بقلم : الدكتور مجدى شحاته
استاذ م : كلية الزراعة. جامعة الاسكندرية ( سابقا )

"فيتواستروجين" مجموعة مركبات كيماوية اسمها مشتق من مقطعين من اللغة اليونانية " فيتو" بمعنى " نبات " ، والمقطع " استروجين" والمقصود به هرمون "الاستروجين" الانثوى فى الثدييات . لذلك تُعرف هذه المركبات الكيماوية أيضا بالاستروجين النباتى ، حيث يتم تكوينها داخل خلايا الكثيرمن النباتات . وتقوم تلك المركبات الكيماوية بمحاكاة الوظائف الفسيولوجية الذى يقوم بها هرمون الاستروجين الانثوى عندما يتناول الانسان اوالحيوان نباتات اوأطعمة تحتوى على " فيتواستروجين" والآن ... ما قصة أكتشاف والتعرف على تلك المركبات ذات النشاط الاستروجينى التى اصبحت مثار اهتمام وبحث الاطباء ووخبراء تغذية الانسان والباحثون فى علوم الغدد الصماء فى السنوات الاخيرة ؟؟      
                          
كانت البداية عندما لفت انتباه المزارعون فى كثير من دول العالم ، خاصة فى كل من استراليا وانجلترا والولايات المتحدة الامريكية ومصر ، ان الحيوانات الزراعية مثل الاغنام والماعز والابقاروالجاموس التى تتغذى أو ترعى على مراعى خضراء من نبات البرسيم مثل البرسيم الحجازى والبرسيم الابيض والاحمروالبرسيم المصرى لفترات طويلة ، يظهر على ذكور تلك الحيوانات مشاكل كبيرة فى الخصوبة والتناسل الامر الذى يؤدى الى تفشى ظاهرة العقم وانخفاض الكفاءة التناسلية . وعلى جانب أخر لاحظوا امور ايجابية ، منها على سبيل المثال رفع معدل النمو لتلك الحيوانات ، وزيادة انتاج الحليب من الماشية الحلابة مع رفع الكفاءة الغذائية ، مع تحسن واضح فى جودة اللحم . بجانب ذلك الوصول لمرحلة البلوغ او النضج الجنسى لاناث الاغنام ( النعاج ) وايضا الابقار، فى سن او عمر مبكر عن السن المعتاد . وكلها أعراض تتعلق بهرمون الاستروجين الانثوى .

لمعرفة السر وراء تلك الظواهر، كان التفكير الاول يدور حول امكانية وجود مركبات كيماوية ذات نشاط هرمونى استروجينى فى علف البرسيم ربما تكون المسؤولة عن تلك الظواهر البيلوجية والفسيولوجية .. وماهو التركيب الكيماوى لتلك المركبات ذات النشاط الاستروجينى الساحر، صاحب القوى الخفية فى عالم المرأة ؟؟

 فى سلسلة من البحوث العلمية استغرقت من عمرى سبع سنوات كاملة ، ابحث وافتش عن السرالهرمونى الخفى فى البرسيم المصرى . ومن خلال دراسة بحثية اكاديمية بالغة الدقة والتعقيد أجريتها بكلية الزراعة جامعة الاسكندرية . تمكنت من خلال هذه الرحلة الطويلة الشاقة فى البحث عن المجهول، من التعرف على أربع مركبات كيماوية ، والكشف عن تركيبها الكيماوى وتقديرها كميا . المركبات الكيماوية تقوم تماما بعمل ودورهرمون الاستروجين ( الحيوانى ) الموجود فى الثدييات . وقمت باستخلاص المركبات الكيماوية الاربعة من نبات البرسيم ، والتى تتبع قسم من المركبات نعرف بمركبات " الايزوفلافون" والتى تُعرف حاليا بالاستروجين النباتى (phytoestrogen ) . وتم نشر تلك البحوث فى أشهرالدوريات الزراعية العلمية العالمية فى استراليا وبريطانيا وأمريكا ومصر . كما توالى نشر عشرات البحوث التى تؤكد وجود "الفيتواستروجين" فى الكثير من الاطعمة التى يتناولها الانسان يوميا على مائدة الافطار والغذاء والعشاء !!!      
               
هرمون الاستروجين من أهم القوى البيلوجية الخفية التى تلعب العديد من الادوارالبيولوجية والفسيولوجية فى حياة كل امرأة منذ نعومة أظافرها . بدأية من البلوغ وظهورعلامات الانوثة والنضج الجنسى ، مرورا بسنوات المراهقة ، ثم مراحل الانجاب من حمل وولادة وحضانة الاطفال وصولا الى سن اليأس حيث انقطاع الطمث . ليتوارى بعدها ويختفى هذا الهرمون الساحر المبهرالذى يتم انتاجه أساسا من المبيضين والمشيمة وبشكل ثانوى من غدة فوق الكلية والكبد والانسجة الدهنية .

 بعد انقطاع الطمث عند المرأة يحدث انخفاض حاد فى مستوى هرمون الاستروجين فى الدم ، بعدها تظهر بعض الاعراض الحرجة الغيرمريحة واخرى مرضية ، نتيجة للانخفاض الحاد فى مستوى هرمون الاستروجين . وظهرت عشرات المئات من البحوث العلمية المنشورة ، بعد الكشف عن حقيقة " الفيتواسيروجين "وعن امكانية استخدام النباتات والاطعمة الغذائية الغنية بالاستروجين النباتى كمكملات غذائية أو كنوع من العلاح الطبيعى عن طريق تناول الاطعمة الغنبة ب "الفايتواستروجين " ذات النشاط الاستروجينى ، كبدائل لهرمون الاستروجين الانثوى . فقد أوضحت الدراسات والبحوث المتعددة ، ان تناول السيدات أطعمة غنية ب "الفايتواستروجين " بعد انقطاع الطمث وانخفاض مستوى هرمون الاستروجين بشكل حاد ، يهدئ كثيرا من بعض الاعراض الغير مريحة مثل الهبات الساخنة والتقليل من أخطارهشاشة العظام والحد من ظهور بثور حب الشباب على البشرة والمساعدة فى دعم وتحسين صحة القلب وأمراض الاوعية الدموية كذاك تعمل تلك الاطعمة ، على تقليل وانخفاض نسبة الكوليسترول فى الدم .الا أن هناك تضارب فى الآراء بخصوص تأثير "الفايتواستروجين" على الحد من انتشار سرطان الثدى .اما من حيث الاطعمة الغذائية الغنية ب " الفايتواستروجين" فهى كثيرة ومتنوعة واهمها : فول الصويا والبقوليات وبذور الكتان ومعظم الحبوب والحمص والعدس ونخالة القمح والسمسم والخوخ والتوت الفول السودانى  والفواكه المجففة والبرسيم الحجازى والاحمرو الينسون والشمر والحلبة والمكسرات والحليب واللحوم الحمراء . ومن الجدير بالذكر ان دراسات قد اشارت الى ان الصينيات واليابانيات والتى تحتوى الحمية الغذائية لديهن على كميات عالية من منتجات فول الصويا ومشتقاتها والغنية بالاستروجين النباتى ، تنخفض لديهن اعراض ومتاعب انقطاع الطمث بدرجة عالية عن السيدات الاوروبيات حيث لا تشمل الحمية الغذائية لديهن على فول الصويا .

 وتشير كافة البحوث المنشورة عن هذا الموضوع بأهمية وبضرورة استشارة الطبيب المختص وخبراء التغذية قبل الاسراف فى تعطى المواد الغذائية المحتوية على نسب عالية من الاستروجينات النباتية حتى لا يسبب الاسراف من تعاطيها بدون ضوابط ، اى خلل هرمونى او اى اضرار او أعراض جانبية ، نظرا لعدم توافر بيانات عن كميات " الفايتواستروجين"  فى الاطعمة الغذائية .