هاني لبيب
كتبت كثيرًا عن أهمية تناول مفهوم المواطنة باعتبارها منظومة متكاملة للحقوق والمساواة وعدم التخصيص أو التمييز أو الإقصاء أو الاستبعاد أو التهميش على جميع مستويات حياة المواطن، بداية من حرية الدين والمعتقد، مرورًا بحرية الرأى والفكر والإبداع، وصولًا للمساواة فى الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية والصحية والرياضية والبيئية، وهو ما يؤكد على أن المواطنة هى منظومة للحقوق الإنسانية فى مجملها.

من هذا المنطلق، أصبح هناك اتفاق على مستوى جميع دول العالم بأن تنص وثائق محددة على المفاهيم الخاصة بالحقوق الإنسانية، ارتكازًا على المواثيق والمعاهدات الدولية الموقعة من غالبية دول العالم.. بحيث تكون ملزمة للدول الموقعة لتتطابق مع أنظمتها الداخلية وقوانينها الخاصة.

ونتيجة جهود تراكمية ضخمة صدرت وثيقة بعنوان «مبادئ الأمم المتحدة لحماية المصابين بعلل نفسية وتحسين الرعاية الصحية النفسية» فى 17 ديسمبر ١٩٩١، وقد استهدفت حماية وتعزيز حقوق المرضى النفسيين وحرياتهم الأساسية، وتنظيم بروتوكولات علاجهم ورعايتهم بما يحفظ هذه الحقوق.

وتتضمن الوثيقة خمسًا وعشرين مادة بالغة الأهمية، تحتوى على المعايير التفصيلية التى يجب توافرها فيما يتعلق بحق الأفراد ذوى الاضطرابات أو الإعاقات النفسية فى الرعاية الصحية.

تندرج هذه الوثيقة ضمن الوثائق الدولية لحقوق الإنسان، ولكن الأهم هو تفعيلها فى سياق واقعنا الاجتماعى من جانب، وسياق الإمكانات المتاحة حاليًا وما نحتاج توفيره مستقبلًا من جانب آخر، وربما يكون التحدى الأكبر هو عدم اقتناع العديد منا بحاجته فى بعض الحالات إلى العلاج النفسى، فالبعض يراه لا لزوم له من الأصل، والبعض الآخر يراه نوعًا من البيزنس الطبى، ويراه قطاع عريض بأنه من العار الذهاب لطبيب النفسى نتيجة ميراث وصف المريض نفسيًا بالجنون.

من الواضح، أن وزارة الصحة المصرية بدأت بالاهتمام بملف الصحة النفسية، باعتباره مجالًا لا يقل أهمية عن جميع مجالات الصحة الأخرى، وهى محاولات وجهود محمودة لتغيير الصورة النمطية عن مستشفيات الصحة النفسية وتدهور المستوى الصحى فيها، لدرجة كانت تجعل حالات البعض منهم أكثر تعقيدًا مما كانت عليه قبل دخوله المستشفى، كما كنا نرى العديد من الحالات بشكل يومى متزايد فى الشوارع المصرية نتيجة نقص مستشفيات الصحة النفسية.

أعلم جيدًا، أن علاج المريض النفسى هو علاج مكلف جدًا، بحيث لا يمكن للمريض النفسى أو لعائلته أن يتحملوا تكلفته الباهظة، غير أنه فى الوقت نفسه لا يمكن أن نتركه للشارع، ولا يمكن أن نتركه فريسة للمرض النفسى ليزيد الأمر تعقيدًا كما ذكرت من قبل. وأعتقد أن حقوق المواطنة تتطلب منا رعاية هؤلاء المواطنين، وربما يكون المدخل الحقيقى الاستفادة من بعض علمائنا فى هذا الأمر، خاصة أنهم قد نجحوا فى أن يقدموا تجارب ناجحة للعلاج النفسى من خلال مصحاتهم الخاصة.

إن الاستفادة والاستعانة بخبرة هؤلاء العلماء يمكن أن تستثمر الاعتمادات المخصصة من وزارة الصحة من أجل الصحة النفسية.

نقطة ومن أول السطر..
ملف الصحة النفسية يحتاج إلى اهتمام، وإلى زيادة مخصصاته المالية من وزارة الصحة، قبل أن يتفاقم الأمر، ويصبح مصدرًا لتهديد المجتمع المصرى، خاصة مع تزايد ضغوط الحياة اليومية بأعبائها التى لا يستطيع البعض تحملها أو التعامل معها.
نقلا عن المصرى اليوم