بقلم النائب الدكتور فريدي البياضي
قصة طويلة شويتين!، ممكن تقرؤها مرة واحدة، أو تعملوه مسلسل! لكن  متأكد  ان الأحداث  والدروس واللي فيه هاتخلّيك تكمّله للآخر .  دي خلاصة رحلتي مع كورونا (٢٠ يوم حتى الان) لكن اقدر اقول ان الرحلة كانت متجهة بسرعة ناحية الموت في طريق بدون (u turn) كأنك في مدينة نصر مثلاً ! و فجأة صدرت الأوامر…لف وارجع تاني و ابتدينا طريق الرجوع  

شوية برد عادي
*الحكاية بدأت باعراض بسيطة يوم ٢٥-٩ مساءاً مجرد ارتفاع بسيط في الحرارة (نص درجة او درجة) بينزل بالخافض. (وزي ما الناس متعودة تقول "شوية برد عادي" ) لكن انا قلت لنفسي زي ما باقول للناس "مافيش حاجة اسمها (شوية برد عادي) في زمن الكورونا"! حطّيت احتمال الكورونا، و عزلت نفسي في البيت، و قلت اتابع  ، استمر الأمر 4 ايام ، ومافيش اي أعراض جديدة ، والحرارة بتنزل و تطلع. قررت اعمل مسحة سريعة (طلعت سلبية ) ،

طلع مش عادي
في اليوم الخامس قررت اعمل  مسحة أدق (PCR)، وكانت المفاجأة ! المسحة  ايجابية! ، الأعراض مازالت مجرد حرارة بسيطة. باستشارة اصدقائي المتخصصين كان الكلام انها حالة بسيطة ، ٥ ايام راحة وعلاج و تنزل عادي.
اليوم ال ٦ مازالت الحرارة ترتفع بالرغم من العلاج،

في اليوم السابع قررت انزل اعمل مقطعية ، أصريت اروح وحدي (مع الاحتياطات الكاملة) وقدت سيارتي ساعة للمستشفى ، فوجئت ان الأشعة بها اصابات متفرقة بالرئة . الأطباء المعالجين كان رأيهم ، يومين علاج مكثف في المنزل و تحصل استجابة ، تحولت غرفة نومي الى غرفة مستشفى ، محاليل و حقن و اكسجين و….و بدأت علاج مكثف في المنزل ، مر يومين و الاكسجين بيقل و الحرارة مازالت ترتفع !
*اليوم التاسع : كان القرار بضرورة نقلي بأسرع وقت للمستشفى بسيارة الإسعاف .

هنا ابتدت الصورة تتغير قدّامي!
بحكم عملي كطبيب ركبت سيارات إسعاف و طيارات إسعاف كتير ، لكن أول مرة في حياتي اكون انا المنقول ( مش الناقل )
-شعور صعب جداً و انت نازل من بيتك (بعد فشل العلاج المكثف المنزلي في وقف تدهور الجهاز التنفسي) ، و رايح تركب الإسعاف، و انت كطبيب شايف المصير المحتمل قدّامك، و نفسك و مش نافع تحضن أولادك، وانت عارف ان دا ممكن يكون الحضن الأخير.

علامات على الطريق
-ابتدت تظهر قدّامي سيناريوهات لزملاء أطباء، و أقارب،  و آخرهم حماتي الغالية  اللي فقدناها من ٤ شهور،  ابتدى معاهم الموضوع باشتباه برد،  و فجأة اتطور الأمر ل تعب و فشل علاج المنزل -مستشفى و فشل العلاج -رعاية وجهاز تنفس- وفاة!
-مش باصدق في موضوع التشاؤم ولا العلامات ، لكن حصلت أكتر من حاجة غريبة ، كلها بتشاور على حاجة واحدة!

١-لما اشتد التعب في البيت ، و ابتدى الاكسجين يقل ، طلبت من المستشفى يبعتولي جهاز أكسجين في البيت ، و لما استلمته سألتهم على مشتملات الجهاز اذا كانت جديدة!، أو محتاجة تتغير؟ ، كان رد  زميلي: حضرتك تاني واحد تستخدم الجهاز، المرحومة حماتك  استعملته قبلك !  ( اكيد مش قصدهم! )
٢-اليوم ال ١٠ (حصل عطل الواتساب والفيسبوك في العالم ) العيلة كانت مش عارفة تتواصل على الواتساب علشان يطمئنوا على حالتي ،  افتكروا انهم كانوا عاملين جروب زمان  على التليجرام ، فقروا يدخلوا عليه يحاولوا يتابعوا حالتي معايا ، (كانوا متوترين جداً و هما شايفين نفس سيناريو حماتي بيتكرر معايا ) عديلي كان مش على الجروب و دخل متأخر،  و سأل : أخبار حالة فريدي إيه؟ ، قالوا  له: ممكن على التليجرام ترجع لبداية الشات  و تعرف أخبار فريدي ، بعد دقيقة رجع يقول: الله يخرب بيوتكم ! رجعت لقيت ڤيديو ل

٣- أول ما دخلت  الغرفة في المستشفى ، أبص من الشباك الاقي في وشي  يافطة إعلان ضخمة مكتوب عليه (اللعبة خلصت ) ( Game over) لا كدا كتير!
٤-في نفس اليوم  صديقة كتبتلي على الفيسبوك جملة (يقوّمك بالسلامة يا دكتور فريدي)  

يقوم جوجل (الله يعمر بيته) يترجمها لأصدقائي الأجانب  اللي مابيفهموش عربي:
MAY YOU REST IN PEACE, Dr. Freddy!!  أو (رحمك الله يا دكتور فريدي)! لا دي كدا علامة يا مارد  انا باحكي الكلام دا دلوقت وانا باضحك، لكن وقتها كان السؤال،  معقول كل دا صدفة! ؟

 الدوامة
* المرض كان بيزيد، والحالة بتتدهور اكثر و انا في المستشفى، كنت حاسس اني في قلب المحيط، والدوامة بتجرفني بقوة و مش قادر اقاوم! في ثاني يوم في المستشفى  كنت باحاول اغيّر وضع نومي في السرير ، نزل مستوى تشبع  الاكسجين ل ٦٩ ! و اتخنقت وكدت أدخل في غيبوبة أو أموت .
بمعجزة، قدرت اتحرك لغاية جهاز الأكسجين و ازوّد  معدّل تدفّق الاكسجين من الجهاز لغاية ما بدأت ارتاح !
*بعد يومين في المستشفى من أقسى علاج ممكن يتاخد ، للأسف استمر التنفس في التدهور،

الموت وما بعده
*"انا كإنسان  قوي و مؤمن  ، ما كنتش خايف من الموت و مستعد جداً". الحقيقة كان نفسي اقول كدا ، واقول كمان اني كنت أجمد واحد في المجرة،  للأسف دا ماكانش حقيقي ، بص هو  كان شعور غريب!، مش خوف من الموت لأني عارف اني رايح مكان أحسن فعلاً، لكن خوف من المجهول! هو موت ؟ ولا شفاء؟!  مش خوف على مصيري، قد  ما هو رعب على رد فعل أبويا و امي بعد ما اموت ! ، و أولادي و مراتي و أسرتي وحبايبي و شغلي! كان كل اللي في ذهني متخيل حالتهم بعد وفاتي ، كنت كل ما اتخيل الصورة دي الاقي دموعي بتنزل و أبكي معاهم . صليت  : يا رب دي شكلها النهاية ،  أنا مستعد، بس من فضلك قوّي أهلي و حبايبي.

-شريط حياتك كله بيمر قدامك ، بنجاحاته و فشله و الحاجات اللي ندمت انك عملتها و اللي كنت بتحلم تعملها، و بتحس في لحظة ان كل الجري و الإنجازات والنجاحات  اللي عملتها في ٥٠ سنة ، كأنها ولا حاجة ! فعلا ولا حاجة !
كان قرار الأطباء بتجربة خطة ثانية للعلاج ، على أمل يحصل استجابة لها.

لف وارجع تاني
 *يوم ٩–١٠-٢٠٢١ ١٢ (بعد ١٥ يوم من البداية واستمرار تدهور الحالة و فشل خطة بعد خطة في إيقاف تدهور التنفس  مر علي الاستاذ الدكتور. المعالج ،  و قال لي: دلوقت بس، أقدر اقول: العلاج ابتدا يجيب نتيجة، قال لي (بنص كلامه) : انت كنت رايح مش راجع!  كانت الدوامة واخداك ورا البراميل يا فريدي، و أنا أنقذتك! ، رديت عليه: مش انت بس ، دا ربنا في الأول، و صلوات  كل حبايبي.

فيها حاجة حلوة
*اليوم ال ١٧: حاجة صغيرة بس مشجّعة. الممرض دخل يقول لي: انا باقول (برا المستشفى)  قدام زمايلي صيادلة: النائب فريدي البياضي مريض عندنا في المستشفى ، لقيتهم بيقولوا : "خلي بالك منه (والنبي) و طمننا عليه ، دا اكتر واحد واقف معانا".

-حاجة حلوة تانية ، عادة الناس بتظهر حبها للأشخاص بعد ما يموتوا و بيكونوا مش واصل لهم مشاعر الحب،  لكن انا كنت محظوظ اني اشوف بنفسي حب و مشاعر الناس

دروس اتعلمتها
-الحياة أقصر مما تتخيل! الإنسان أضعف مما تتصور .. حب الناس أغلى مما تحلم !  .. ما تضيعوش وقت كتير بدون ناس و بدون حب، مش هاتندم على حاجة قد الندم على الوقت اللي ماقضيتهوش مع عيلتك و حبايبك و الوقت اللي ضيعته في خناقات و في كراهية.
*آخر درس ، إوع تعتمد على جوجل في الترجمة ، (هاتروح في حتة تانية خالص)

المهم
*ممكن تنسوا كل الكلام الكتير اللي فات، لكن خلّوا بالكم من نفسكم قوي قوي ، عايز اقول لكم انه لما قرروا نقلي  لمستشفى ، ما كانش في مكان في أغلب المستشفيات اللي سألت فيها ! حتى أغلى المستشفيات في مصر !
و ان لما الأطباء قرروا آخر محاولة في علاج بحقن، كانت المفاجأة ان  الحقن المطلوبة مش متوفرة! و ناقصة في كل العالم! و بالرغم من علاقاتي واتصالاتي بأكبر دكاترة و مسئولين ، مافيش حد قادر يساعد ، و بمعجزة قدرنا نلاقي جرعة واحدة! و بعدين قدرنا نلاقي جرعة ثانية!
كنت هاتموت وانت حريص و متطعّم!

في سؤال قالوه ناس كتير: انت كنت بتنصح الناس تلبس كمامات وبتشجّع الناس تاخد اللقاح و انت نفسك أخدته ، و بعدين أخدت الإصابة، و إصابة عنيفة، و دخلت المستشفى، وكنت هاتموت ! الإجابة: انا مازلت عند رأيي! يمكن لو ما كنتش أخدت ، كنت مت فعلاً! هي ببساطة علشان اشرحهالك عبارة عن معركة بين قوة وكمية الڤيروس اللي بتتعرض له. و قوة المقاومة اللي معاك  ، الكمامة (كأنها درع واقي)  أكيد بتقلل من كمية الڤيروس اللي بتتعرض لها ، اللقاح بيخلّي معاك قوة إضافية ! كأنك داخل عركة و في حد داخل بيساعد معاك، دا ما يمنعش ان لو جه ڤيروس قوي جداً ممكن يطحنك و يموّتك انت و اللي معاك، لكن بالتأكيد فرصك أحسن بكثير و انت داخل المعركة ومعاك درع واقي ومعاك حد بيساعد معاك!
بحبكم
ربنا يحافظ عليكم.