إعداد : نجيب محفوظ نجيب

كاتب و باحث و مترجم  
لأنه يملك إحساسًا إنسانيًا حقيقيًا راقيًا و نبيلا, استطاع أن يحقق حلمه فى عالم الكتابة الأدبية و الترجمة  وأن يجد طريقه بصدق إلى عقول و قلوب القراء.
 
ترحل معه عابرًا حدود الزمان و المكان محاولا فهم الأنسان.
تطرح معه أسئلة فلسفية وجودية و تبحث معه عن الإجابات.
فهو يمتلك قناعاته الفكرية و أدواته الأسلوبية التى أثقلها بالقراءة والبحث المستمر والممارسة العملية.
إنه الروائى و المترجم يوسف نبيل.
 
يتذكر يوسف مرحلة الطفولة و الصبا بغضب عميق لا يزال يسكن مشاعره.
" تقترن ذكرياتي عن المدرسة في المرحلة الابتدائية والإعدادية بالغضب دائمًا. قضيت المرحلتين في مدرسة الراهبات بمحافظة الفيوم. ترأست المدرسة في تلك الفترة راهبة لا تفقه شيئًا على الإطلاق عن أصول التربية، وكنا نتعرض لضرب جسدي هائل، بالإضافة إلى الحياة داخل أطر دائمة من الخوف. كانت تشجع أيضًا الطلبة على الإبلاغ عن أي مخالفات يرتكبها زملاءهم، كما كان هناك تمييز واضح في المعاملة بين بعض الطلبة؛ خاصة أبناء ضباط الشرطة. كل شيء كان ممنوعًا في المدرسة تقريبًا، حتى إن مجرد الركض أثناء الفسحة كان ممنوعًا. حوَّلت الأرضية الرملية للمدرسة إلى أسفلت. من يركض يُعاقب، ولا أزال أتذكرها وقد استدعت الفراش في طابور الصباح وقيّد أحد الطلبة ومدّته على قدميه أمام الطلبة. باختصار... كانت فترة شديدة السوء، وكانت أقصى درجات التمرد هو عدم التماهي مع هذا النظام والإصرار على تحمل الكلفة النفسية لرفض كل ذلك، لأنه لم يكن بالإمكان فعل ما هو أكثر من ذلك، ولا عجب أن لي زملاءً يتذكرونها الآن بكل الخير ويرون أنها كانت تحافظ على الانضباط والنظام وما إلى ذلك؛ حيث كان من الأسهل تبرير أفعالها في العقل الباطن بدلا من المقاومة."
 
يحكى لنا الأديب و المترجم كيف كانت النقلة من مرحلة الطفولة و الصبا إلى مرحلة الشباب, وكيف بدأ حبه للقراءة والتعرف على الأدب الروسى والعالمى وكيف بدأ أيضا الكتابة الإبداعية  فى هذه المرحلة.
 
" في المرحلة الثانوية انتقلت إلى أكبر مدرسة حكومية في الفيوم، وهي مدرسة جمال عبد الناصر. كانت النقلة مذهلة؛ فقد انتقلت أنا وزملائي من مدرسة نصف طلبتها تقريبًا مسيحيون، ممنوع فيها كل شيء، إلى مدرسة حكومية لا يبلغ عدد الطلبة المسيحيين فيها في الفصل الواحد أكثر من طالبين أو ثلاثة، مسموح فيها بكل شيء، ولا يوجد فيها لا نظام ولا تعليم ولا أي شيء، لكني بالرغم من كل ذلك أتذكر هذه الفترة بإحساس طيب! نعمت بقدر هائل من الحرية؛ الأمر الذي أفقد بعض زملائي صوابهم بعد الكبت الرهيب الذي عانوه في المدرسة الأولى. افتُتحت أول مكتبة حقيقية في الفيوم بجانب المدرسة في هذه الفترة، وبدأت أتعرف على الأدب الروسي والعالمي من خلالها. قرأت في هذه الفترة كل أعمال دوستويفسكي تقريبًا. لا أزال أتذكرني وأنا ذاهب إلى المدرسة ولا شيء في يدي سوى كتاب دوستويفسكي والنظارة. أحاول النوم لحصتين ثم تبدأ رحلة هروبي. في الصف الثالث الثانوي كنت متمرسًا على القفز من أي سور في المدرسة، حتى صار البعض يطلبون مرافقتي لأرشدهم إلى كيفية القفز من على السور. أقفز وأعود فورًا إلى المنزل. أستريح وأنام قليلا وأنهي مذاكرتي في ساعتين تقريبًا؛ فأجدني متفرغًا في حوالي السادسة. أتذكر الآن مغامرات الهروب من كل سور في المدرسة وأبتسم من حجم المواقف الكوميدية التي مررت بها.
كنت قد انتقلت إلى الشعبة الأدبية في الصف الثالث الثانوي على الرغم من مجموعي المرتفع في الصف الثاني الثانوي، لأنني أدركت أنه لن يُكتب لي النجاح أبدًا مع الفيزياء والرياضيات أو الأحياء. اندلعت بالطبع معركة مع الأهل والأقارب انتهت برضوخهم في النهاية لرغبتي. كانت المواد الأدبية شديدة السهولة بالنسبة لي، لذلك كنت أفرغ من المذاكرة في ساعتين تقريبًا. من الساعة السادسة مثلا أخرج من المنزل وأتمشى كثيرًا في شوارع الفيوم، وكنت أقرأ يوميًا ما يقارب 100 صفحة في تلك الفترة.
 
كما قلت سابقًا بدأت أتعرف على الأدب الروسي بسبب مكتبة "كامو" التي افتُتحت في ذلك الوقت بجانب المدرسة، وكانت تتيح الاستعارة وليس البيع فقط. أرشدني صاحبها أ. خالد طه، إلى الكثير من الأعمال المهمة، وانجذبت في تلك الفترة بشدة إلى عوالم دوستويفسكي، ثم انتقلت إلى المسرح والأدب العالمي بوجه عام. عندما حاولت إقناع الأهل بالتحويل إلى الشعبة الأدبية كنت أهدف إلى دخول كلية الآداب قسم الفلسفة، كما فعل محفوظ، ولحبي فعلا للفلسفة، لكنهم لم يوافقوا، فاتفقنا على حل وسط يرضي الطرفين: دخول كلية الألسن قسم اللغة الروسية. كانوا يعرفون أن العمل في السياحة متوفر لمن يجيد تلك اللغة، وكنت أحلم بأن أصير مترجمًا عن الروسية، لأترجم مثل هذه الأعمال الساحرة التي قرأتها في تلك الفترة لدوستويفسكي وتولستوي وتورجينيف وجوركي.
 
منذ الطفولة وأنا أحب القراءة بشدة، ومنذ المرحلة الإعدادية بدأت أقرأ ما أجده في مجالات الأدب والفلسفة وعلم النفس. في المرحلة الثانوية قرأت عددًا ضخمًا من الروايات العالمية الشهيرة. بدأت الكتابة في المرحلة الإعدادية. كنت أدون آرائي عن الأفلام والكتب التي تهمني، وفي المرحلة الثانوية بدأت أحاول كتابة القصص. عندما قرأت دوستويفسكي قررت أن أصير روائيًا تحديدًا، وكنت متأثرًا فعلا في البداية به بشدة."
 
 
وعن تفوقه فى الثانوية العامة و إلتحاقه بكلية الألسن قسم اللغة الروسية يحدثنا يوسف و يصف لنا ما حدث لحلمه بالترجمة أثناء الدراسة بالجامعة و بعد التخرج.
 
" أنهيت المرحلة الثانوية بتفوق، ودخلت كلية الألسن قسم اللغة الروسية. استمر مساري في الكتابة أثناء الكلية، ونضجت كتاباتي بعض الشيء؛ خاصة مع القراءة المستمرة، لكن مرور 4 سنوات في قسم اللغة الروسية أنساني حلمي تمامًا في الترجمة. بصورة عامة كان مستوى  الدراسة في القسم في تلك السنوات شديد السوء، بالإضافة إلى صعوبة اللغة الروسية. درسنا قشورًا من الأدب، وفي مادة الترجمة كان التركيز على الترجمات السياسية والاقتصادية. لم نكن ندخل معمل اللغات إلا نادرًا... أوضاع شديدة السوء جعلتني تدريجيًا أنسى حلمي في الترجمة، واقترن ذلك بأفكار ساذجة تكونت لديّ عن جهل في تلك الفترة مفادها إن كل الأعمال الروسية المهمة تُرجمت. لم أكن أدري شيئًا حينها، ولا أزال أتذكر تلك الفترة باندهاش... كيف حلمت بأن أصير مترجمًا ودخلت الكلية التي تؤهلني لذلك الحلم؛ فخرجت منها بلا أحلام! بصورة عامة كانت فترة الكلية أفضل كثيرًا لي. نعمت بقدر من الحرية إثر انتقالي من الفيوم إلى القاهرة. عشت في المدينة الجامعية بجامعة عين شمس، وتعرفت على عدد كبير من الأصدقاء، واكتسبت خبرات حياتية كثيرة، وحضرت عددًا ضخمًا من الحفلات وأفلام السينما، مستفيدًا من تخفيضات التذاكر للطلبة في الأوبرا والعروض المجانية في بعض المراكز الثقافية."
 
تخرج من الكلية وإذا به يلتحق بالخدمة العسكرية كضابط احتياط لثلاثة أعوام. حاول طوال تلك الفترة ألا ينسى حلمه في الكتابة، وأن يقرأ بقدر ما يستطيع. كانت فترة صعبة لأسباب شخصية. قبل نهاية فترة الجيش ببضعة أشهر أنهى روايته الأولى التي قرر أن ينشرها: "كسر الإيقاع". كان قد كتب قصصًا طويلة قبلها لكنه لم يوافق على نشرها. حضر الشهور الأولى من ثورة يناير في الجيش، وبعد انتهائه من الخدمة العسكرية في 1 ابريل 2011 بحث عن عمل في القاهرة.
 
رفض العمل في السياحة لأنه أدرك أن ذهابه إلى الغردقة أو شرم الشيخ في تلك الفترة سيبعده عن الكتابة، وسيجعله ينخرط في أعمال لا يحب المشاركة فيها. كان قد عرف تفاصيل العمل هناك من زملائه وأدرك إنها لن تلائم شخصيته.
 
عمل بشركات تصدير للرخام في القاهرة تحتاج إلى من يسوِّق منتجاتهم للخارج، لكنه لم أكن جيدًا في التسويق. ترك الشركة الثانية بعد فشله في تحقيق أي مبيعات، وفجأة جاءه  اتصال تليفوني لفرصة عمل كخدمة عملاء (كول سنتر) بشركة إنترنت.
 
وافق حيث لم تكن هناك أمامه فرصة أخرى. عمل في هذه الشركة من 2013 وحتى استقالته في نهاية 2017.
 
رغم أنه بدأ حياته العملية بعيدا عن حلمه بالكتابة الأدبية و الترجمة, لكنه بدأ يتذكر الحلم القديم الذى وجد أنه لا يزال يسكن عقله و وجدانه.
 
وعن كيف بدأ يحقق حلمه و شغفه القديم بالكتابة الأدبية والترجمة يحدثنا يوسف عن بداية رحلته الصعبة و الشاقة مع دور النشر.
" طوال تلك الفترة كنت أحاول الاستمرار في القراءة والكتابة بانتظام، ونشرت فعلا مجموعة من الروايات، وكانت هذه الخطوات شديدة الصعوبة لأن العمل والمواصلات وجنون مهنة الكول سنتر يؤثران بشدة على الأعصاب. تعلمت اعتصار الوقت حتى آخر قطرة.
 
في عام 2015 حدثني أحد الأصدقاء عن فكرة افتتاح دار للنشر، وكنا نريد أن نترجم عملا لإريش فروم، وبالطبع لم يكن لدينا المال الكافي. اقترح عليّ صديقي أن أترجم الكتاب. بدأت أتذكر حلمي القديم. قلت لنفسي سأجرب الترجمة عن الإنجليزية مرة وحسب. كانت الترجمة بالطبع شديدة الصعوبة عليّ في تلك الفترة نظرًا لأنه الكتاب الأول. كنت معجبًا جدًا بفروم، ومن ثم أبديت مثابرة عنيدة لترجمة الكتاب. لم تتم فكرة دار النشر بعد ذلك، إلا إنني بحثت عن دار نشر آخرى يمكنها أن تنشر ترجمتي لكتاب فروم "عن العصيان" ونجحت فعلا في نشره.
 
عام 2015 كان عامًا مهمًا بالنسبة لي... كنت أعمل كالمجنون: عمل في الشركة وانشغال بكتابة الروايات وتأليف كتاب عن مدارس علم النفس ومواظبة على القراءة، ثم محاولة الترجمة. لم يكن مستواي في الترجمة في البداية بالطبع جيدًا، لكني تعلمت بالممارسة العملية، بالإضافة إلى عودتي إلى الدراسة لاسترجاع ما فاتني. بعد ترجمة كتابين عن الإنجليزية، قلت في نفسي: ولماذا لا أعود إلى حلمي القديم وأترجم عن الروسية؟ اخترت في البداية أعمال صغيرة الحجم، وكنت أعاني بشدة في ترجمتها بسبب صعوبة اللغة الروسية وتوقفي عنها منذ بضعة سنوات. ثابرت بعناد على الأمر وكنت ألجأ إلى مساعدة بعض أساتذة اللغة الروسية الأفاضل الذين تعرفت عليهم على الفيس بوك، وقوبلت بالترحاب منهم.
بدأ الأمر يتقدم تدريجيًا. تعاملت في البداية مع دار نشرت لي عدة أعمال لكنها لم تسدد لي حقي المادي، وبعد ذلك نشرت مع سلسلة الجوائز نوفيلا "السند المزيف".
 
عندما امتنعت عن إرسال أعمالي للناشر الأول بسبب الحقوق المادية ظللت أبحث عن دور نشر أخرى. أغلب الدور لم تكن ترد، وبعضهم كان يرد بعجرفة بعض الشيء... في النهاية لم يبد أحد اهتمامًا تقريبًا. توجهت حينها إلى دار آفاق وعرضت عليهم ترجمة بعض مقالات وخطابات تولستوي. قرأوا ما ترجمته وأعجبوا به، ورحبوا بي. أتذكر إنني تلقيت العائد المالي بعد إرسال الكتاب كاملا لهم ببضعة أيام. كان هذا بالنسبة لي أمر لا يُصدّق. نجح الكتاب على مستوى التوزيع "في الدين والعقل والفلسفة" ومن ثم فكرنا في إكمال المشروع. ترجمت "في العلم والأخلاق والسياسة" – "طريق الحياة"، وأخيرًا اتفقنا على المشروع الضخم "يوميات تولستوي".
 
إبان تلك الفترة نشرت بعض الكتب مع دور آخرى حيث بدأ الأمر يسهل تدريجيًا حينما صارت لي كتب معروفة إلى حد ما في سوق الكتاب. فكرت حينها في الاستقالة من عملي. انطوى القرار على قدر من المغامرة والخطورة، لكني اتخذته في النهاية. في 1 يناير 2018 صرت متفرغًا بالكامل للترجمة. عملت كالمجنون من أجل أن أضمن لي مكانًا وسط سوق المترجمين في البداية. كنت أحيانًا أترجم كتابين في الوقت ذاته. تحسنت الفرص تدريجيًا وعملت مع بعض دور النشر العربية؛ الأمر الذي كان يعني تحسين الأجر نوعًا ما."
 
وعن الأختيارات و التحديات التى واجهها  وخاضها بعد أن تحقق فى عالم الترجمة, يقول يوسف:
" فور أن بدأ مشروع يوميات تولستوي في النشر حتى بدأت عروض العمل تزداد بوضوح. بعض دور النشر التي راسلتها ولم تكن ترد عليّ أرسلت لي، وبعضها فوجيء بحديثنا السابق الذي نسيه من فرط إهماله. كان الأمر كوميديًا. تجد مدير دار نشر يطلب منك التعاون، وعندما يفتح الشات على الفيس بوك يجد أن حديثًا سابقًا دار بينكما وهو لم يحسم الأمر حينها أو تجاهلك ببساطة أو ببرودة.
 
حتى يحقق المترجم كفاية مادية من الترجمة لا بد أن يعمل بكثافة شديدة. أدركت ذلك بوضوح منذ اللحظة الأولى. واجهت اختيارات وتحديات كثيرة. في البداية كان حلمي منحصرًا في الكتابة، ثم أدركت أن الترجمة يمكن أن توفر لي عائدًا ماديًا؛ بالإضافة إلى إنها ستحل لي الإشكالية الكبرى: ماذا أعمل؟ أغلبنا يظل يتساءل هذا السؤال.
 
ظللت أعمال في مجالات لا علاقة لي بها ولا علاقة لها بي لسنوات، وأدركت أنه بمرور الوقت سيتم طردي من وظيفتي، لأن مثل هذه الأعمال تعتمد على موظفين صغيري السن حتى يتم اعتصارهم كاملا. في هذه الفترة عليك أن تجد فرصة في قسم آخر غير خدمة العملاء وما إلى ذلك؛ إذا لم تستطع يتم طردك من الشركة بعد بضعة أعوام. حينها ظهرت الترجمة لي كمنقذ، لذا بذلت جهدًا شديدًا فيها. إنها تلبي احتياجاتي ككاتب، لأنها في النهاية مهنة تعتمد في الأساس على القراءة والكتابة. قررت ألا أترجم أبدًا سوى ما يمتعني. فكرة أن تعمل في مصر عملا تحبه ويجلب لك دخلا هي تقريبًا حلم.
التحدي الآخر يكمن في إدارة وقتك وفي المسائل المادية. حينما يعمل البعض عملا حرًا، لا يستطيعون إلزام أنفسهم بالانتظام في العمل والسلوك بشكل منظم يتيح إنتاجية عالية. لم أواجه تقريبًا هذه المشكلة؛ فأنا أتحكم في الوقت منذ أعوام طويلة بصورة رائعة. أعتصره تمامًا. مشكلة الكفاية المادية تتمثل في أنك كمترجم تجد نفسك نظريًا تملك آلاف الجنيهات، ولكنها لم تصلك بعد. هذه الدار متعثرة، وهذه الدار لا تزال تراجع الكتاب، وهذا خدعك.... إلخ. حينما تركت العمل كنت قد ترجمت بالفعل عدة كتب، وبالتالي بدأت أتلقى متأخراتي تدريجيًا؛ الأمر الذي ساعدني على الاستمرار.
أواجه تحديًا آخر حتى الآن وهو تنظيم الوقت بين الترجمة والكتابة. الكتابة الأدبية لا تجلب دخلا على الإطلاق، ومن ثم الاعتماد المالي كله على الترجمة. في البداية تأثرت بشدة لأني انخرطت تمامًا في  الترجمة حتى أستطيع تثبيت أقدامي في هذا العمل. مع الوقت قررت أن أترك فترات معينة في العام لكتابة الرواية. فعلت ذلك في 2020 حينما أتممت رواية العزبة التي نُشِرت في 2021. آمل أن أفعل ذلك في بداية أو منتصف العام القادم لأنهي مشروعًا روائيًا جديدًا."
 
الكتابة الأدبية بالنسبة ليوسف هى رسالة مقدسة يحاول من خلالها أن يفهم نفسه والعالم المحيط به لعله يصل إلى رؤية شاملة.

وعن هذا يفسر يوسف لنا معنى الكتابة الأدبية بالنسبة له قائلا :
" بدأت الكتابة في فترة المراهقة بفعل الغضب. في أول رواية نشرتها "كسر الإيقاع" قتلت مدرس الرياضيات الذي كان يعذبني في المرحلة الابتدائية. كنت أصب جام غضبي على شخصيات كثيرة. بمرور الوقت تخف حدة الغضب وتبدأ محاولة الفهم. دائمًا كانت رواياتي ترصد شخصيات ثورية تمامًا على المستوى النفسي؛ تحاور الثوابت وتحاول إعادة تقييم الموروثات والخروج عن الأعراف. كنت أناقش ذلك على المستوى الاجتماعي والأسري والديني والسياسي؛ خاصة مع فوران الأحداث السياسية منذ 2011، وكانت هذه مرحلة التغييرات الثورية في حياتي الشخصية. تتعرض شخصيتي لتغييرات حاسمة تؤدي في النهاية إلى تغيير وجهة نظري في الكتابة. الأدب بالنسبة لي كان أمرًا أهم بكثير من المتعة والمعرفة النظرية والاستمتاع بالحبكات والتكنيكات الأدبية المختلفة. كنت أرى الأدب بمثابة رسالة مقدسة يحاول فيها الكاتب أن يفهم ذاته والعالم المحيط به عسى أن يصل إلى رؤية شاملة. في الأعوام الأخيرة بدأت حدة الغضب تنحسر تدريجيًا، وبدأت أركز أكثر على الفهم، ومن ثم حاولت في روايتي الأخيرتين "اللقاء الأخير – العزبة" وخاصة في الأخيرة فهم نماذج من الشخصيات أكرهها على المستوى النفسي. حاولت أن أغوص أكثر فأكثر داخل هذه العوالم لأفهم موقفها من الحياة والعالم، بدلا من الاكتفاء بفضحها وتجريسها. لم أنجح في ذلك بشكل مرض لي حتى الآن، لكني أضع ذلك نصب عيني وأحاول العمل على تطويره قدر الإمكان. الكتابة بالنسبة لي هي محاولة لفهم ذاتي والعالم على السواء؛ والبحث عن إجابات. صحيح إن الأدب يجب أن يطرح دائمًا الأسئلة، لكن لا مانع أبدًا من البحث أيضًا عن إجابات ولو جزئية. كل هذا لا يمنعني أبدًا من التفكير العميق في الكتابة كحرفة أثناء كتابة الرواية؛ أقصد التفكير في التكنيك والأسلوب الأمثل، لكني أحرص ألا يصير هذا هدفًا في حد ذاته. أتعامل دائمًا مع اللغة والتكنيك معاملة وظيفية بحتة، وإن كانت الترجمة قد وسَّعت أفقي اللغوي وغيَّرت نظرتي إلى اللغة المستخدمة في الكتابة بشدة.
 
أشعر بالرضا الآن، ولدي أحلام كثيرة جدًا على مستوى الكتابة الأدبية والترجمة، لكني أهدأ الآن... أهدأ كثيرًا من الماضي."