مراد وهبة
الكنفوشية مؤسسها كنفوشيوس (551-479) ق.م. ومعناه المعلم العظيم، وهو كذلك لأنه من أعظم الشخصيات فى تاريخ الفكر الإنسانى. ومع ذلك فالمقدمات لا تشى بالنتائج. فقد وُلد فى بيئة متواضعة. وعند مولده مات أبوه ولهذا اضطر إلى العمل فى سن مبكرة لمساندة أمه، وكان معلم نفسه الأمر الذى دفعه بعد ذلك إلى تحويل بيته إلى مدرسة، وكان تلاميذه من الفقراء ومن ثم لم يكن لديه من المال لتدبير أموره المعيشية، فامتهن وظيفة محاسب ثم وظيفة راعى الأغنام.

وفى هذا السياق حكى كنفوشيوس سيرته الذاتية فى ست مراحل وهى على النحو الآتى: فى سن الخامسة عشرة كان شغوفًا بالدراسة، وفى سن الثلاثين اهتم بتكوين شخصيته، وفى سن الأربعين امتنع عن الشك، وفى سن الخمسين فهم قوانين السماء، وفى سن الستين لم ينصت إلى أى حديث بمعنى أنه كان كارهًا للنميمة. وفى سن السبعين نفذ ما يشتهيه القلب من غير كسر للقانون الخلقى.

ومن أقواله الجديرة بالتنويه ما يلى:
إذا كان الحاكم فاضلًا فالمحكومون فضلاء. ومن هنا لا يلزم أن تكون القوانين صارمة لإدارة دفة الحكم.

وعندما سئل: متى تكون الحكومة بلا لوم؟، أجاب: عندما يكون الملك ملكًا والوزراء وزراء والآباء آباء والأبناء أبناء.

أما إذا سألنا عن مكانة كنفوشيوس فى سياق التنوير الأوروبى، فجواب النخبة الأوروبية بوجه عام أنه قديس التنوير، ومساو لحكماء الغرب ومعادل لأرسطو بوجه خاص. وفى هذا السياق ثانيًا اتُهمت الكنفوشية بأنها تدعو إلى الإلحاد لأنها تدعو إلى دين طبيعى يستند إلى النور الطبيعى للعقل الإنسانى، ومن ثم فإنها ليست فى حاجة إلى إيمان على غرار إيمان الأديان السماوية. وفى هذا السياق ثالثًا قيل إن إيمان الفيلسوف الأمريكى جون ديوى من القرن العشرين مماثل لإيمان كنفوشيوس. وبسبب ذلك منحته جامعة بكين الوطنية الدكتوراه الفخرية فى عام 1920، وظل هناك حتى 11 يوليو من عام 1921. وفى هذه الفترة ألقى عدة محاضرات فى مختلف مجالات المعرفة، وكلها كانت ممهدة لكتابه الذى أصدره فى عام 1934 تحت عنوان «إيمان مشترك»، وقد صدر فى عشرين طبعة وفيه يميز بين «الدين» و«ما هو دينى».

الأول ينص على جملة العقائد والطقوس المكونة للمؤسسة الدينية، أما الثانى فيشير إلى الخبرة الذاتية المستقلة عن أى مؤسسة دينية. وقد تبلورت هذه التفرقة بين الدين وما هو دينى عندما قال إنه يرفض ما هو فائق للطبيعة ويقف عند ما هو طبيعى. ومن هنا يرفض الاقتصار على دين من الأديان ويعلن إيمانًا واحدًا مشتركًا لبنى الإنسان. ثم يستطرد قائلا: «نحن نعيش الآن أجزاء من إنسانية تمتد جذورها إلى الماضى السحيق، وهى إنسانية قد تفاعلت مع الطبيعة.

إن الأمور العزيزة علينا فى الحضارة ليست من صنع أيدينا، ولكنها موجودة وهى ثمرة العرق والدموع للجماعة الإنسانية المتصلة. ويبقى اليوم أن ينتقل هذا الإيمان من السر إلى العلن ويتخذ سبيله إلى التحقيق». ومن هنا قيل إذا أردت أن تفهم ديوى فعليك أن تفهم كنفوشيوس، وإذا أردت أن تفهم كنفوشيوس فعليك أن تفهم ديوى.
نقلا عن المصرى اليوم