مدحت بشاي
‫medhatbeshay290@gmail.com

مع بداية العام الجديد عشنا حالة من الحزن الأليم لتوالي الأخبار الصادمة برحيل رموز مصرية وطنية غالية ، كمفاجأة مغادرتنا المناضلة الوطنية المثقفة المستشارة العظيمة النبيلة " تهاني الجبالي " التي ما تنازلت عن مبادئها الوطنية يومًا ، وهل ننسى صلابتها وموقفها العظيم من رئيس عصابة الإخوان ورفضها أن يقسم اليمين لتولي الرئاسة في أي مكان غير المحكمة الدستورية العليا ، و افتقادنا للكاتب الصحفي والإعلامي الوطني الرياضي الأهرامي "ابراهيم حجازي" أحد رموز حرب أكتوبر العظيمة والذي ظل مدافعًا عن كل قضايا الوطن وهموم المواطن حتى رحيله ، ورحيل الكاتب الصحفي والإعلامي الشهير " وائل الإبراشي " الذي حمل على كاهله التشابك الإيجابي مع العديد من قضايا التنوير بحماس ووعي ومشاركته للجماهير في أوجاعهم وطموحاتهم .. أقول ونحن نعيش مواجهة تلك الصدمات المتوالية يخرج علينا كتائب التعصب من بقايا أهل التخلف الملوثة عقولهم بقلوبهم السوداء البغيضة بإعلان شماتتهم وفرحتهم بخبر رحيل تلك الرموز الوطنية ، ويصل بهم الأمر إلى حد تزييف الفيديوهات وتأليف التصريحات المنسوبة إليهم للضرب في مصداقية ووطنية رموزنا العظيمة فور إعلان رحيلهم ..

نعم ، فهكذا دومًا شخصيّة المتعصّب نراها مصابة بهوس العظمة مع شعور بالاضطهاد أيضًا ، وهو على قدر كبير من الذُهان الهذياني والمازوشيّة . هذه الملامح كلّها صفات من شأنها أن تفسّر مواقف جماعات التعصب .. هم يرون أن غيرهم يعيشون في الخطأ وهم يشكلّون بالنسبة إليهم تهديدًا لاستمراريّة نظرتهم الخاصّة إلى العالم لذلك يتوقّف المتعصّب عن التساؤل والشكّ ليحتفظ بحقيقة واحدة تتطابق مع قناعته وهذا ما يجعله يخشى أن يتناقش مع الآخر ويركز تفكيره على فكرة ، أو قيمة واحدة ، أو تراث سلف ماضوي ..

ويؤكد أساتذة علم الاجتماع على وصف  " التعصّب " أنّه قد يكون بسبب الانتماء الزائد والجنوني إلى جماعة ، أو دين ، أو عقيدة . ويشكّل " المتعصّبون " فرقًا متشددة فيما يقولون ويطرحون ، وتربطهم بعضهم ببعض خيوط " عصبيّة " تُنظم وتيسر وتضمن عمليات الإحساس والحركة بينهم كما العصب في الجسم . وهذا " التعصّب " يجعل المتعصّب يعيش في عزلة وغربة وانكفاء على الذات ، ويبقى لذلك حماسه للعقيدة أو الفكرة حد البعد ومجافاة الأخر ..
لاشك أن التعصب بات يمثل المادة الأولية لصناعة فتن الصراعات الدينية والمذهبية ، والمطلوب التعامل الفكري والعلمي والقانوني مع رموز كتائب التعصب البغيض ..

ومعلوم أن التطرف في تعريفه يتمثل في الشَّطط في فهم مذهبٍ أو معتقدٍ أو فلسفةٍ أو فكرٍ، والغلو في التعصب لِذلك الفهم ، وتحويله إلى حاكم لِسلوك الفرد أو الجماعة الَّتِي تتصف به ، والاندفاع إلى محاولة فرض هذا الفهم وَالتوجه على الآخر بكل الوسائل ومنها الْعُنْف والإكراه ..

وقد عرفت الدكتورة "هيفاء سلام" في بحث هام لها للتطرف بأنه : " خروج عن القواعد الفكرِيَّة والقيم وَالمعايِيرِ والأساليب السلوكيَّةِ الشائعة في المجتمع ، بحيث نجدٍ أن التطرف يعبر عن نفسه من خلال العزلة أو السلبية أو الانسحاب في مرحلته الأولى وحينما تتعمَّق تلك الحالة ، فإن الْمُتَطَرِّفَ ينتقل إلى المرحلة الثانية ، حيث ممارسة العنف استنادًا إلى مخزون التوترات التي تراكمت في المرحلة الأولى ، فشكلت الطاقة الدافع لسلوكياته  "..

وإذا كان التطرف بمرجعية أو أساس دِينِي أو مذهبِي من وجهة نظر المتطرف وتفسيره الخاص ، فإن المتطرف يغلف تلك المرجعية بإطارات من القداسة والإجلال ، تجعله يرى كل رفض أو انتقاد أو حتى تصويب لفكره يستحق أن يحكم عليه بالشيطنة والازدراء للدين في اتهام سريع لصاحب رسالة الإصلاح ..

ودائمًا ما يكون للمتطرف زاوية تفكير غريبة وضيقة  تدفعه في معظم الأحوال للكذب المثير للفتن والإجهاز على حالة السلام الاجتماعي لمجتمعه باندفاع المختل بأداء سيكوباتي بخروج عن نطاق أي عقل ..

ويبقى خير ختام للرد على أهل التطرف أصحاب القلوب السوداء ما صرح به فضيلة مفتي الديار المصرية ، قال :  "نسأل الله لموتانا الرحمة والمغفرة ، كما نسأله ألا يؤاخذنا بما يفعل السفهاء الشامتون في الموت ، الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة .. اللهم استرنا ولا تخزنا ، ولا تفتنا ولا تفتن بنا ، ونسألك يا ربنا حسن الختام " .. وأضافت دار الإفتاء ، ويزيد الأمر بُعدًا عن كل نبل وكل فضيلة أن تُشْتَمَّ في التعليق رائحة الشماتة وتمني العذاب لمن مات ، فهذا الخُلق المذموم على خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان حريصًا على نجاة جميع الناس من النار ، وليس الموت مناسبةً للشماتة ولا لتصفية الحسابات ، بل هو مناسبة للعظة والاعتبار ، فإن لم تُسعفْكَ مكارم الأخلاق على بذل الدعاء للميت والاستغفار له ، فلتصمت ولتعتبر ، ولتتفكر في ذنوبك وما اقترفته يداك وجناه لسانك ، ولا تُعيِّن نفسك خازنًا على الجنة أو النار ، فرحمة الله عز وجل وسعت كل شيء.
نقلا عن الدستور