د. سامح فوزى

 دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى حوار شامل، يستوعب كل التيارات السياسية والشبابية، ويتناول أولويات العمل الوطنى بما يتناسب مع متطلبات الجمهورية الجديدة. ونظرا لأن الحوار يضم بداهة مختلفين فى التوجه أو الرأى، فقد أكد الرئيس أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية. وتشير الخبرة التاريخية إلى أن مصر طيلة تاريخها الحديث عرفت مدارس فكرية، وقوى حزبية، وتعددية فى الآراء سواء قبل عام 1952 أو بعده، ولم تفتقر إلى الحيوية الثقافية والسياسية فى أى مرحلة من تاريخها، وشكلت المؤسسات السياسية والثقافية على مدار قرنين من الزمن مجالا للحوار، وبروز نخب سياسية واقتصادية وثقافية.

وقد ظل التعبير عن هذه الحيوية رهنًا بظروف المجتمع المتغيرة، وطبيعة التحديات التى يواجهها. فى السنوات الأخيرة أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى هى الحاضنة للحيوية الثقافية والسياسية عبر سيل هادر من الآراء والتعليقات يشارك بها المجتمع، خاصة الشباب، بعضها يعبر عن أصوات عاقلة، وبعضها عشوائى وانفعالى، يمارس التنفيس أكثر من الحوار العقلاني.

وهناك ثلاثة عوامل أدت إلى كثافة اللجوء إلى الفضاء الالكترونى للتعبير عن الآراء المتعددة هى بروز خطر الإرهاب، وما ارتبط به من تحديات أمنية، داخليًا وخارجيًا، شكلت عنصرًا ضاغطًا على المجال العام، وأيضا الحرص على التباعد الاجتماعى نتيجة الإجراءات الاحترازية تجاه وباء كورونا، وتعليق عمل المنابر الثقافية والسياسية المعتادة، وأخيرًا انشغال المجتمع بمشروعات البناء، والبنية الأساسية، والحماية الاجتماعية، ومواجهة التطرف مما جعل النقاش العام منصبًا على هذه القضايا أكثر من غيرها.

الآن مع دعوة الرئيس السيسى إلى الحوار الوطنى تظهر فى الأفق إمكانية الانتقال مجددًا من الشاشة إلى الواقع من خلال عودة المنابر الثقافية والسياسية إلى ممارسة دورها فى تشجيع الحوار بين الاتجاهات المختلفة وأقصد بها الأحزاب السياسية، والجمعيات الأهلية، والنقابات، والمؤسسات الثقافية ومراكز البحث، التى تمثل ساحة مهمة للنقاش.

وإذا كان الحوار حول متطلبات الجمهورية الجديدة متنوع الاتجاهات، فمن الضرورى أن تتنوع الهيئات والمنابر التى تشترك فيه. تناقش الأحزاب القوانين الخاصة بالمحليات، والإصلاح التشريعى، والسياسات العامة. وتهتم منظمات المجتمع المدنى بقضايا التنمية، والمشاركة، والرعاية الاجتماعية، وحقوق المواطنين، وتنشغل المنابر الثقافية، وإلى جوارها المؤسسات الدينية، بتطوير الخطابات الدينية، ومواجهة الآفات الفكرية، والتطرف، والتشدد، وطرح رؤى جديدة ترتقى بالمجتمع، فكرًا وسلوكًا.

ويختلف الحوار عن السجال الذى لا يحقق تراكمًا أو فكرًا. فإذا عدنا إلى النقاشات الساخنة فى كل المجالات التى أعقبت 25 يناير 2011، نجد أنها دائرية، لم تؤد إلى جديد، بل أججت الخلافات حول عناوين ثابتة أشهرها الدين والدولة، ولم تشمل المساجلات التى عجت بها وسائل الإعلام سوى آراء محتقنة، واشتباكات سياسية، وغابت الآراء الفنية عن السياسات العامة. وهكذا، كانت الرطانة السياسية بديلا عن العلم، والثقافة، والوعى فى هذه المرحلة التى امتدت إلى 30 يونيو 2013، ولم تبرز مقترحات سياسات فى التنمية الاقتصادية، والبرامج الاجتماعية، والنهوض بالتعليم، وتطوير الزراعة، واستخدام المياه والطاقة النظيفة، وغابت الرؤى الجادة التى تهدف إلى تقدم المجتمع.

الآن، بعد مرور نحو عشر سنوات، سوف تختلف مسارات الحوار نتيجة اختلاف مقدماته، حيث فقد تغير وجه المجتمع المصرى عما كان عليه، وتبنت الدولة مبادرات تنموية كبرى، وطرأت تحولات على المسار السياسى، واختلفت العلاقة بين الدولة والمجتمع المدنى من ناحية، والعلاقة بين الدولة والقطاع الخاص من ناحية أخرى، مما يسمح بأجندة جديدة للحوار وفق معطيات مختلفة أبرزها تفعيل السياسات على المستوى المحلى، والنمو الاقتصادى وزيادة الانتاج، وتطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والإهتمام بالتنمية البشرية من حيث التعليم والصحة والتدريب، وتطوير العمل السياسى، ومشاركة الشباب فى المجال العام، وتشجيع القطاع الخاص، واستيعاب الآراء المتنوعة فى المجال العام دون تشكيك أو تخوين مادامت تنطلق من أرضية وطنية، وتهدف إلى تحقيق الصالح العام. إذا سار الحوار على هذا النحو، وانخرطت المؤسسات السياسية والثقافية، على تباينها واختلافها، فى النقاش البناء حول المستقبل، سوف يشهد المجتمع المصرى حالة حوار أكثر من مناسبة حوار، وهو ما يتفق مع دعوة رئيس الجمهورية الذى أراد أن يشمل الحوار كل التيارات، ويمتد إلى سائر المؤسسات، ويخوض فى جميع قضايا العمل الوطنى.

نقلا عن الاهرام