بقلم : الدكتور مجدى شحاته
شكل وباء كوفيد-19 منعطفا قاسيا عنيفا بل وخطيرا فى حياة البشر، منعطف يراوح ما بين الاولويات والضروريات وبين محاولات من أجل التعايش والتأقلم وسط بحر من المتغيرات الحادة والغير محسوبة. بل يمكن القول ان ان هناك تغيرات جذرية وجوهرية طالت معايير الحياة فتبدلت وتغيرت ملامح الحياة ونمط المعيشة بشكل غير مألوف بين مجتمعات الشعوب فى كثير من دول العالم .

ومازالت الصورة الغير واضحة المعالم تؤكد ان هناك مزيد من المتغيرات تلوح فى الأفق تصل الى حد التأثيرفى المعتقدات والعادات والتقاليد مع استمرار النضال البشرى من اجل استمرار الحياة خلال كورونا وما بعد كورونا ، وسط هواجس كثيرة تشير الى الصعوبة فى عودة الحياة الى طبيعتها ، فالجراح غائرة ولابد من آثار باقية . من بين ملامح المنعطف الذى تشكل مع اندلاع الوباء ، ظهور تيار المعارضين ضد فرض لقاح كورونا . ليس ظهور تيار من المناهضين أوالرافضين للقاح كوفيد-19 أمر جديد على الساحة العالمية  مع تفشى وباء كورونا. بل لهذا التيار المعارض للتطعيم جذور تعود الى القرن الثامن عشر حين ظهراول لقاح توصل اليه الطبيب البريطانى ادوارد جينر وهولقاح لتحفيز المناعة ومقاومة فيروس جدرى البقر. وتم التوصل الى ذلك اللقاح بعد ان لاحظ الطبيب البريطانى ان من يقوموا بحليب الابقار فى مزارع الحليب ، نادرا ما يصابون بوباء جدرى الابقار.

كانت بداية تخليق اللقاح ضد وباء الجدرى تتم بطريقة بدائية للغاية عن طريق القيام بتدليك وفرك جلد الانسان بقشور بثور الجدرى المجفف أو الحقن بالسوائل المتجمعة تحت بثور الجدرى . قد اكدت تلك المعاملات البدائية عن تحفيز المناعة لدى الافراد ضد الميكروبات المسببة لوباء الجدرى وظهورأعراض المرض بشكل مخفف ، سرعان ما يتعافى الشخص المريض بشكل كامل. واثناء الجهود العلمية التى تمثل نجاحات مبهرة وعظيمة ضد الوباء القاتل ، ظهرت التيارات المناهضة والرافضة للقاح والتشكيك فى كل الجهود العلمية  ونشر الشائعات وبث المخاوف بين الناس ، أن الذين تم حقنهم باللقاح سيتحولون الى وحوش فى هيئة أنصاف بشر والنصف الآخر ينتمى الى حيوانات البقر!!

واليوم .. يعيد التاريخ نفسه بعد اجتياح وباء كوفيد-19 كافة دول العالم يحصد الملايين من الابرياء ، سارع العلماء والباحثون فى مراكز البحوث والجامعات وشركات الادوية فى معظم دول العالم بغرض التوصل الى لقاح يعمل على رفع المناعة ضد الفيروس لدى الافراد . وبعد مرورما يقرب من العام الواحد من انتشارالمرض ، أقرت منظمة الصحة العالمية سبع لقاحات صالحة للتداول فى كافة أنحاء العالم .

وما ان بدأت حملات التحصين وتطعيم المواطنين فى كل دول العالم ، حتى خرج فى كل دول العالم من يرفض هذه القاحات مع خروج التظاهرات الحاشدة فى الشوارع والميادين اتسمت بعضها بكل الاسف بالعنف ، بجانب شن حملات مسعورة على مواقع التواصل الاجتماعى تحذر من اللقاحات مع نشر المزيد من المعلومات المغلوطة والشائعات المضللة الغير مبنية على اسس علمية صحيحة. وهناك من يسيطر على عقولهم نظرية المؤامرة ، والزخم الاعلامى والاخبار المتضاربة والافكار المتطرفة ، بل هناك من ينكر من الاساس وجود فيروس كورونا ، وما هى الا خدعة عالمية ومؤامرة دولية ، وكأن كل رؤساء الدول والحكومات اتفقوامعا لتدمير اقتصاد العالم وتوقف كافة المشروعات التنموية وتوقف كافة وسائل النقل ونشر الركود والخراب والدمار بغرض تصنيع وبيع الفاكسين ؟! امور لا يتصورها عقل ولا يقرها ضمير . بعض المناهضون الرافضون للفاكسين يرددون وينشرون ان شركات صناعة الدواء تسعى لتحقبق ارباح طائلة من وراء اللقاح ، فى الوقت التى تشير فيه التقارير ان سوق اللقاحات حول العالم لا يصل اكثر من 3% من صناعة الادوية ، فى حين ان بعض العقاقير المسكنة تصل ارباحها أضعاف اللقاحات المتعددة .

نفس السيناريو سبق تكراره فى اواخر القرن التاسع عشر ضد العالم الشهير لويس باستور الذى اكتشف لقاح داء الكلب واتهموه وقتها انه يسعى لتحقيق أرباح مالية من اكتشلف اللقاح . والسؤال الذى يطرح نفسه وسط هذا اللغط ، هل تكفل القوانين الحرية للمواطنيين بعدم اخذ اللقاح ؟ وكيف نوازن بين ممارسة المواطن حقه فى عدم أخذ اللقاح ومسؤوليتة الاجتماعية ؟ من الصعب اجبار أحد على أخذ اللقاح ، ولكن لكل دولة التشريعات والقوانين الخاصة بها ، والتى يمكن تعديلها حتى تتوائم مع حالات الخطر والامن الصحى والقومى. ان قلنا ان لكل مواطن حقوق انسانية ، أيضا فى نفس الوقت عليه مسؤوليات اجتماعية يلزم عليه تأديتها ليحرص على التوازن الاجتماعى. الحرية أمر مطلوب فى حياة البشر ولكن بشرط لا تكون حريتك بها ضرر على المجتمع.