نادر نور الدين محمد

 ذكرنى القرار الأمريكى الروسى، الصادر فى بدايات شهر يونيو بشأن سد النهضة، بالتوصية بالاسترخاء العسكرى فى القرن الإفريقى، واستمرار المفاوضات بين البلدان الثلاثة تحت مظلة الاتحاد الإفريقى دون غيره، وأنها السبيل الوحيد للوصول إلى اتفاق، على الرغم من استمرار المفاوضات لأكثر من عشر سنوات، منها ست سنوات متواصلة بعد توقيع إعلان مبادئ الخرطوم فى مارس 2015، بالإضافة إلى عام وأربعة أشهر برعاية الاتحاد الإفريقى دون جدوى، وكان ينبغى لأمريكا وروسيا دراسة الأمر جيدا، وأن تعيا أن المياه أغلى من الأرض التى تخاض من أجلها الحروب. هذا البيان ذكرنى ببيان مشابه لأمريكا وروسيا قبيل حرب أكتوبر 1973 بالاسترخاء العسكرى فى الشرق الأوسط، والتى أدرك بعدها الرئيس أنور السادات بأن العالم لا يتحرك إلا إذا أجبرناه على التحرك عبر حدث جلل، فخضنا حرب أكتوبر وبعدها تحركت كل القوى العالمية العظمى لتدارك الموقف، وتبنت أمريكا المفاوضات بين مصر وإسرائيل، إلى أن وصلنا إلى معاهدة السلام بين البلدين، بسبب رفضنا لمبدأ الاسترخاء العسكرى والاستسلام لمفاوضات فرض الأمر الواقع. حالة اللاسلم واللاحرب السائدة بين مصر والسودان من جهة وبين إثيوبيا من جهة أخرى تنذر بانفجار الموقف فى أى لحظة، لأن مصر رفضت البيان الأمريكى الروسى بالاسترخاء العسكرى واستمرار المفاوضات وتحت مظلة فاشلة للاتحاد الإفريقى لعام ونصف العام، بينما المفاوضات تحت المظلة الأمريكية والبنك الدولى استمرت ثلاثة أشهر ونصف، وأثمرت عن اتفاقية جيدة للتوافق حول ملء وتشغيل السد الإثيوبى قبلتها مصر ورفضتها إثيوبيا كالعادة، كما سبق أن رفضت التقرير التمهيدى للمكتب الاستشارى الفرنسى حول تداعيات السد على بلدى المصب، وسابق رفضها لتقرير اللجنة الدولية عام 2013 بشأن إدانة السد الإثيوبى والإقرار بأنه سد بلا دراسات، وأنه أنشئ من أجل الأذية والضرر فقط لدولتى المصب، وأن الغرض المعلن لتوليد الكهرباء غير صحيح لأن تشغيل كل هذا العدد من التوربينات المبالغ فيها، طبقا لبيان العالم الأمريكى الإثيوبى «أصفو بينينى» الذى يعمل فى جامعة جنوب كاليفورنيا، يكفيه 14.5 مليار متر مكعب فقط من المياه، وليس 74.5 مليار، ويكفيه أيضا ارتفاع للسد لا يزيد على 95 مترا وليس 145 مترا، وأنه لا فائدة للسد الجانبى الركامى والذى كل فائدته إضافة 60 مليار متر مكعب لسعة السد دون حاجة إليها، ودون أى عمل سوى السيطرة على مقدرات الأمور فى مصر والسودان، حيث إن السد الجانبى هذا بلا توربينات ولا يولد كهرباء وليس به وصلات للرى، وبالتالى فهو سد للأذية فقط،ولا حل للمشكلة إلا بإلغاء وإزالة هذا السد الجانبى والاكتفاء فقط بالسد الأسمنتى المركب عليه التوربينات والذى لا يحتاج لأكثر من 14.5 مليار متر مكعب من المياه لتوليد الكهرباء. أيضا أنه ليس من حق إثيوبيا، كدولة منبع تتدفق المياه منها إلى دولتين أخريين، القيام بحجز 75 مليار متر مكعب من المياه داخل أراضيها من نهر صغير مثل النيل الأزرق لا تزيد تدفقاته السنوية على 49 مليار، ويحمل سنويا 136.5 مليون طن من الطمى بما لا يتناسب مع إقامة السدود العملاقة.

 
عودة إثيوبيا إلى الحق باستبعاد السد الجانبى والاكتفاء بالسد الرئيسى تزيل التوتر مع مصر والسودان، وتنهى حالة الحرب والصدام القادم لا محالة لتحرير المياه المصرية السودانية، حيث تمتلك إثيوبيا ستة أنهار دولية أخرى، بخلاف أنهار نهر النيل الثلاثة التى تنبع من أراضيها، ولديها من الوفرة المائية التى لا تستخدمها بسبب الكم الكبير من الأمطار السنوى البالغ ألف متر مكعب سنويا، والذى رصد تقرير منظمة الأغذية والزراعة أن إثيوبيا لا تستخدم أكثر من 3% فقط من مياه الأنهار التى تجرى فى أراضيها بإرادتها المطلقة، حيث لا حاجة لها بباقى كميات المياه، ولم يمنعها أحد من استخدام مياه الأنهار التسعة التى تجرى فى أراضيها. ولكن فجأة تكتشف إثيوبيا أن لها حقا فى الحصول على حصة من مياه أنهار النيل التى تنبع من أراضيها حتى وإن كانت لا تحتاجها وحتى لو كان لديها الموارد الوفيرة البديلة والتى لا تستخدمها، وكأنها تستفز مصر والمنطقة وبغباء شديد إلى حرب شعواء فى القرن الإفريقى ستكون أول حرب من أجل المياه فى العالم وبعدها سيتحرك العالم، وتلوم أمريكا وروسيا بيانها بشأن الاسترخاء العسكرى فى القرن الإفريقى وقيادة الاتحاد الإفريقى معدوم الفائدة والفاعلية لمباحثات موضوع المياه غاية فى الخطورة، متغافلين عن أن المياه هى الحياة وهى الاقتصاد، وهى أول أوليات الأمن القومى للدول، ولتتذكر أمريكا أنها ذهبت إلى أفغانستان البعيدة من أجل موت خمسة آلاف مواطن أمريكى، وبالتالى فلن يستكثر العالم قيام مصر بحرب تحرير المياه من أجل حماية أكثر من 100 مليون مصرى من الموت والبطالة والجوع، بسبب أطماع دولة مارقة تريد حجز كميات هائلة من المياه داخل أراضيها لا تحتاج إليها، وتزيد كثيرا عن المطلوب لتوليد الكهرباء، ولكنه الغباء المشابه لمثيله الذى أشعل شرارتى الحربين العالميتين الأولى والثانية وحرب أفغانستان وحرب العراق، وغيرها من حروب الغباء. فهل تراجع إثيوبيا نفسها قبل أن تكسر مصر حالة اللاسلم واللاحرب وتجبر كبريات دول العالم على التحرك؟!.. فالأمر جد خطير.