بقلم المهندس باسل قس نصر الله، مستشار مفتي سورية 
 
سؤال بدأ يتسلل إلى بعض المحللين بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان
 
في جولة مع التاريخ ... سبق أنه في ليلة عيد الميلاد 1979، إجتاح "الإتحاد السوفييتي" دولة "افغانستان"، وفي 27 كانون الأول 1979 تسلّم السلطة "بابراك كرمال" مع وصول القوات السوفيتية، وتم إعدام الرئيس "حفيظ الله أمين". وخلال عشر سنوات لم تنجح "موسكو" في ضبط الأراضي الشاسعة، فقام الرئيس "ميخائيل غورباتشوف" بِسحب هذه القوات من أفغانستان في 1989، وتجاهلت "الولايات المتحدة" والبلاد الغربية الأخرى الشعب الافغاني بشكل كامل وفشلت في مساعدتهم في بناء البلد المدمّر. ولملء الفراغ السياسي والاقتصادي، قامت بعض العناصر المسلحة، والتي كانت تقاوم السوفييت - والمتورطة في حركة طالبان - بالترحيب بالمساعدات المالية من مصادر أخرى "بما في ذلك أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة" وساهمت بتركيز الجماعات الدينية الإسلامية المتشددة في أفغانستان، ولمدة سنوات أصبحت أفغانستان أرضاً لا أحد يعرف كيف هي الحياة بها. 
 
ثم كانت أحداث الحادي عشر من أيلول حيث جرت بواسطة طائرات نقل مدني تجارية، تقودها فرق تابعة لتنظيم القاعدة، وُجِّهت لِتصطَدم بأهداف محددة، منها برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وعند المساء كان الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، في كلمته التي بُثّت على كافة الأقنية الأمريكية، قد أعلن موقفه الذي أصبح يُعرف بإسم "مبدأ بوش". قال: "لن نفرّق بين الذين خطّطوا لهذه الأعمال والذين يؤوونهم". وكان هذا المبدأ الأساسي لشن الحرب في أفغانستان للإطاحة بـ "طالبان" التي آوت "القاعدة" التي قامت بهذه الأحداث.
 
الآن وبعد عشرين سنةً من دخول أميركا الى أفغانستان وأسقطت حكم "طالبان" وحاولت فرض طروحاتها ورؤيتها وفق أجندتها الخاصة، تخرج أميركا أيضاً وفق أجندة جديدة ورؤية جديدة. 
 
تُدرك أميركا وروسيا أن من يسيطر على سورية يسيطر على الممر الاستراتيجي لجلّ الشرق الاوسط وبالتالي يتحكم ويسيطر على كلّ أوراسيا العظمى وآسيا الوسطى. 
 
لذلك يأتي الصراع على منطقة الشرق الأوسط عموماً، وسورية خصوصاً من هذا المبدأ، لذلك يحاول كلا الجبارين أن يُبعد الآخر عن هذه المنطقة، من خلال إغراقه بمشاكل متعددة أو حروب يلتهي فيها الخصم ويبتعد عن هذه المنطقة، ولا ننسى أن زبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي لدى الرئيس الأميركي جيمي كارتر بين عامي 1977 و1981 ذَكَر أنه في اليوم الذي عَبَر فيه السوفييت الحدود الأفغانية عام 1988، كتب الى الرئيس كارتر أنه "لدينا الآن فرصة لإدخال الإتحاد السوفييتي في حرب فيتنام خاصة به". لكي يبتعدوا عن منطقة بلاد الشام. 
 
لم ينجح الأميركان بشكل كامل في مسعاهم بإغراق الاتحاد السوفييتي سابقاً - وروسيا حالياً - بمشاكل نتيجة دخوله أفغانستان، فكانت الخطوة الأخرى هي خلق مشاكل الإرهاب الديني في روسيا، حيث قال الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بعد دخولهم أفغانستان:
"تصورت أن بوتين سيكون قلقاً من محاصرة روسيا، ولكنه كان أكثر قلقاً من مشكلة الإرهاب في جواره. حتى أنه أمر الجنرالات الروس باطلاع نظرائهم الأميركيين على تجربتهم خلال غزو أفغانستان في الثمانينيات". 
 
وقد أشار الرئيس "بوتين" صراحة إلى الخطر الذي يشكله الإرهابيون العائدون إلى روسيا، بعد مشاركتهم القتال إلى جانب التنظيمات المتطرفة في سورية، وأن مهمة العسكريين الروس في سورية "ليس مساعدة الشعب السوري فحسب، وإنما حماية المصالح الروسية والمواطنين الروس" من خلال "عدم السماح بعودة الإرهاب الى روسيا". 
 
إن موسكو تعلم أن الغرب يسعى للإستفادة من الارهاب للقضاء على مصالح روسيا في المنطقة، لذلك هي تسعى الى مواجهة هذا المخطط من خلال الدخول في صراع مباشر مع الإرهاب في سورية. 
 
إذا كانت سورية محتاجة لروسيا، فإن روسيا تحتاج بدورها إلى سورية، ليس فقط لعودتها المتسارعة إلى منطقة كان الإتحاد السوفييتي قد أُخرج منها، وبتكريسها دولة ممسكة بالملف السوري الرئيسي، وبحعلِها المرجعية التي لا مفرّ منها في العالم العربي - الاسلامي، بل أكثر من ذلك بكثير. روسيا مَدينةٌ لسورية بمكانتها كدولة عظمى عالمية. 
 
إن الارهاب سيصبح بعدَ خروج القوات الأميركية من أفغانستان، على بعد خطوات من الحدود الروسية، ويمكن أن يتسبب في مشكلات ضمن مناطق كأنغوشيا وداغستان وغيرهما، لذلك فإن دعم كل من العراق وسورية، والإشتراك معهما في جبهة واحدة، يشكّل حرباً استباقية ضد الإرهاب، لحفظ الامن القومي الروسي. وإن تخلّي روسيا عن الرئيس السوري "بشار الأسد" سيعني أنها تكتب بنفسها شهادة وفاتها ووفاة العالم المتعدد الاقطاب لتيعود العالم الى القطبية الواحدة.

تَعلم روسيا أن الولايات المتحدة بخروجها من أفغانستان تحاول نقل الإرهاب إلى حدود روسيا مما يجعلها تخفف من وجودها في سورية. 
 
بالمقابل أصبح واضحاً للرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أن بقاء الدولة السورية وعدم انهيارها، مسألة حياة أو موت لروسيا، إنها قضية وجود لروسيا التي تعتقد أن خروجها من سورية هو خروج من كل المنطقة العربية. وفضلاً عن ذلك، فإن الاستقرار في سورية سوف يعزز الاستقرار في المناطق الجنوبية من روسيا ذات الأغلبية السكانية المسلمة. 
 
اللهم اشهد اني بلغت