بقلم : الدكتور مجدى شحاته
انتهت منذ ايام قليلة فعاليات أعمال قمة المناخ ( كوب 26 ) التى عُقدت فى مدينة غلاسكو فى اسكتلاندا فى الفترة ما بين 31 اكتوبر و 12 نوفمبر برئاسة المملكة المتحدة تحت رعاية وتنظيم الامم المتحدة . تأتى أعمال القمة  بعد ست سنوات من اتفاقية باريس التاريخية التى وافق عليها ما يقرب من 200 دولة لمنع ارتفاع درجة حرارة الارض الى درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية . قمة غلاسكو شارك فيها أكثر من 120 من وؤساء الدول والحكومات وتضمنت سلسلة من الاجتماعات شارك فيها حوالى 25 ألف شخص ما بين وفود رسمية وممثلين عن القطاعين العام والخاص فضلا عن منظمات غير حكومية , الامر الذى يجعلها أكبر قمة تم التخطيط لها من أجل السعى والعمل الجاد نحو حفظ النظام الدولى العام على الاطلاق . أحداث القمة والحشد العالمى لها واهتمام رؤساء الدول والحكومات وبهذا الكم الهائل من الحضور يؤكد على مدى أهمية بل وخطورة الموقف البيئى المتعلق بالتقلبات المناخية التى يعانى منها كوكبنا منذ عقود طويلة . ولا شك ان استمرار تفاقم الاوضاع المناخية سوف تؤدى الى عواقب كارثية خطيرة ، اذ لم يتحد العالم بكاملة ضد هذا التحدى الذى أصبح يهدد كافة البشر على كوكب الارض .
               
جاءت قمة المناخ فى غلاسكو استكمالا لمسيرة دول العالم بغرض اعطاء قوة دافعة قوية وجديدة بغرض الحد من الانبعاثات الكربونية فى الجوالذى بات يهدد بصورة جادة وخطيرة مستقبل الاجيال القادمة من الجنس البشرى وكافة الكائنات الحية من نبات وحيوان . هذا ما عبر عنه الامين العام للامم المتحدة  فى كلمته الى ناشد خلالها رؤساء الدول و الحكومات والتى جاء فيها نصا : "اختاروا انقاذ مستقبلنا وانقاذ البشرية "  

ظاهرة الاحتباس الحرارى ، تتسبب نتيجة تزايد انبعاث غازات ثانى اكسيد الكربون والميثان واكسيد النيتروجين وغاز كلوروفلورو الكربون . تلك الغازات التى تتكاثر معدلاتها نتيجة تزايد النشاط البشرى والذى يعبر عنه :  بالثورة الصناعية وتقدم التكنولوجيا وزيادة وسائل المواصلات التى تستخدم الوقود الاحفورى مثل الفحم الحجرى والنفط  وكافة أجهزة التبريد . هذه الغازات والتى باتت تمثل نسبة كبيرة من الغلاف الجوى والتى تسمح  بمرور اشعة الشمس الى الارض ، فى نفس الوقت الذى تعمل فيه  بمثابة مانع أو حاجز يمنع الحرارة التى اكتسبتها الارض ان تنعكس وترتد مرة اخرى الى الفضاء الخارجى . لذا تعرف هذه الغازات بالغازات الدافئة او غازات ( البيت الزجاجى ) حيث تعمل الغازات على احتفاظ  الارض  بدرجات الحرارة التى امتصتها من اشعة الشمس الساقطة  عليها ، مما يؤدى الى الارتفاع التدريجى لحرارة الجبال والصخور ومياة البحار والمحيطات ورمال الصحارى . والامر الاكثر خطورة يتمثل فى ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات والتى تتسبب الى ذوبان الجليد والثلوج على قمم الجبال وفى مناطق القطبين الامر الذى يؤدى الى ارتفاع منسوب المياه فى البحار والمحيطات وبالتالى الى غرق واختفاء العديد من المدن الساحلية الكبرى فى انحاء مختلفة من العالم .  ويؤكد علماء المناخ ان ظاهرة الاحتباس الحرارى تؤدى الى تغيرات واضحة فى مناخ الكرة الارضية ، مثل  معدل هطول الامطار وهبوب العواصف والاعاصير وحدوث الفيضانات والتيارات المائية فى البحار والمحيطات ، وزيادة التصحر والجفاف فى المناطق الزراعية  وانخفاض فى الثروة السمكية وكذلك انقراض واختفاء هائل فى أعداد كثير من الحيوانات والنباتات الطبيعية الامر الذى يؤدى الى خلل كبير وواضح فى البيئة والانظمة الحيوية على كوكب الارض ، بالاضافة الى التغيرات الغير مسبوقة سواء فى ارتفاع او انخفاض درجات الحرارة فى أرجاء مختلفة من انحاء العالم ، وظهور فيروسات مستجدة مسببة امراض لم نسمع عنها من قبل . بجانب انكماش وتقلص فى مساحات الغابات المطيرة مع قلة المحاصيل الزراعية التى تؤدى الى انخفاض حاد فى المواد الغذائية للانسان والحيوان

والسؤال الذى يطرح نفسه وبالحاح ... هل دول العالم جادة وقادرة على تحقيق الهدف المنشود وهوالحد من ارتفاع حرارة الارض اكثر من 1.5 درجة مئوية مقارنة بالقرن التاسع عشر اوعصر ما قبل الصناعة وذالك خلال الفترو من الان وحتى عام 2050 ؟؟ بمعنى اخر... هل دول العالم قادرة على تفعيل تخفيضات جذرية وعاجلة من انبعاثات غاز ثانى اكسيد الكربون والغازات الدفيئة الناتجة عن حرارة الوقود الاحفورى بحلول عام 2030 بغرض الوصول الى المستوى ( صفر) من الانبعثات عام 2050 ؟؟ الهدف يبدو بسيطا وسهلا ، لكن ربما تحقيقة على ارض الوقع عكس ذلك وتكاليف تحقيقه باهظة لأقصى حد يمكن تصوره !! نعم .. لقد أكدت قمة غلاسكو ان العالم امام تحديات خطيرة تهدد مستقبل الاجيال القادمة ... لقد وضعت قمة المناخ ، الاجيال الحالية امام مسؤوليات عظيمة لقبول التحدى والعمل بجدية لانقاذ كوكبنا الجميل من الدمار... نعم المسؤوليات عظيمة ... والله العلى القدير هو المعين .