القس رفعت فكري سعيد
لم يسترح المتطرفون لاستقرار الدولة المصرية، ولم يسعدهم إحساس المصريين بالأمن والأمان، ولم يبهج قلوبهم إلغاء الرئيس السيسى لقانون الطوارئ، ولم يسرهم احتفال الأزهر الشريف والكنيسة المصرية الأسبوع الماضى بمرور عشر سنوات على إنشاء بيت العائلة المصرية، لذلك تداول عدد من المتعصبين فى الأيام الماضية مقطع فيديو قديم يسىء للإسلام، لأحد رجال الدين المسيحى المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة عقود، والذى انقطعت علاقته بالكنيسة المصرية منذ سنوات.

وفى المقابل قام متعصبون آخرون بنشر عدد من الفيديوهات الأخرى لبعض المتطرفين الذين يسيئون للمسيحية. ونسى هؤلاء وأولئك أنهم وهم يقومون بنشر مثل هذه الفيديوهات إنما يزيدون هؤلاء المتطرفين شهرة وشيوعا وانتشارا، من خلال الهاشتاج وكثرة المشاركات الإلكترونية.

وحرصا على السلام الاجتماعى لا بد من احترام الآخر الدينى المغاير، واحترام مقدساته، فالفضاء الإلكترونى رغم إيجابياته الكثيرة إلا أن خطابات الكراهية زادت من خلاله، لذا يجب على المؤسسات الدينية والإعلامية والثقافية والتعليمية أن تقوم بدور إيجابى فى نشر قيم التسامح، وليعلم المتطرفون أن الحروب الدينية اندلعت بسبب خطابات الكراهية.

ولا يمكن لمنصف أن ينكر أن الإخوان المسلمين وكل التنظيمات الأصولية التى تؤمن بالمطلقات، ساهمت فى نشر وازدياد خطاب الكراهية، لذلك فإن هناك حتمية لتجديد الفكر الدينى، كما أنه من الضرورى أن نتصدى بقوة لخطابات الكراهية، فالخطاب الدينى يجب أن يخلو من السخرية والهزء من معتقدات وإيمانيات الآخرين، فلا يجوز لأحد أن يهزأ من معتقدات وإيمانيات الآخرين المغايرين له، فالعاقل هو الذى يقبل ويقر عقلانيًا ومنطقيًا بوجود عقائد أخرى، وهو قد يرى أن معتقداته هى الأفضل، وهو يعتز بها للغاية، ولكنه لا يرى أبدًا أن أصحاب العقائد الأخرى أشخاص مشبوهون أو كافرون أو مهرطقون، بل إنه استنادًا على العقل يراهم أصحاب اختيار آخر يختلف معه فى الكثير ويتفق معه فى الكثير، وهذا التفكير العقلانى يستند على التسامح الفكرى وقبول الآخر المغاير واحترام معتقداته دون استهزاء أو تجريح أو تكفير.

إن الله لا يهتم كثيرًا بالذبائح والقرابين، ولكنه يهتم بالعلاقة مع الإنسان الآخر، إن شريعة الله هى: أن أحب أخى فى الإنسانية قبل كل فروض الصلاة والصوم والقرابين، فما قيمة الصلوات والأصوام والطقوس وكل مظاهر العبادة إن لم تكن هناك محبة حقيقية للإنسان الآخر؟.. فهناك فرق شاسع بين التدين والإيمان الحقيقى، فالتدين كثيرًا ما يركز على المظاهر الخارجية وهى أمور جميلة وهامة، بينما الإيمان الحقيقى هو موقف أخلاقى يقدس القيم ويحترم الإنسان الآخر أيًا كان لونه أو دينه أو مذهبه، فما أسهل التعبد لله ورفع الصلوات والأصوام، ولكن ما أصعب التسامح وقبول الآخر المغاير، إن الله سبحانه يريد أن يعيش البشر أسرة واحدة تربطهم رابطة المحبة، لذا فهو سبحانه لا يقبل عبادة مزيفة من قلب ممتلئ بالكراهية والتطرف والأنانية، إن العبادة الحقيقية التى تسر قلب الله هى التى تمر عبر الإنسان الآخر من خلال محبته وخدمته. إن المؤمنين الحقيقيين بالله والذين يعبدونه بحق من المحتم أن تمتلئ قلوبهم بالمحبة لشخصه وللآخرين على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم، لأن المحبة من الله، ومن لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة، وإذا كان الله قد أحب خليقته كل هذا الحب، فعلى من يعبدون الودود أن يحبوا بعضهم بعضًا، وإذا قال أحد «إنى أحب الله» وهو يبغض أخاه كان كاذبًا، لأن الذى لا يحب أخاه وهو يراه لا يستطيع أن يحب الله الذى لا يراه.

إن واجبنا أن نلم شملنا، ونستجمع قوانا، ونستدعى شجاعتنا، ونتصدى لخطابات الكراهية، ونصرخ فى وجهها عاليًا بكلمة «لا»، وحبذا لو دوت مع كل أذان من مآذن المساجد، ومع كل دقة جرس من منارات الكنائس، ومن كل مدرسة وبيت، لتفر هاربة إلى برية التيه والضياع، وتنجو مجتمعاتنا من أذاها وشرورها. على أن نزرع الحب فى كل خطاباتنا، فبالحب وحده تتجمل الحياة وتصبح فردوسًا جميلًا.

refaatfikry@gmail.com
نقلا عن المصرى اليوم