هاني لبيب
لا أتوافق بأى شكل من الأشكال مع الكتابة والترويج لمفهوم «الآخر».. فى إشارة إلى المختلف معى فكريًّا وسياسيًّا، وأيضًا دينيًّا. وأُفضل دائمًا استخدام مفهوم «الطرف الثانى» للدلالة على المشاركة والتفاعل الكامل فى مجتمع واحد ووطن واحد بدلًا من مصطلح «الآخر»، الذى يُوحى بالفرقة، لما يحمله واقع الآخر من دلالة تهدف إلى الاختزال فى شكل معين إما مسيحيًّا أو مسلمًا، وفى إضافة تنزع إلى التعميم والتذويب عربيًا وليس مصريًّا، وفى نسبة ترمى إلى الاستبعاد على الأقلية أن تخضع للأغلبية.. إعمالًا بتطبيق مبدأ الديمقراطية، وفى صلة تقود إلى التجنب السلبى بأنه لا يجوز تولى المرأة المصرية رئاسة الجمهورية.

وجد مفهوم «الآخر» ترويجًا على نطاق واسع بين الأكاديميين والكُتاب والصحفيين.. غير أن المتتبع لكتاباتهم يجدها تكرس للمفهوم السلبى للآخر بالمعنى الذى ذكرته.

اكتشاف الطرف الثانى هو أهم سمات المعرفة الإنسانية وتبادل الخبرات وتواصل الحضارات وتداخلها فيما بينها للارتقاء بالحضارة الإنسانية. وهو ما يترتب عليه أن الهوية الوطنية الحقيقية للدولة هى التى يثبت فيها حضور كافة أبنائها بغض النظر عن كونهم رجالًا أو نساء، ومسيحيين أو مسلمين، وأقلية أو أغلبية.. فحضور كافة أبنائها ومشاركتهم فى صناعة مستقبل وطنهم هو العلامة الفارقة فى حضور الطرف الثانى التقليدى، المهمش والمستبعد والمستضعف.

وجود تلك المساحة الفكرية والدينية والسياسية للمختلفين معًا يؤكد الخروج من أوهام التفرد والتميز على كافة المستويات، للوصول إلى حقيقة أن الوصول إلى المختلف معنا لا يمكن أن يتم بالمشاهدة والملاحظة فقط، ولكنه يتطلب التفاعل والامتزاج من خلال حرص كل طرف على الحفاظ على تميزه، واحترام الاختلاف معه.

اكتشاف الطرف الثانى المختلف يرتبط بشكل أساسى بمبدأ الاعتراف به، وهو المدخل الأساسى لفهمه، كما أننا نعرف أنفسنا ونكتشف حقيقتنا من خلال تعاملنا واتصالنا بالأطراف المختلفة.. وهو ما يترتب عليه أن نصغى إلى الطرف المختلف معنا لكى نفهمه قبل أن نصدر عليه أحكامًا مسبقة بهدف التعلم منه، وليس احترامه فحسب.

فَهْم الطرف الثانى كما هو وليس كما نريد أن نراه نحن حسب وجهة نظرنا يُمكِّننا من رؤيته على حقيقته بعيدًا عن الذوبان والاستغراق فيه أو الانعزال والانفصال عنه. إن تحويل الذات إلى موضوع يُعد عملًا تعسفيًّا، وهو الأمر الذى نبّه إليه المفكر الراحل إدوارد سعيد قبل أكثر من ثلاثين عامًا فى كتابه القيم «الاستشراق»، حينما ذكر أن تحويل الذات إلى موضوع يحط من إنسانية الطرف الثانى، وهو ما يُعد رفضًا لحق المختلف عنّا فى الوجود كإنسان له تاريخه وثقافته وطريقته الخاصة فى الحياة.

إن علاقتنا بالطرف الثانى المختلف عنّا هى مسؤولية لا يمكن الهروب منها أو استبدالها أو التنصُّل منها أو الاستعاضة عنها بأى شىء آخر أبدًا.. ومثال ذلك الواضح الشخصية العنصرية التى لا تعرف الطرف المختلف عنها سوى فى شكل العدو لها، وهو تعريف يجعلها فى موقف النهب المستباح فكريًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا.. على اعتبار أنه «عدو».. يجب أن يختفى من المجتمع.

نقطة ومن أول السطر..
إننا نحتاج إلى الأطراف «المختلفين عنّا» لاكتشاف أخطائنا، كما يحتاجون هم أيضًا إلينا.. فـ«نقد الآخرين لنا» لا يقل أهمية عن «نقدنا لأنفسنا».
نقلا عن المصرى اليوم