كتب : مايكل دانيال
حينما تصطدم براءة طفل بالخوف، الشر و إنتظار المجهول... ينتج إنسان مهتز،  تائه لا يعرف الطريق الذي يجب ان يسلكه، و هذا ما كان عليه "اوسكار" بطل عرض "برواز" و المأخوذ عن رواية "اوسكار و السيدة الوردية" للكاتب و المخرج الفرنسي العبقري  إريك إيمانويل شميت.
 
يبدأ العرض بحوار مع الله من طفل يعاني مشكلة التأخر العقلي إلي جانب معاناته من مرض السرطان في حالة متأخرة جداً، ولا يبقي لديه سوي ايام معدودة في الدنيا قبل ملاقاه حتفه.... 
 
حوار فلسفي عميق جداً هو ما دار خلال تلك الايام الاثني عشر المتبقية في حياته، ابرزها هو حواره الذي علمته اياه "السيدة الوردية" و التي برعت الفنانة "جيهان تكلا" في تجسيد دورها علي المسرح، و الحوار دائماً ما يبدأ بـ ".. عزيزي الله" و ينتهي بكلمات هي للشكر، حتي ولو لم يحدث شيئاً ملموساً، فهي قوة الإيمان!
 
رسائل قوية مستترة اهمها هو البحث عن الله ذاته و عن سر الوجود المتمثل في "الحب" القادر علي التغيير و المستمد من الله ببراءة و نقاء، فالاصطدام بالشر في الدنيا هو أمر حتمي، و لكن ماذا عن قدرة الحب الحقيقي في تغيير مسار ذلك الشر و تحويله إلي طاقة للحب...!
 
تلك هي المعضلة التي برع الكاتب في سردها اثناء احداث الرواية و التي ابدع المخرج العبقري "جورج موسي" في تحويلها إلي معادل بصري علي المسرح – رغم فقر الإمكانيات – مستغلاً براعة الممثل المبدع "مينا ايوب" والذي جسد دور "أوسكار" بشكل مذهل بما فيه من صعوبة بالغة... حيث ان بطل الرواية هو مريض نفسي، تائه و ينتظر الموت وهو بعد طفل، و يعد "ايوب" احد اكبر مفاجآت العرض الذي استمر قرابة الساعة و نصف علي مسرح ستوديو ناصيبيان "الجزويت" بوسط قاهرة المعز.
 
تدور الاحداث بداخل احدي مستشفيات الطب النفسي، حيث ينعت الجميع "أوسكار" بالاقرع بسبب تساقط شعره نتيجة لعلاج السرطان، و كثيراً ما كانوا يستخفون به و يتلذذون بالسخرية منه و ذلك كناية عن الشر الموجود بداخل البعض، و لكن "السيدة الوردية" و التي كانت تساند ذلك الطفل، و هي كناية عن الخير، استطاعت بحب حقيقي غير مشروط ان تُبدّل ما بداخله من معاناه و خوف إلي حب... لتنتهي حياته المأساوية بعد ان يعطي للجميع و اولهم "دكتور دوسيلدورف" درساً قوياً مفاده ان جميع الاشياء تزول و لكن الحب وحده هو ما يبقي... 
 
هي تراجيديا مأساويه تتخللها كوميديا بسيطة لتخفيف اثر فلسفتها العميقة علي الجمهور ابدع "موسي" و فريق "الوان مصرية" بالتعاون مع مؤسسة "فنانين مصريين" في تقديمها علي خلفية موسيقي هادئة ابدع "موسي" ايضاً في اعدادها حيث جاءت كـ كمعزوفات بسيطة علي اله البيانو المنفرد لتضفي جو من التناغم و الهدوء علي المسرح.
 
 هو عرض فلسفي مختلف، يلمس اعماق النفس و يصطدم بأسئلة كثيراً ما تدور بداخلنا، و اتمني ان نشاهده قريبا علي احد المسارح الكبري بدار الاوبرا المصرية، لانه بالفعل احد العروض القوية جداً و التي يجب اعادتها بإمكانيات اكبر و دعم من الدولة.