صلاح الغزالي حرب
أولًا: الفساد الجامعى.. كارثة أخلاقية
لقد بُحَّ صوتى، وعلى مدى سنوات طويلة، من ضرورة تفعيل مبدأ الاستقلال الجامعى، الذى يعطى لأعضاء هيئة التدريس الحق المطلق فى اختيار القيادات الجامعية على كافة المستويات وفق معايير دقيقة تتفق مع ما يحدث فى كبريات الجامعات فى العالم وكذلك فيما يخص اختيار المعيدين والباحثين ونظم الترقية وتهيئة المناخ المناسب للعلم والعلماء، ولكن للأسف الشديد تحولت معظم جامعاتنا إلى مفرخة لأعداد لا حصر لها من الشباب التائه الباحث عن عمل.

وقد أحزننى بشدة مؤخرًا ما جاء فى الصحف من أن مجلس التأديب بجامعة المنصورة قرر عزل أربعة من أساتذة قسم النساء والتوليد بكلية الطب من وظائفهم وحرمانهم من ربع مكافآتهم لارتكابهم مخالفات جسيمة تمثلت فى تزوير أبحاث علمية والسرقة من أبحاث أساتذة أجانب وانتهاك واجبات وأخلاقيات البحث العلمى.

وبعدها بأيام، وفى مقاله الأسبوعى، ذكر الكاتب الصحفى المخضرم رفعت فياض، المتخصص فى شؤون التعليم، أن قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنصورة قد تحول إلى قِبلة لكل دارس مصرى وعربى يريد أن يحصل على الماجستير أو الدكتوراه، وأن هناك صراعًا بين أعضاء مجلس القسم من أجل الفوز بتسجيل أكبر عدد ممكن من هذه الرسائل العلمية!.

وأضاف أن هذا القسم أصبح يمنح ما يقرب من 4 رسائل علمية أسبوعيًّا!، فى سابقة لم تحدث فى تاريخ الجامعات المصرية، كما أصبح لهذا القسم شلة معينة من الأساتذة المناقشين من خارج جامعة المنصورة معروفون بالاسم يتم ترشيحهم لمناقشتها نظرًا للتساهل المعتاد منهم فى منح الدرجات العلمية لطلاب هذه الرسائل حتى ولو كانت بلا مضمون، وقد طالب الأستاذ فياض فى مقاله وزير التعليم العالى ورئيس جامعة المنصورة بالإعلان عن عدد الرسائل المسجلة فى هذا القسم وكم رسالة تم منحها للطلاب المصريين والعرب وجنسياتهم.

إن المؤسف والمؤلم أن هذا الأمر يحدث فى جامعات أخرى، ومنذ فترة طويلة، وقد أصدرت المحكمة الإدارية العليا فى فبراير 2020 حكمًا تاريخيًّا، برئاسة المستشار عادل بريك، بعزل دكتور جامعى بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الدراسات الإنسانية التابعة لجامعة الأزهر بالمنصورة كان قد تقدم بخمسة بحوث للترقية إلى درجة أستاذ مساعد تبين أن ثلاثة منها منقولة حرفيًّا من رسالة دكتوراه لباحثة أمريكية بجامعة نورث كارولينا!.

إن هذه الظاهرة الخطيرة لا تقل فى خطورتها عن ظاهرة الغش فى الامتحانات بالمدارس والجامعات، ولها أسباب متعددة، منها تدنى ثقافة البحث فى المجتمع الأكاديمى والضعف والقصور لدى أغلبية الباحثين لمفهوم النقل والاقتباس، كما أن السرقات العلمية زادت انتشارًا بسهولة استخدام الإنترنت والحصول على المعلومات.

ومن هنا أناشد المجتمع الجامعى فى مصر، والذى يضم بين جنباته كفاءات علمية وعالمية على أعلى مستوى فى كل المجالات فى مصر وخارجها، وأعلم أن الكثيرين منهم إما أنه هاجر بحثًا عن البيئة العلمية النقية والتشجيع فى الخارج وإما أنه انكفأ على نفسه ورضخ للواقع المرير.. أناشدهم جميعًا أن يأخذوا زمام المبادرة ويدعوا إلى مؤتمر موسع تحت رعاية رئيس الدولة، الذى أكد أكثر من مرة إيمانه أن مصر لن تنهض إلا بالعلم لوضع استراتيجية قومية للنهوض بالجامعات والبحث العلمى، وأقترح إلغاء وزارة التعليم العالى والاكتفاء بالمجلس الأعلى للجامعات، بعد إعادة تشكيله طبقًا لمعايير عالمية ليكون ممثلًا حقيقيًّا للجامعات المصرية، كما أطالب بإعادة وزارة البحث العلمى وتدعيمها بكل ما تحتاجه من إمكانات تغطى كل مراكز البحث العلمى فى مصر.

ثانيًا: الترفيه الرمضانى
كنت قبيل شهر رمضان، قد كتبت مطالبًا مسؤولى الإعلام بالتعامل مع هذا الشهر فى المقام الأول على أنه الشهر الذى أُنزل فيه القرآن وفُرض فيه الصيام كما أن فيه ليلة القدر.. وفى نفس الوقت يمكن أن ننشر فيه الفرحة والابتسامة والكلمة الطيبة والترويح عن النفس.. ولكن وبكل أسف يبدو أن إمبراطورية الإعلان ونهم بعض المنتجين لجنى أكبر قدر من المال فى هذا الشهر قد نجحا فى تحقيق غرضهما على حساب الكثير من القيم والروحانيات، وسوف أعرض بعض انطباعاتى عن صور الترفيه الرمضانى لهذا العام:

1) تابعت باهتمام مسلسل الاختيار، وهو بمثابة وثيقة مصورة ومسجلة لكواليس الفترة السوداء لحكم مصر بالإخوان المسلمين قبل أن يلفظهم الشعب والجيش إلى الأبد.. وكذا مسلسل فاتن أمل حربى للكاتب والإعلامى المتميز إبراهيم عيسى، وهو أيضًا وثيقة خطيرة وفاضحة تكشف مدى الظلم والإهانة التى تلحق بالمرأة المصرية وبالأطفال فى كنف أزواج فقدوا معنى الرجولة، وحاولوا أن يتستروا بالإسلام، وهو منهم براء، والمسلسل دعوة- وصرخة عالية- إلى مجلس النواب والحكومة لإعادة النظر فى كل القوانين والتشريعات المجحفة المتعلقة بالأحوال الشخصية فى أسرع وقت ممكن حفاظًا على تماسك الأسرة المصرية من ناحية وتطبيقًا لروح الإسلام الحقيقية السمحة من ناحية أخرى.. كما سعدت بعودة الكوميديا الجميلة بقيادة المتألقين أحمد مكى وأكرم حسنى، كما حزنت وأسفت لوجود برامج كثيرة كانت دون المستوى وغير لائقة بالشهر الكريم.

2) لا أدرى كيف يتسنى لشركات المحمول فى مصر أن تنفق الملايين على إعلاناتها المكثفة، فى الوقت الذى يشكو فيه الناس جميعًا من سوء الشبكات؟، وأين وزير الاتصالات؟، وكيف يسمح بهذا الإنفاق الهائل والسفيه من أموال مستخدمى الخدمة على الفنانين فى مقابل خدمة غير مناسبة؟، وهل هذا يتفق مع الأزمة الطاحنة التى تمر بها ميزانية الدولة؟!.

3) الإصرار على استمرار برنامج رامز هو أمر غريب ومريب، فمن غير المعقول أن يفرض علينا مشاهدة هذا الممثل وهو يستمتع بإهانة ضيف الحلقة بألفاظ تتم تغطيتها وعبارات وتلميحات خارجة وتفتقر إلى الأدب والذوق، ثم تعقبها عبارات مماثلة للضيف، الذى قد تهون عليه كرامته ويبدأ فى السباب والشتم بأقذر الألفاظ قبل أن يستسلم للممثل ويأخذه بالأحضان قبل أن يتسلم الدراهم المتفق عليها!!. أليس فينا رجل رشيد يوقف هذه المهزلة إنقاذًا لشبابنا الذين يبحثون عن القدوة؟؟؟!.

4) أشك كثيرًا فى وجود رقابة جادة وحازمة على شكل ومحتوى الإعلانات، التى أصبح الكثير منها مستفزًّا ومنفِّرًا وغير لائق، وأحذر من أن تطغى شهوة المال على احترام القيم والتقاليد ومراعاة الوضع الاجتماعى لغالبية المشاهدين.

خلاصة القول.. رمضان يغادرنا.. وأمامنا فرصة حتى رمضان القادم إن شاء الله لإصلاح مسار الإعلام، الذى يتحمل العبء الأكبر فى تشكيل وعى المواطنين.

drsalahharb@gmail.com
نقلا عن المصرى اليوم