سحر الجعارة
أصعب قرار يتخذه الإنسان فى هذا البلد هو كيف يختار طبيبه.. وليس أصعب منه إلا التعامل مع الطبيب نفسه، (الحجز بعد ستة أشهر والفيزيتا قد تصل إلى ألف جنيه والروشتة... إلخ)، الأسهل من هذه الدوامة أن يُصاب المرء فى حادث ويدخل غرفة العمليات مُخدَّرًا فتنوب عنه إدارة المستشفى فى اختيار الطبيب ونوع الجراحة وليس عليه إلا أن يُسدد «الفاتورة»!. هذه ليست إدانة للأطباء، إنها الواقع الذى دفع من قبل مريض فيروس C إلى التداوى بعسل النحل وأعشاب «عبدالباسط» والأشكال الهندسية، وهى الأسباب التى تدفع آخرين الآن فى تخصص شديد الألم إلى العلاج بالحجامة أو الذهاب إلى «سمكرى البنى آدمين»!.

نحن نُحدثهم عن «العلم» وهم يبحثون عن «الحل» لوقف الألم المدمر للجهاز العصبى ونزيف الأموال المهدر على العلاج الطبيعى والمسكنات.. فى مناخ كهذا تسمع كثيرًا عن العلاج بالإبر الصينية و«الطب البديل»، والأخير يُفترض أنه يُدرس فى الدول المتقدمة، خصوصًا فى مجال «علاج الألم».. أما لدينا فعلاج الألم نفسه يحترفه بعض أطباء التخدير!!. فى مناقشة عبثية مع طبيب العلاج الطبيعى الذى أتردد عليه سألته: «هل تؤمن بالحجامة؟».. فاجأنى: نعم، فقلت له إذن دلنى على طبيب متخصص يقوم بها.. قال: لا أعرف!. هل تستغرب بعد ذلك أن يذهب بعض الفنانين إلى «سمكرى البنى آدمين»، وأن يستغلهم فى الترويج لهمجيته بتصويرهم وهم تحت العلاج؟!.

تقول الفنانة «ساندى»: (لقد تسبب لى فى إصابة كادت تودى بى إلى شلل رباعى لأن الغضروف لمس النخاع الشوكى، ولو قُطع لكنت قد أصبت بالشلل، لا قدَّر الله.. منه لله.. يمهل ولا يهمل.. تحذير يا جماعة مش أى حاجة الفنانين أو الإنفلونسرز يعلنوا عنها تعملوها.. أرجوكم). وتحكى «ساندى» تجربتها المريرة مع «سمكرى البنى آدمين»، معلقة: «كنت أعانى من اعوجاج فى العمود الفقرى، وقرأت إعلانات عن هذا الشخص وأنه عالج بعض الفنانين، قمت باستشارة بعض الأشخاص الذين ذهبوا إليه، ومن ثَمَّ ذهبت»!. وأشارت «ساندى» إلى أنها تُعالج منذ سنتين من هذه الإصابة، التى تسببت فى إعاقة لأن الغضروف لامس النخاع الشوكى.

وبحسب المنشور فى «المصرى اليوم»، فقد تبين وقوع ما يقرب من 25 فنانًا ضحايا له، قبل أن تعلن النقابة العامة للعلاج الطبيعى القبض عليه، كما كشفوا تزوير بطاقة الرقم القومى وشهادة التخرج الجامعية. ويقول الدكتور «سامى سعد»، النقيب العام للعلاج الطبيعى، إن العلاج الطبيعى فى مصر يعانى «فوضى خلاقة»، لافتًا إلى أن النصابين والمحتالين على مهنة الطب والعلاج الطبيعى بدأوا يتوالدون ويتكاثرون فى الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أن النقابة تتعاون مع 5 جهات رسمية لإلقاء القبض على النصابين.. والحقيقة أنها «فوضى مدمرة»، فحين يقول النقيب إن «سمكرى البنى آدمين» نصاب محترف، فمن واجبه ملاحقة مَن ينصبون علينا باسم «العلاج الطبيعى»!.

لقد أصبحنا كمَن غرق فى رمال متحركة يتنقل من مشايخ «الرقية الشرعية» إلى قس تخصص طرد «الجن والشياطين» إلى الأعشاب السامة إلى الشلولو حتى وصلنا إلى اختراق النخاع الشوكى!. وما يجعل القضاء على شياطين الإنس أمثال هؤلاء صعبًا أن البسطاء يؤمنون بهم، والنجوم يروجون لهم، وفى أوليمبياد طوكيو أظهرت صور عدد من لاعبى الأوليمبياد وجود آثار دوائر حمراء على أجسادهم: «الحجامة»، من بينهم السباح الأمريكى «مايكل فيليبس»، ويقول اللاعبون إنهم يلجأون إلى هذه الطريقة لتخفيف الآلام والمساعدة فى علاج الإجهاد البدنى الناتج عن التدريب المستمر.. صور كهذه كفيلة بإلغاء نصف كتب الطب لأنها تروج لوسيلة علاج بدائية، قد يعترف بها «الطب البديل» لتقنينها ووضع ضوابط للسيطرة على مَن يمارسها!. هل فكرنا- مثلًا- فى فرض ضرائب على أى نجم يروج لعلاج ما لوضعه تحت السيطرة القانونية، مادامت الإعلانات على السوشيال ميديا غير مُقنَّنة؟.. هل فكرنا فى عدد مَن ينتظرون خروج «سمكرى البنى آدمين» من السجن لعلاجهم؟.. هل بحث أحدكم عن عقلية ونفسية المواطن الذى خضع للعلاج تحت هذه اللافتة: «سمكرى البنى آدمين»؟.. أخيرًا.. أجد معكم رقم «السمكرى»؟!.
نقلا عن المصرى اليوم