فى النهاية منسمات موروثاتنا العربية القديمة، لكن الواقع بإشكالياته بات يفرض علينا عدم التوارى بصياغة اللفظ وسبك المعانى السائلة إلى دنيا الأشياء الواقعية الحاضرة.. إننا ينبغى فى ظل حضارة «الأداء» العصرية ألا نركن إلى العيش بين شعارات لغوية لا تشير إلى وقائع نراها متجسدة فى حياتنا العملية وفى أبحاثنا العلمية، نسخرها لتطوير حياتنا وصنع التقدم على أرض الواقع وليس فى دنيا الأوهام وأحلام اليقظة!!.

وأحمد الله أننى كمواطن مصرى أرى الكثير من تلك القناعات والمفاهيم الإصلاحية السابق الإشارة إليها لتحقيق أحلام التقدم، التى بتنا نمارسها بالفعل على أرض الواقع منذ انطلاق الشرارات الأولى لثورة 30 يونيو، فالإرادة السياسية موجودة، وتجاوزنا زمن إطلاق الشعارات المخدرة مع الرئيس السيسى الذى فوضناه لإدارة الحرب ضد الإرهاب والتخلف والرجعية.

وعن آليات العلم والإنجاز، يكفى الإشارة لرقم واحد فقط (مصر قفزت من التسلسل 118 عالميا إلى 28 عالميا بالطرق خلال 7 سنوات.. والآن، تنفذ مشروعا عملاقا «مونوريل» خط للقطار المكهرب).

أما وقد أدركنا الطريق وسبل السير فيه.. فيارب بلغنا النجاح أن نكمل المشوار.
نقلا عن المصرى اليوم