الأنبا موسى
ذكرنا فى العدد الماضى بعض الخطوط الأساسية عن المال، ومنها: 1- المال منحة. 2- المال غير أساسى للحياة. 3- المال غير أساسى للسعادة. 4- المال غير يقينى. 5- المال وزنة. ونستكمل موضوعنا..

6- المال لا يُتكل عليه
إذ إن الاتكال على المال إنكار لله، كما قال الرب: «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ!» (مرقس 24:10). أو كما قال أيوب الصديق: «إِنْ كُنْتُ قَدْ جَعَلْتُ الذَّهَبَ عُمْدَتِى، أَوْ قُلْتُ لِلإِبْرِيزِ: أَنْتَ مُتَّكَلِى.. أَكُونُ قَدْ جَحَدْتُ اللهَ مِنْ فَوْقُ» (أيوب 24:31، 28). إذن فالمشكلة فى اعتبار المال عماد الحياة، وركيزة المستقبل، والاطمئنان على أساس أن لدينا شيئًا نرتكز إليه، فكم من أغنياء لم ينقذهم المال من وباء كورونا!. هذا لا يعنى - كما ذكرنا - عدم الادخار، فالادخار غير الاتكال. الادخار تجنيب الفائض، مقدمين إياه لله، يستخدمه كما يشاء: للخدمة أو للطوارئ.. واثقين أن سندنا الوحيد والجوهرى هو الله نفسه وليس المال.

7- المال لا يُشتهى
فالذى يحب المال يدخل إلى شرور كثيرة، كالسرقة، والاختلاسات، والظلم، والأمور غير المشروعة، وإذ يشتهى أن يصير غنيًا يضل عن الإيمان، ويطعن نفسه بأوجاع كثيرة، ويسقط فى تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة، ويغرق نفسه فى العطب والهلاك (1تيموثاوس9:6،10). لذلك اعتبر الرب محبة المال منافسًا لعبادة الله، حين قال: «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ... لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللَّهَ وَالْمَالَ» (متى 24:6).

8- المطلوب هو الكفاية
إن الإنسان يسعى وينمى دخله وينتقل إلى عمل أفضل أو وظيفة تدر عليه عائدًا أكثر، ولكن هدفه الرئيسى هو «الكفاية»... وليس «الثروة» أو «تعظم المعيشة والبذخ»... وهذا فرق شاسع: «وَأَمَّا التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ فَهِىَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ» (1تيموثاوس 6:6)، «فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ، فَلْنَكْتفِ بِهِمَا» (1تيموثاوس 8:6)،

«كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ» (عبرانيين 5:13)، «وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِى كُلِّ شَىْءٍ، تَزْدَادُونَ فِى كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (2كورنثوس 8:9).

- «والكفاية» هى الحياة العادية «خبزنا كفافنا»... أى الحياة المستريحة والممجدة لله، فالله لا يريد شقاءنا بل سعادتنا، وقد أعطانا كل «الكفاف».

- أما «التنعم»، «... وَأَمَّا الْمُتَنَعِّمَةُ فَقَدْ مَاتَتْ وَهِىَ حَيَّةٌ» (1تيموثاوس 6:5). «لأَنَّ كُلَّ مَا فِى الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ، وَالْعَالَمُ يَمْضِى وَشَهْوَتُهُ» (1يوحنا 16:2-17).

9- المال والتنظيم
الإنسان الحكيم ينظم المال فى أسرته، فالزوجان يضعان نقودهما معًا فى أمانة، ثم ينظمان الاحتياجات، وأهمها:

أ- حق الله: العشور - البكور - النذور.

ب- حق كل شريك: فى مبلغ خاص مناسب للتصرف.

ج - حق الأسرة: مصروفاتها اليومية. د- حق الأولاد: فى تدبير مستقبل أفضل لهم.

هـ- حق الأسرة الكبيرة: عند الاحتياج... الجد والجدة والأقارب.

و- حق الادخار: ليتصرف فيه الله كما يشاء لخير الأسرة أو الآخرين.

ويجب أن تسود روح التفاهم فى هذا الأمر، وروح العطاء والمحبة، وروح العدالة وإحقاق الحق.. فكثيرًا ما انهارت بيوت بسبب المال، مع أنه لا يستحق كل هذا المركز فى حياتنا. ويقول الكتاب المقدس: «لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ» (عبرانيين 13:5).

لا تعنى القناعة أننا لن نقلق بالمرة بشأن الأمور المادية، لكنها تساعدنا أن نسيطر على مشاعر الهم. فلا ننهار إذا تعرَّضنا لخسارة مالية، بل نسعى إلى تبنِّى موقف الرسول بولس: «أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِى كُلِّ شَىْءٍ وَفِى جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ» (فليبى 12:4).

وفى النهاية يقول الكتاب المقدس:
1- «مَنْ يَتَّكِلْ عَلَى غِنَاهُ يَسْقُطْ» (أمثال 11:28).

2- «غِنَى الْبُطْلِ (الكسل) يَقِلُّ، وَالْجَامِعُ بِيَدِهِ يَزْدَادُ» (أمثال 13:28).

3- «مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْلٍ. هَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ» (الجامعة 5:10).

4- «أَكْرِمِ الرَّبَّ مِنْ مَالِكَ وَمِنْ كُلِّ بَاكُورَاتِ غَلَّتِكَ» (أمثال 9:3).

5- «انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ» (لوقا 15:12).

6- «قِنْيَةُ الْحِكْمَةِ كَمْ هِىَ خَيْرٌ مِنَ الذَّهَبِ، وَقِنْيَةُ الْفَهْمِ تُخْتَارُ عَلَى الْفِضَّةِ!» (أمثال 16:6).

7- «أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ فِى الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا، وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى، بَلْ عَلَى اللهِ الْحَىِّ الَّذِى يَمْنَحُنَا كُلَّ شَىْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ» (1 تيموثاوس 17:6).

8- «اَلْقَلِيلُ الَّذِى لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرِينَ. لأَنَّ سَوَاعِدَ الأَشْرَارِ تَنْكَسِرُ، وَعَاضِدُ الصِّدِّيقِينَ الرَّبُّ» (مزمور 16:37-17).

9- «اَلصِّيتُ أَفْضَلُ مِنَ الْغِنَى الْعَظِيمِ، وَالنِّعْمَةُ الصَّالِحَةُ أَفْضَلُ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ» (أمثال 1:22).

10- «لاَ يَنْفَعُ الْغِنَى (الثروة) فِى يَوْمِ الدينونة، أَمَّا الْبِرُّ فَيُنَجِّى مِنَ الْمَوْتِ» (أمثال 4:11).

فليعطنا الرب أن نجتهد، وأن نشكر، ونكتفى، ونمجد الله العظيم الأبدى. له كل المجد، آمين.

* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم