إعداد /  نجيب محفوظ نجيب.
أن تُحِب سماع أو عزف الموسيقى فهذا يعنى أنك تملك حسًا راقيًا و ذوقًا رفيعًا. أما أن تسعى إلى نقل ما تُحِب إلى الناس فهذا عشق. عشق للكلمة و اللحن, المعنى و النغم, الروح و الوتر . إن هذا ما تشعر به وتسعى ان تحققه العاشقة صاحبة مشروع المزيكاتية، مارى رزق. 
 
ولدت في الإسكندرية، ومنذ طفولتها المبكرة كان من الواضحً حبها للتمثيل و الموسيقى و حكي القصص الذي أجادته وتفوقت فيه. فهي قد نشأت منذ صغرها  وقد نما  في أعماقها حب المسرح والموسيقى.  
"من الهوايات أيضًا، إنني كنت أحب جدًا الأشغال اليدوية، وكتير ما كنت أعمل ديكور وأكسسوار بنفسي..
بالإضافة إلى أني كنت أحب جدًا زيارة  الأماكن الأثرية والمتاحف.. كل ما هو قديم.. وكل ما هو طبيعي.. " تتذكر ماري تلك البدايات الأولى التي تركت أثرًا عميقًا و قويًا في شخصيتها.
 
 
التحقت بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بعد أن أشار عليها أحد أقاربها بالدراسة بها بدلًا من كلية الألسُن التي كانت تريد أن تدرس بها. و بالفعل سافرت إلى القاهرة و بدأت مرحلة الدراسة الجامعية. 
 
" فترة الدراسة في الجامعة كانت تجربة مهمة جدًا في حياتي، وكان لها أثر كبير جدًا في شخصيتي، وبشكر ربنا عليها لحد دلوقتي..
شكل الحياة كان مختلف تمامًا.. اتعلمت إني أتشارك تفاصيل الحياة مع ناس تانية، واتعلمت كمان إني أكون لوحدي تمامًا..
وعلى الرغم من إن الحياة في سكن مغتربات، والدراسة في جامعة القاهرة، حياة كلها تفاصيل.. إلا إن هذه التجربة جعلت إيقاع حياتي أكثر هدوءًا وعقلانيةً..
تفكيري أصبح مُنظّم أكتر وعملي، وتعلمت أن أقدّر قيمة أبسط الأمور.. واتأقلم بسهولة على أوضاع مختلفة.. وبهذا أصبح عندي خبرة كبيرة في السفر لوحدي..
 
أما بالنسبة للدراسة..فهي في الحقيقة كانت فترة ثرية جدًا..
الدراسة كان يوجد بها انفتاح للفكر واتساع للآفاق بشكل كبير جدًا.. بالإضافة للمحاضرات، كان يوجد  أنشطة وندوات وسيمنار علمي ومؤتمرات، وكنا نلتقي ببعض الشخصيات المؤثرة في المجتمع وأصحاب قرار.. 
والحقيقة إن الأساتذة، بشكل عام، كانوا على قدر عالي من الأخلاق والرُقي، و قد تعلمنا منهم أمورًا  كثيرة  جدًا، على المستوى الإنساني و على المستوى العلمي.." تحكي ماري عن أيام لم و لن تنساها. 
 
بعد تخرجها من الكلية عام 2015 و حصولها على درجة البكالوريوس بتقدير عام امتياز مع مرتبة الشرف، لم تكُن تُفكِّر في استكمال الدراسات العُليا لأنها كانت تشعر بداخلها أن هذا ليس هدفها. ولكن في نفس عام تخرجها كان قد تم افتتاح كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، ومع إلحاح البعض، وعدم إنشغالها بشيء آخر، قررت أن تتراجع و قبلت أن تخوض التجربة. 
 
"بالفعل بدأت حضور المحاضرات بشكل مبدأي، ولكن في كل مرة كنت اتأكد من قراري الأول، وهو إنني لا أريد أن أستكمل الدراسات العُليا.. لذا وقبل التسجيل، كنت قد سحبت الملف الخاص بي، وعدلت عن قراري وأنا بداخلي يقين بأني منذ البداية على صواب، وبأني أعرف ما لا يُناسبني منذ البداية، على الرغم من محاولة البعض التشكيك في ذلك.." تشرح لنا ماري إنه بالرغم من تفوقها الدراسي لكنها لم تكُن تُريد الاستمرار في الدراسات العُليا.
 
 
منذ ان تخرجت ، وإلى يومنا هذا، نجد أن كلية الإقتصاد و العلوم السياسية ترسل فرص عمل للخريجين عن طريق البريد الإلكتروني الخاص بالكلية، والذي يتم إنشاءه لكل طالب عند الالتحاق بالكلية..
ولكن لان معظم فرص العمل المناسبة كانت توجد في القاهرة، كما هو معتاد فى معظم مجالات العنل،لم تكن تريد أن تستقر في القاهرة، فقد اكتفت بفترة الدراسة فقط ..
 
استمرت بعض الوقت تبحث عن عمل فى بعض الشركات و البنوك ، و بترشيح من أحد الأقارب عملت في مركز للنمو الإنساني،  و بعد وقت قليل تركت العمل بالرغم من إعجابها  و انبهارها   بالعمل التنموى. فهى قد شعرت إنها لا تريد أن تعمل فى هذا المجال و انسحبت.
 
بعد بحوالي أسبوعين، وكعادة الكلية، أرسلت إليها إحدى فرص العمل في أحد البنوك الخاصة.. وبالفعل قامت بالتقديم، واستمرت عملية الاختبارات مدة شهرين، وبعدها كان الإنضمام للبنك.
 
" الحقيقة عندما بدأت العمل في البنك.. كنت لازلت أفكر بأسلوب الطالبة الجامعية، وخبرتي العملية كانت قليلة جدًا.. خصوصًا إن العمل الأول كانت مدته قصيرة والزملاء كانوا من وسط مُشابه نوعًا ما.. فلم يكن لدي خبرة الحياة العملية...
 
و عندما التحقت بالعمل في البنك، اصطدمت بيوم عمل طويل و وجدت ناسا البعض منهم طيب و البعض منهم مُتعِب، ومكان العمل كان بعيد جدًا، وكان يوجد بعض الأمور  الجديدة والمُتعِبة جعلتنى أفكر فى ترك العمل..
 
وقتها وجدت أحد الاشخاص يقول لي لا تقلقى ، هذا يحدث لأنك لازلت في البداية، سوف تعتادى الأمر ... وبالفعل، أعترف إن ظروف العمل و ان كانت صعبة في البداية، لكنها كانت السبب في تكوين خبرة كبيرة في التعامل مع الناس، استفاد منها إلى الآن .." توضح أنها وجدت صعوبة في بداية عملها في البنك و لكنها استطاعت أن تجتازها و تتغلب عليها و تستمر في العمل.
 
في عام 2016 وقبل أن يتم تعيينها في البنك، كانت تتحدث مع بعض الأشخاص المقربين اليها .. وسألتهم أثناء الحديث معهم : " بما إنكم في الثلاثينيات من عمركم، بماذا تنصحوني وأنا لازلت في العشرينيات "..
قالوا لها : " قومى بعمل شيئا يستمر و يبقى معكي على إمتداد الحياة " ..
ففكرت وقتها في الموسيقى التى كانت لها جذور قوية فى الطفولة .. فعندما ما كانت طفلة صغيرة كانت قد بدأت تتعلم العزف على ال keyboard لكنها لم تكمل.
 
بعد هذا النقاش، ظل موضوع الموسيقى يدور في عقلها، لكنها لم تخطو فيه خطوات عملية، بسبب الإنشغال نسبيًا في بداية العمل، هذه كانت الفترة اللي أختارت فيها الآلة التى سوف تتعلم العزف عليها.
 
" في البداية استبعدت آلات النفخ وآلات الإيقاع، وفضلت الوتريات.. ولإني اميل للشرقي، فكرت في القانون..
صوته غني جدًا، وكان الأكثر جاذبية وسط باقي الآلات، بالإضافة لإمكانياته الواسعة، وكنت احب فكرة إن قانون واحد يكفي على المسرح...
بالإضافة طبعًا لقانون العرض والطلب، وبما إن، حاليًا، عدد عازفي القانون يعتبر محدود.. فهذا معناه إن المجال مفتوح وفيه احتياج لإنضمام عازفين جُدد..
وبالفعل قررت أن أتعلم عزف آلة القانون.." تفسر لنا ماري لماذا أختارت آلة القانون لكى تتعلم العزف عليها.
 
بعد مرور عامين من بداية تعلمها للموسيقى بدأت تأسس لمشروع موسيقى خاص بها و هو
" المزيكاتية ".
 
فعن كيف ولدت لديها فكرة المشروع ؟ و ما الهدف منه ؟ تحدثنا ماري بالتفصيل قائلة :
 
" الحقيقة إنه عندما بدأت أتعلم العزف على آلة القانون، أقتربت  أكتر من عالم الموسيقى والموسيقيين، وأصبحت أتعلم أمورا جديدة وأعرف فنانين وموسيقيين لم أكن أعرفهم من قبل .. وكنت دائما اقول كيف مر كل هذا الوقت بدون أن أعرف هؤلاء الناس، و هذه المعلومات ..
فلما جاءت فكرة المزيكاتية وجدت إنها فرصة، فرصة أتعلم وأعرف أكتر عن الموسيقى.. وفرصة أشارك الناس ما قد عرفته...
والحقيقة إنه يوجد موسيقيين وفنانين لهم أثر كبير في عالم الموسيقى، لكن نسبة قليلة من الناس اللتي تعرفهم.. وايضا يوجد أشياء  كثيرة لم تأخذ فرصة حقيقية في أن تصل الى الناس، وكان مهم بالنسبة لي إني أقدم للناس الموسيقى بشكل مختلف ومتنوّع، لكى يكون فيه اختيارات كثيرة  مُتاحة للجمهور، وهكذا يستطيع المُستمِع أن يختار ما يسمعه من ساحة فنية شاملة ومتنوعة، و لا  يسمع سوى شكل أو اتنين لمُجرد إنه لا يعرف باقي الأشكال..
المشروع هدفه تقديم الموسيقى بشكل بسيط لكل الناس؛ والجميل في المشروع إن محتواه واسع النطاق، يعني نستطيع أن نتكلم فيه عن أنواع الموسيقى؛ مثل الموسيقى الشرقية والغربية بأشكالهم المختلفة، الموسيقيين بشكل عام؛ سواء مُلحنين، موزعين، عازفين، مُطربين ومُنشدين...، الآلات الموسيقية حول العالم، القوالب الموسيقية، السلالم الموسيقية والمقامات المختلفة... وغيرها من الموضوعات المختلفة في عالم الموسيقى. و هكذا يستطيع المشروع أن يصل لمُختلف الفئات والأذواق، فيضمن إن المشاهد سوف يجد وسط كل هذا شغفه في الموسيقى و ما يحب أن  يسمعه."
 
الحقيقة أن مشروع المزيكاتية أستطاع أن يحقق أشياءا كثيرة فى هذه الفترة القليلة، فهو  قد بدأ يتطور بشكل سريع أكتر مما كنت تتصور هى نفسها ، و بالفعل وضعت ما يزيد عن 30 فكرة، بتصورات مختلفة لحلقات قادمة..
بالإضافة إلى التفاعُل الإيجابي من المشاهدين والأصدقاء، و يوجد فنانين وأصدقاء قد أبدوا استعدادهم للمشاركة في تقديم بعض الحلقات، إيمانًا منهم بأهمية الفكرة..
 
و عن أحلامها لمستقبل مشروع  " المزيكاتية "، فهى تطمح أن يصل المشروع إلى الناس، ويقدم لهم معلومات وأفكار جديدة و ان يستفيدوا منه استفادة حقيقية، وإن يكون في يوم من الأيام مَرجِع للمُهتمين بالموسيقى و الذين يريدوا أن  يعرفوا عنها الكثير.
 
تحدثت عنها و عن تأسيسها "للمزيكاتية صفحة "سيدات من مصر"  
Page Facebook " Women of Egypt ".
و هذا كان له أثر كبير على تقدم و تطور المشروع  وتعرف عدد كبير من الناس عليه.
 
"" منذ أسابيع قليلة ، شاركت فكرتي، مشروع "المزيكاتية"، مع القائمين على المبادرة، وبالفعل تم نشر القصة على صفحة المبادرة
ومن هنا، بدأ يحدث تطور كبير جدًا في وقت قصير..
ناس كتير تواصلت معى من إعلاميين وفنانين وشخصيات مهتمة بالفكرة..
بالفعل أجريت ثلاث لقاءات تليفزيونية، وتواصلت معايا إحدى الصُحف الإخبارية لتحرير الخبر..
أنشأت صفحة خاصة بالمشروع على Facebook وقناة على YouTube
فيه فنانين بدأوا يتواصلوا معايا، إيمانًا منهم بالفكرة، وفيه أصدقاء تحمسوا للفكرة وطلبوا أن  يشتركوا معى في تقديم بعض الحلقات..
تواصل معى أحد الكُتـَّاب، وهو مؤسس المجلة الإلكترونية
 AlcaMag
وبالفعل بدأت نشر سلسلة من المقالات تحت عنوان "المزيكاتية"بالمجلة  
  
ومازال التطور مستمر، ومازلت اتطلع للمزيد
حقيقي، مبادرة سيدات مصر، قادرة على تحقيق الهدف منها، وهو تمكين المرأة المصرية " 
 
تؤكد ماري على أهمية الدور الذى تقوم به وسائل التواصل الإجتماعي، فهي تستطيع  أن تساعد فى وصول فكرة المشروع و الهدف منه للناس بشكل إيجابى و سريع فى نفس الوقت
 
هذه هى ماري رزق التى أحبت الموسيقى إلى درجة العشق.  
 
فهى لا تزال ترى أنها فى بداية الطريق و أمامها الكثير و الكثير لكى تعرف و تتعلم لكى تستطيع أن تشارك الناس ما قد عرفته و تعلمته و تقدمه لهم فى شكل بسيط يساعدهم على تذوق الجمال ليس فى الموسيقى فقط و لكن فى الحياة بشكل عام أيضا
 
وكما يقول الفيلسوف اليونانى أفلاطون : " أن الموسيقى تعطى أروح للقلوب و أجنحة للأفكار "