عاطف بشاي
من المدهش أن لا يختلف رأى كتاب كبار أثروا حياتنا الفكرية والأدبية سنوات طوالا عن رأى التكفيريين والظلاميين والرجعيين فى عدائهم للمرأة.. وعلى رأسهم «توفيق الحكيم» و«عباس العقاد» و«مصطفى محمود» و«أحمد رجب»، وإن اختلف الأسلوب وشكل التناول وزاوية الرؤية.. فإذا اعتبرنا «توفيق الحكيم» عدوًا متفلسفًا.. فإن «العقاد» عدو تراثى.. و«أحمد رجب» عدو ساخر.. و«مصطفى محمود» عدو رجعى الذى يمكننا الاستشهاد بمقال له فى الأهرام (1992) يعبر فيه عن دهشته من صيحات التمرد التى يطلقها نصفنا الآخر اللطيف، وأكثرهن زوجات لرجال أثرياء، يطالبن بالخروج من البيت للعمل.

ويلقين بأولادهن إلى الشارع وتصرخ الواحدة منهن فى وجه زوجها بأنها تريد أن تحقق ذاتها وأن رأسها برأسه سواء.. فأى تحقيق للذات فى أن تصبح هذه المرأة أو تلك صرافة فى بنك أو بائعة فى سوبر ماركت؟.. أين الذات المفقودة فى كل تلك الوظائف؟.. إن تحقيق الذات هو كلام روايات وطلب للتغيير أو الصرمحة. ويتضح من الرأى السابق أن الكاتب يتحرك فى إطار من المسلمات التى تفرض على المرأة ألا تخرج إلى العمل إلا للضرورة الاقتصادية.. أو بعبارة أخرى هو يعتبر أن خروج المرأة للعمل يدخل فى باب المحظورات التى تبيحها الضرورات.

أما عباس العقاد فهو لا يختلف فى رأيه عن عمل المرأة عن رأى «مصطفى محمود» بل رأى السلفيين والأصوليين.. فهو يرى فى كتابه «هذه الشجرة» أننا لا نحتقر المرأة حينما نقول إن لها وظيفة مستقلة تغنيها عن الاشتغال بوظيفة الرجل فى جميع أعماله، كما أنها لا تبدع فى صناعة من الصناعات أو فى فن من الفنون.. فإذا شاركها الرجل فى الطهى أو الحياكة أو التجميل والتزيين، وهى صناعتها التى داومت على مزاولتها مئات الأحقاب، كان له السبق فى التجويد، واستطاع أن يستأثر بإقبال المرأة وثقتها دون أن ينافسه فيها النساء.

فكرة المنافسة تلك، بالإضافة إلى أنها ضد طبيعة المرأة، من وجهة نظر الرافضين لعملها من منطلق التمييز بين الجنس الأقوى والأرقى وهو الرجل، وبين المرأة وهى الجنس الأدنى الذى يجب أن ترفع فى وجهها أسلحة التحريم والتجريم والمنع والمصادرة، بصفتها عنوان الرذيلة ومصدر الغواية، وبالتالى المطالبة بحرمانها من التعليم والعمل.. هذه الفكرة أيضًا تؤتى ثمارها الضارة باعتبار الزوجة العاملة هى السبب وراء انحراف الأبناء.. فهى فى النهاية غير قادرة على تأسيس الأسرة وتربية النشء.

أما «أحمد رجب» فهو يسخر من المرأة المسترجلة التى تكرس معركتها العنصرية لهدف الانتصار على الرجل.. فهذه بطلة قصته القصيرة «البوابة الذهبية»، «مهجة» الزعيمة النسائية التى تؤرقها قضايا المرأة فى مواجهة الرجل.. وهى تؤلف الكتب وتكتب الأبحاث وتلقى المحاضرات وتعى تاريخ النضال النسائى، ابتداء من صيحة «مارى ولستونكرافت» فى القرن التاسع عشر بإثبات حقوق المرأة، حتى صيحة زعيمات «السويد» فى القرن العشرين.. بل بتبادل الرجل والمرأة الأدوار فتخرج هى للعمل وكسب الرزق.. ويبقى هو فى البيت يرعى الأولاد ويطبخ ويكنس ويغسل الأطباق.

***

ألا يدعونا ما سبق إلى أن نقلب صفحات الكتب القديمة نقرأ ونتذكر ونتأمل مفارقة بين ما كتبه مفكرونا وبين ما سعت إليه المرأة فى الثلاثينات من القرن الماضى؟.

فى فبراير (1932) أقامت «هدى شعراوى» حفل تكريم باسم جمعية الاتحاد النسائى المصرى، للاحتفال بأولى خريجات الجامعة وأول طيارة مصرية، وتحدث فى الحفل الأستاذ «محمد علوبة» باشا.. وقدم روب المحاماة هدية من الاتحاد النسائى إلى «فهيمة الأيوبى» خريجة كلية الحقوق.. وقدم الدكتور «طه حسين» تلميذاته خريجات الآداب «سهير القلماوى» و«فاطمة فهمى» و«زهيرة عبد العزيز» و«فاطمة سالم»، وقال فى كلمته التاريخية إنه يسمح لنفسه الآن أن يكشف عن مؤامرة خطيرة حدثت منذ أعوام سابقة.

وكان قوامها جماعة من الجامعيين قرروا فيما بينهم أن يخدعوا الحكومة وأن يختلسوا منها حقًا لا يشاورونها فيه.. وهو الإذن للفتيات بالتعليم العالى فى الجامعة المصرية.. مؤكدًا أنه لولا هذه المؤامرة التى اشترك فيها «أحمد لطفى السيد باشا» و«طه حسين».. والتى دبرت سرًا لما أتيح له أو للاتحاد النسائى أن يقدم محامية مصرية.. وأديبات مصريات.. لقد اتفق الثلاثة أن يضعوا وزارة المعارف أمام الأمر الواقع.. وكان القانون فى الجامعة يبيح دخول المصريين.. وهو إن كان لفظًا مذكرًا فإنه ينطبق على المصريين والمصريات.. وقد كان.. وقبلت المكرمات حتى إذا تم الأمر أصبح حقًا مكتسبًا.

وعبرت «هدى شعراوى» عن سعادتها بذلك، مؤكدة أن فضليات بناتنا حققن بنبوغهن آمالنا.. وبرزن زرافات فى ميادين الدراسة والعمل.. فرفعن رؤوسنا بين نساء العالم، وأضفن بذلك قوة إلى قوتنا فى جهادنا من أجل الحرية.

Atef.beshay@windowslive.com
نقلا عن المصرى اليوم