د. نادر نور الدين محمد
على مدار أسبوعين، انعقدت قمة المناخ العالمية بمدينة جلاسجو بإنجلترا لمتابعة توصيات قمة باريس السابقة لها للحد من ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، فلا تزال أهم توصيات قمة باريس هى عدم السماح بزيادة درجة حرارة مناخ كوكب الأرض على 1.5 درجة مئوية حتى لا تحدث كوارث فى العديد من بلدان العالم تؤدى إلى اختفاء مدن ساحلية بأكملها من الوجود، وأيضًا تُغمر دلتاوات بعض الأنهار بمياه البحار والمحيطات المالحة، ومنها دلتا نهر النيل، ويتراجع إنتاج الغذاء عالميًّا ليس بأقل من 10%، وتتلوث المياه العذبة، وتزيد معدلات التبخير منها، فيقل ما هو متاح منها، وتزداد ندرة المياه العذبة عالميًّا. وضرب رئيس الوزراء البريطانى «جونسون» مثلًا باحتمال اختفاء مدينة الإسكندرية كاملة خلال الخمسين عامًا القادمة إذا لم يُقلل العالم من انبعاثاته الكربونية وانبعاثات غاز الميثان، وذلك ضمن خمس مدن ساحلية عالمية ستختفى من الوجود. السبب أن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض سوف يعمل على ذوبان جليد القطبين والقمم الثلجية الدائمة للجبال شاهقة الارتفاع، فتنصرف مياه ذوبان الجليد إلى البحار والمحيطات، فيرتفع مستواها بنحو نصف المتر، فتهاجم المدن الساحلية المنخفضة ودلتاوات ثلاثة أنهار عالمية منخفضة، فتغمرها بالمياه المالحة وتُخفيها من الوجود.

ومن أهم توصيات قمة المناخ هذه المرة حتمية عدم استخدام الفحم فى توليد الكهرباء ومختلف الأنشطة الاقتصادية، حيث يتسبب فى انبعاثات كارثية من غاز ثانى أكسيد الكربون، ومعه أيضًا الوقود البترولى بمختلف مشتقاته سواء فى توليد الكهرباء أو كوقود لوسائل النقل والمواصلات، وفرض ضريبة كربون كبيرة على استخدامات البترول والفحم تُستخدم لتعويض الدول النامية عن الأضرار التى ستقع عليها. وبالطبع لقى هذا الأمر مقاومة كبيرة من دول استخدام الفحم، وخاصة الصين ومعها الدول البترولية التى تعتمد على الوقود البترولى، حيث رفضت فرض ضريبة على استخدامات هذه المواد، وطالبت جميعًا بأن يكون هناك تدرج فى تقليل الاستخدامات ووضع أكثر من بديل لإحلال الوقود القديم بالوقود الحديث قليل الانبعاثات الكربونية. ولأول مرة، يبحث مؤتمر المناخ العالمى تقليل انبعاثات غاز الميثان، الذى تفوق قدرته على إحداث الاحترار قدرة غاز ثانى أكسيد الكربون بأكثر من 22 ضعفًا، وبالتالى ينبغى أخذه فى الاعتبار عند تقليل الانبعاثات الغازية. وعمومًا خلصت توصيات قمة جلاسجو للمناخ إلى تعهد الدول الصناعية الكبرى بخفض انبعاثاتها الغازية خلال السنوات الخمس القادمة، والذى سبق أن تعهدت به، منذ ست سنوات فى قمة باريس، ولم تلتزم بوعدها، ودفع 100 مليار دولار تعويضات للدول النامية، وأيضًا اتباع أنشطة الاقتصاد الأخضر قليل الانبعاثات الغازية، وتقليل انبعاثات غاز الميثان، وتقليل استخدامات الفحم والبترول فى الأنشطة الحياتية.

ومن جلاسجو إلى مصر، حيث حضر من القمة المدير التنفيذى لمعهد إدارة المياه العالمى ومدير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليعقد ندوة فى إحدى الجامعات الأجنبية العريقة، ليحذر من أن مصر سوف تدفع فاتورة ضخمة بسبب تغير المناخ وينبغى أن تستعد لها مبكرًا. من هذه الأمور أن منظومة المياه والغذاء والطاقة سوف تشهد خللًا جسيمًا، وسينضم إليها تغير المناخ لتصبح منظومة رباعية تؤدى إلى فقدان المزيد من المياه بالتبخير بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وأن أمن المياه وأمن الغذاء مُهدَّدان بشدة، وأن مصر وكل دول شمال إفريقيا سوف تشهد تكرارًا لموجات القحط والجفاف بشكل كبير، وأن احتياجات مصر المائية ينبغى أن تكون 114 مليار متر مكعب بدلًا من 60 مليارًا حاليًا، ولن يكون من السهل الحصول عليها. ولأن العلماء المرموقين عالميًّا يتسرعون أحيانًا فى الوصول إلى النتائج، ويرددون أمورًا محفوظة دون أن يعقلوها علميًّا، فقد طلبت الكلمة للرد على بعض هذه الأمور. قلت إن مصر ودول شمال إفريقيا جزء من الصحراء الإفريقية الكبرى، وبالتالى فهى تعانى فعلًا القحط الدائم، وتنتمى إلى مناخ المناطق عالية الجفاف Hyper،Arid بدليل أنها أصبحت من كبرى صحارى العالم، وبالتالى فإن القول إنها ستتعرض للمزيد من نوبات القحط غير صحيح علميًّا لأنها قحطاء فعلًا، وهذا لن يؤثر علينا. وإذا كان الأمر يخص ضرب الجفاف لمصر فإنه ينبغى تقسيمه إلى جفاف داخلى لا يعنينا لأن لدينا نهر النيل الذى نعتمد على مياهه بنسبة 95%، وليست لدينا أمطار ولا زراعات على الأمطار نخشى عليها، ولكن كل زراعاتنا مرْوِيّة بمياه نهر النيل، التى سيزيد فقط السحب منها، وبالتالى فالأمر ينبغى معه أن نتحدث عن تأثير تغيرات المناخ على منابع النيل فى إثيوبيا وهضبة البحيرات الاستوائية، فالتوقعات تقول إن هناك احتمالات لزيادة الأمطار على منابع نهر النيل بنسبة 70% أو أن تقل بنسبة 30%، وبالتالى فلا حسم حتى اليوم لاحتمال أن يضرب الجفاف منابع نهر النيل، بل هناك احتمالات بزيادة موارد نهر النيل، وإن كان الجفاف قد ضرب منابع النهر لمدة عشر سنوات، بدلًا من سبع تعودنا أن تكون السنوات العجاف، ولكن عادت السنوات السمان لمدة خمس سنوات، ولاتزال مستمرة، ولا نعرف ما إذا كانت ستتم سبعًا كما تعودنا أم تقل أم تزيد. أما القول بأن مصر تحتاج 114 مليار متر مكعب من المياه لسد احتياجاتها الأساسية فهذا مقبول، ولكن لأن عدد سكان مصر 100 مليون فقط، ويحتاج الفرد إلى ألف متر مكعب سنويًّا ليعيش فوق حد ندرة المياه، فالأوقع أن نقول إن احتياجات مصر طبقًا للتصنيف العالمى 100 مليار متر مكعب فقط من المياه يمكن أن تكفيها بشكل جيد بدلًا من مواردها الحالية، التى لا تزيد حاليًا على 62 مليارًا فقط. هذا الأمر سوف يكفينا ذاتيًّا حيث يحتاج القطاع المنزلى إلى 10 مليارات متر مكعب سنويًّا يمكن أن تزيد مستقبلًا إلى 12 مليارًا، وتحتاج الصناعة حاليًا إلى 2.5 مليار يمكن أن تزيد إلى 5 مستقبلًا للتوسع الصناعى، وبالتالى يتبقى للزراعة نحو 83 مليار متر مكعب تكفى لزراعة نحو 12 مليون فدان بدلًا من 8.6 مليون حاليًا، وبالتالى نحقق الاكتفاء الذاتى فى العديد من السلع الأساسية.

تويتة: وزارة الآثار تحمل اسم وزارة الحضارة فى بعض الدول، واسم وزارة الحضارة والتراث فى البعض الآخر، وأعتقد أن اسم وزارة الحضارة أفضل لنا، ويعكس حضارة مصر العريقة.

* أستاذ الأراضى والمياه بجامعة القاهرة