د. ناجح إبراهيم
إذا سألتنى من هو أعظم مسيحى عربى فى التاريخ؟ أجبتك على الفور: «حاتم الطائى»، الذى قال عنه الشاعر الفارسى سعدى الشيرازى: «حاتم الطائى لم يعد موجوداً، لكن اسمه الجليل سيبقى مشهوراً بالفضيلة إلى الأبد، فقد وزع عشور ثروته فى الصدقات فى كل مكان».

وحاتم الطائى يعرفه الجميع بأنه أكرم العرب جميعاً، وجده الشاعر الشجاع امرؤ القيس، وأمه عتبة بنت عفيف، وكانت ذات يسر وكرم حتى حجر عليها إخوتها لشدة كرمها، وقد نشأ «حاتم» على غرارها حتى أصبح مضرب المثل فى الجود والكرم، وكان سيداً لقومه طىء، التى تقع الآن فى منطقة حائل بالسعودية، وبقايا قصره موجودة حتى الآن، وكانت العرب لا تسيد أحداً إلا إذا كان شجاعاً وكريماً.

«حاتم» كان يوصف بالآتى: «يصدق قوله فعله، إذا قاتل غلب، إذا سئل وهب، إذا سابق سبق، وإذا أسر أطلق، وكان يقسم بالله ألا يقتل أحداً فى شهر رجب المحرم، كان ينحر كل يوم عشراً من الإبل ليطعم الناس».

وفى إحدى المرات لم يكن لديه فى الدار شىء فعلل أولاده حتى ناموا رغم جوعهم، فجاءت امرأة باكية: يا أبا عدى أتيتك من عند صبيةٍ يتعاوون كالكلاب جوعاً، فكره أن يردها أو يذكر لها جوعه وأولاده فذبح فرسه وأطعمها وأطعم أولاده وكل الجائعين من قومه حتى لم يتركوا له شيئاً وهو يتضور من الجوع.

مات حاتم الطائى قبل بعثة النبى «صلى الله عليه وسلم»، الذى أعجب بقصته التى روتها ابنته «سفانة»، التى أسرتها مع المئات من قومها جيوش الإسلام وهرب شقيقها «عدى»، سيد قومه، مع الآلاف من القبيلة، فقامت «سفانة» تحدث الرسول «صلى الله عليه وسلم» قائلة: «هلك الوالد وغاب الوافد فإن رأيت أن تخلى عنى ولا تشمت بى الأعداء من قبائل العرب، فإنى ابنة سيد قومه، وإن أبى كان يحب مكارم الأخلاق وكان يطعم الجائع ويفك العانى ويكسو العارى وما أتاه طالب حاجة إلا ورده بها معززاً مكرماً»، فقال الرسول: «أطلقوها كرامة لأبيها لأنه كان يحب مكارم الأخلاق»، وأطلق معها قومها جميعاً، وقال عليه السلام: «يا سفانة هذه الصفات التى ذكرتها إنما هى صفات المؤمنين»، وأوصلها مكرمة معززة إلى قومها فى بنى طىء وأعطى أماناً للقبيلة كلها، إكراماً لخصال هذا الرجل الكريم حاتم الطائى.

ولذلك قالت «سفانة»، وكانت حكيمة عاقلة، لشقيقها عدى بن حاتم الطائى: اذهب إليه فإن كان نبياً فآمن به وإن كان ملكاً فلن تظلم عنده وسيكرمك، فذهب إلى رسول الله فأكرم وفادته وأجلسه على الوسادة الوحيدة فى منزله وجلس الرسول على الأرض، ورآه من غير حاجب ولا حراس ولا أبواب وليس له هيلمان «ولا برستيج» الملوك، فقال: ليس هذا بملك، ثم دار بينهما حوار رائع أسلم بعده عدى بن حاتم طواعية، وكان له دور كبير فى إنقاذ قومه من الردة، وكان مثل أبيه فى الكرم والرجولة والشهامة، وكان أبوبكر وعمر يعرفان قدره ومكانته.

وهكذا معادن الذهب والفضة، فقد قال مرة لعمر بن الخطاب: ألا تعرفنى؟ فقال له الخليفة العادل: «كيف لا أعرفك، آمنت إذ كفروا، وعرفت إذ أنكروا، ووفيت إذ غدروا، وأقبلت إذ أدبروا»، وذلك عرفاناً بموقفه يوم ارتد العرب عن الإسلام بعد وفاة النبى الكريم «صلى الله عليه وسلم»، ولكن عدياً قاد قومه لمناهضة الردة فحماهم مرة أخرى من مصير المرتدين البائس.

سلام على الكرام الشجعان فى كل زمان، ولا عزاء للجبناء والبخلاء.
نقلا عن الوطن